وحشد وزير بغداد الجنود من جميع الأطراف , ووعدهم الوعود المقتضية للهلاك والتلاف , وجمع من بطون العشائر , ما لا تحيط بجمعه الأقلام والمحابر , فسارت إليه من بغداد كتائب كثيرة , وجموع غزيرة , لم يسر بها ذو القرنين (1) , ولا سمع بمثلها ذو الرياستين (2) , أمم من بطون مختلفة , وعشائر من أظهر مختلفة , أعراب وعرب
وعجم وكرد وغير ذلك مما لا يعلم عددهم إلا خالقهم , فعبروا الفرات , واتوا إليه من جميع الجهات , فكان ما مع الوزير من السلاهب (3) , كربع عشر ثمن كتيبة من هاتيك الكتائب , ولكن النصر بيد الله يؤتيه من يشاء , فحف الله جمع الوزير بالنصر , وقرن بهم الغلبة والقهر , وفرق في مثل ساعة أو أقل تلك الجموع , تفريق الريح السحائب , وترك أكثر أولئك الفرسان نهبة للسمر القواضب , وهذه نصرة لم يتفق مثلها إلا لنبينا -صلى الله عليه وسلم - , في بدر ولأحزاب , ولم نسمع بمثلها لملك في مصنف أو كتاب , وعن هذه الوقعة بعض شعرائه الفصحاء (4) ,ومداحه من العرب , يقول من قصيدة طويلة: [28 ظ] [من السريع]
أما ترى المغوار في وقعة ال ... أحزاب كم جدل فرسانا
إذ بصرة الفيحاء قد أجدبت ... وكان فيها الشهم سلطانا
فرام أن يخرج أجناده ... منها إلى أكناف بغدانا (5)
لكي يخفف الجدب عنها وكي ... يشمل منه اللطف سكانا
فسار بالجحفل عن قطرها ... متخذ الحلة أوطانا
وحيثما خيم في دوها ... قد حصلت دون القرى شانا
पृष्ठ 144