وقلنا: تقصر الصلاة للمسافر، من كل بر وفاجر، لأن فرضهما المقدم كان في السفر والحضر على ركعتين، وقبلنا ذلك وأخذنا به لما فهمناه منه عن كتاب الله المبين، ولم نأخذ ذلك عن روايتهم، وإن كانوا قد رووه، ولم نقبله عنهم - والحمد لله - وإن رأوه، قال الله لا شريك له فيما قلنا فيه من ذلك بعينه، وفيما فهمنا عن الله بالكتاب من تبيينه، فيه نفسه لرسوله، صلى الله عليه وأهله: { وإذا ضربتم في الأرض - والضرب هو: المسافرة إليها - فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } [النساء: 101]، فأبان في هذه الآية نفسها قصرها في السفر تبيينا، ودل على أن فرضها فيه ركعتان، وأنهما عليهم كلما ضربوا في الأرض ثابتتان، قصرها في هذه الآية إنما هو تنصيفها إذا كانوا في حرب مع الإمام، أو مجمعين جميعا منه في مقام، ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله: { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم فإذا سجدوا... } [النساء: 102]. يقول سبحانه: فإذا أتموا ركعة وسجدوها، فلتأت الطائفة الأخرى التي لم تصل فلتصل معك الركعة الثانية بعدها، وكل طائفة من الطائفتين فقد قصرت صلاتها عن أن تتمها، إذ لم تصل مع الرسول صلى الله عليه إلا بعضها، فهذا هو التقصير لما لم يكونوا يقصرون، فإذا أمنوا أتموا مع الإمام ركعتين ركعتين كما كانوا يتمون. وفي ذلك ما يقول سبحانه :{ فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لكم تكونوا تعلمون } [البقرة: 239]. يقول سبحانه أتموا مع رسولكم إذا أمنتم ولا تقصروا، فالاتمام بالإمام هو ما به أمروا، فكانت صلاتهم الظهر والعصر ركعتين كما ترى في السفر، وكان الأمر على ما قلنا في الإمامة من القصر، وأقرت الصلاة على ركعتين في السفر، وزيد عليها فأتمت أربعا في الحضر، فليس لفاجر ولا بر، سافر في خير أو شر، أن يزيد على صلاته في سفره، ولا ينقص منها في حضره، ومن زاد على [ما] فرض عليه من الصلاة في السفر فعليه أن يعود لصلاته، كما لو زاد على صلاة الحضر لفسدت عليه الصلاة فأعادها لزيادته.
فالتقصير إنما هو كما قلنا مع الإمام، ركعتان في السفر فهما أتم التمام، وكذلك كان فرضهما في كل سفر وحضر، ثم لم يكن التقصير فيها إلا بما قلنا من القصر، وليس يجوز أن يقال: قصرت الصلاة إلا على ما قلنا، ولا وجه للتقصير فيها إلا من طريق ما تأولنا، وإنما يقال في الصلاة زيد عليها، ولا يقال بشيء من التقصير فيها، لأنه إذا قيل فيها قصرت الصلاة إلا بما ذكرنا، كان كأنه خلاف لما في كتابه مما أمرنا، من الركعتين اللتين كانتا في الحضر والسفر، صليتا لله فرضا فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر، وكان ذلك كله لله رضى فيما نقص من ذلك كله أو زاد، لزم فيه كله أن يعاد.
والقنوت فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: القنوت ثلاث كثلاث المغرب، ولسنا نضيق على المصلي بما قرأ فيهن ، وقد ذكر عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه: ( قرأ في الركعة الأولة الحمد، وسبح اسم ربك الأعلى. وفي الثانية الحمد لله، وقل يا أيها الكافرون. وفي الثالثة الحمد وقل هو الله أحد ). وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه: ( كان يقنت بتسع سور بعد الركوع )، ويستحب له أن لا يدعو في القنوت إلا بآية من كتاب الله، وكذلك أيضا في قنوت الصبح مثل قول الله سبحانه :{ لا يكلف الله نفسها إلا وسعها..... } [البقرة: 286]. إلى آخر السورة، ومثل قوله :{ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [البقرة: 201]. ثم كبر وخر ساجدا وسجد سجدتين، وتشهد ثم سلم تسليمتين، عن يمينه وعن يساره.
تم الكتاب وربنا المحمود وله الكبرياء والجود، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وأهله وسلم تسليما.
पृष्ठ 479