لما قتل كليبا (1) جساس (2) بقي أخوه مهلهل (3) ينوح عليه [46و] ويرثيه , ويتوعدهم بأشعاره حتى أيس (4) منه قومه , وقالوا إنه زير النساء , وسخرت منه بكر , وقالوا: إنما مهلهل نائحة ما عنده خير ولا شر , وهمت آل مرة بالرجوع إلى الحمى , واستحقروه , وبلغ ذلك كليبا (5) , فانتبه للحرب , وشمر ذراعيه , وتوسط نادي قومه , وآلى على نفسه أن لا يقرب النساء , ولا يشم الطيب , ولا يشرب الخمر ,ولا يلهو حتى يقتل بكل عضو من كليب رجلا من بني بكر بن وائل , ويقتل بشسع نعله (6) , ما دام له قوة ينكأ بها عدوا , فقال له أكابر قومه على جهة الإستخبار: إنا نرى أن لا تعجل بالحرب , وأرسل إلى إخواننا , فبالله ما تجدع (1) بحرب قومك إلا أنفك , ولا تقطع إلا كفك! قال مهلهل: قطعها الله كفا , وجدعه الله أنفا (2) , لا تحدث نساء وائل أني أكلت لكليب ثمنا , ولا أخذت له دية (3).
وكليب هذا اسمه: وائل بن ربيعة , وسمي بذلك بعد عقد لواء نزار وربيعة عليه , لأنه عظم في نفسه , واشتهر في العرب , وقبض على نواصيها , وأخذ بثأر أبيه من قحطان في خزازى (4) وغيرها , ولم تهزم له راية في الجاهلية , فلما استحكم رأيه , بلغ منه أنه صار يجير على الدهر فلا تخفر له ذمة , ولا يتحدث أحد - وهو جالس - إلا أن يتحدث , وكان يجير الجراد , ويقول: صيد كذا وكذا في جواري فلا يصاد ذلك الصيد , وكان قد اتخذ جرو كلب , وكان يكتفه ثم يقذفه في الحمى , وفي الروضة [46ظ] المخصبة التي تعجبه , فيحميها ولا تقرب , ويجعله إلى جانب البئر , فلا يشرب ذلك الماء , وبه سمي كليبا , فإنما كان الناس يسمون الحمى المرعي والماء هذا لكليب , فيقال: نعم , هذا حمى كليب , فبقي على ذلك الشرف والسؤدد حتى قتله جساس بسب شارف من الإبل , وقصتها طويلة (5) تركناها خشية الإطناب المخل.
قال الشاعر (6): [من الطويل]
पृष्ठ 181