सलाह उद्दीन अय्यूबी
صلاح الدين الأيوبي وعصره
शैलियों
ولم يكن في نفسه حقد ولا حب انتقام، ويتجلى ذلك من وصيته لابنه إذ قال: «وأحذرك من الدماء والدخول فيها؛ فإن الدم لا ينام، وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالهم ... ولا تحقد على أحد؛ فإن الموت لا يبقي على أحد، واحذر ما بينك وبين الناس فإنه لا يغفر إلا برضاهم. وأما ما بينك وبين الله فإنه يغفره بالتوبة إليه فإنه كريم.» وكان غضبه إذا غضب للمكارم والشرف، فقتله لأرناط الغادر صاحب الكرك لا يذمه أحد وإيقاعه بشاور الوزير المصري لا يجد مؤرخ غبارا عليه؛ إذ كان في كل ذلك غاضبا للشرف والرجولة والعهد. وكان عادلا عدالة لا قيد عليها ولو كان على أهله ونفسه، فكان يأخذ من أبناء إخوته وأبنائه ومن نفسه إذا قام دليل على أن القانون يحكم عليهم أو عليه. على أن كل ما يذكر من مواقفه أمام القضاء يدل على أنه كان على الحق. فكان إذا تبرأ أمام القانون مما طلبه خصمه تكرم على ذلك الخصم فوهبه ما يسمح به كرمه علما منه أن ذلك الخصم ما اندفع إلى ما اندفع إليه إلا لحاجة قامت به.
وكان كريما ينفق ما في يده وأكثر مما في يده في سبيل الخير والإحسان، ولم يترك ميراثا من ذهب أو فضة أو ملك لهذا السبب، ذلك وهو صاحب الدولة العظيمة التي ألبست فرعون وكسرى ذهبا، وجعلت لهما أهراما وإيوانا، فكان أحيانا يذكر المال قائلا: «يمكن أن يكون في الناس من ينظر إلى المال كما ينظر إلى التراب.» ولعله كان يريد بذلك نفسه.
وكان بعد ذلك حسن العشرة لطيف المعاملة طيب الفكاهة. وكان مجلسه طاهرا من الرجس لا يذكر بين يديه إلا خير؛ إذ كان لا يحب أن يسمع إلا خيرا. ولم يشتم أحدا ولم يعل صوته في تأنيب أحد من خدمه إلا مراجعة لطيفة ولو اشتد موجب التأنيب؛ ومثل من ذلك ما حدث أيام مرضه: وذلك أنه أدخل الحمام فوجد الماء حارا فطلب ماء باردا فأحضره الذي يخدمه، فسقط من الماء شيء على الأرض فناله منه شيء فتألم له لضعفه، ثم طلب الماء البارد أيضا فأحضر، فلما قاربه سقطت الطاسة على الأرض فوقع الماء جميعه عليه فكاد يهلك، فلم يزد على أن قال للغلام: «إن كنت تريد قتلي فعرفني.» ثم سكت عنه.
وكان في حياته الداخلية هادئا محبوبا، يودع أبناءه بأن يقبلهم ويمسح على رءوسهم، وكان يصحب أولاده وإخوته في الصيد، وكان يداعب أبناءه الصغار ويعيش في داخل بيته غير متكلف، وكان يطلب أحيانا أكلا بسيطا كأرز بلبن وأمثاله، فيأكل مع من حضر من رجاله الأخصاء وأولاده كما يفعل أي عامل من أوساط الناس.
على مثل هذا كان صلاح الدين في حياته، وقد خلا العالم بوفاته من نور أشرق عليه حينا إلا ذكرا نردده عنه لعل فيه أسوة ومنار هدى.
अज्ञात पृष्ठ