وخصاله جمة لا تحصى , إلا أننا ذكرنا هذه إعلاما بذهاب المروءة , وكساد سوقها , وعدم الإعتناء والرغبة بذوي الحسب والنسب. ولنا في حقه أشعار كثيرة أحببنا أن نذكر بعضا هاهنا , إشعارا بما كان فيه من الخصال الحميدة , ومن ذلك ما أنشدناه في غزوة إلى طرف الخابور , وهي أصعب ما تكون من الغزوات , وحكم في العراق برا وبحرا مدة من الدهر , مطاعا , مقداما لا تروعه الأعداء كثرت [26و] أو قلت , ولم يعهد في مدة حكومته إفشال كتيبة من الكتائب التي يرسلها , فضلا عن أن تكون مصاحبة له , قولنا: [من الطويل]
أبى المجد عن كل الورى ما سوى فتى ... كريم السجايا حاز كل فضيلة
أخا الطعن سل عنه الفوارس والقنا ... إذا غمرات الموت يوما تجلت
له الحلم دأب والسخاء سجية ... كسحبة غيث قد علت فاستهلت
هو البطل الضرغام في حومة الوغى ... هو الكاسر المقدام في كل وقعة
سمي كل من سمى وزيرا مفخما ... لعمري لا يصغي لرأي مذلة
يشار إليه بالأكف إذا بدا ... إلى حومة الهيجاء والبيض سلت
فلا مثله يأتي وقبله أتى ... من الروم ذو فخر وجود ورفعة
كذا الجود فيه قد على وهو أهله ... فطوبى لمن أوصافه فيه حلت
بستة أيام من الجسر قد وطء ... ديارا , سواه لم يطأها بسطوة
أتى بجنود لا يرى قبلا لها ... فوارس لا يخشون سطو المنية
على أشقياء قد بغوا قبل أن رأوا ... خطوب المنايا شرعا قد أظلت
فويل لهم من بطشة ثم ويلهم ... أعزتهم اضحوا بأسوأ ذلة
فعاداته من قبل ذا الطعن في العدا ... وعادات من عاداه شرب المنية (1)
بصيرتهم أضحت خرابا وديرهم ... قد اهتز مما نال من عظم وطأة
غنائمهم أمست بقيد جنوده ... وخابورهم قد خاب يا سوء همة [26ظ]
يجب لقد جبت لرعب قلوبهم ... وغاض لهم مما لقوا ماء دخنة
كذا بجباب البسوا بعد عزهم ... لدى بعدهم خوفا جباب المذلة
पृष्ठ 140