तेहरान की कैदी
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
शैलियों
ومع أنني أنا وأندريه كنا على يقين من أننا لن نجد الأمان في إيران، فلم نتمكن من مغادرتها؛ فعندما أطلق سراحي من «إيفين» أخبرت بأنه لن يسمح لي بمغادرة البلاد مدة ثلاثة أعوام، ولم يرفع الحظر تلقائيا بعد انقضاء الأعوام الثلاثة، بل كان علي أن أقدم طلبا للحصول على جواز سفر، ثم يعطيني مكتب الجوازات خطابا أحمله إلى «إيفين» كي أحصل على تصريح بمغادرة البلاد، ولم يكن مسموحا لأندريه بمغادرة البلاد حتى يتم أعوامه الثلاثة في «زاهدان»، بينما كان موقفي أكثر تعقيدا، ولكنني لن أتيقن من ذلك حتى أحاول.
تقدمت بطلب للحصول على جواز سفر، ورفض الطلب كما توقعت، فأخذت الخطاب من مكتب الجوازات كي أقدمه إلى «إيفين»، حيث أخبرت بأنني لن يسمح لي بمغادرة البلاد ما لم أدفع نصف مليون تومان، أي ما يوازي 3500 دولار أمريكي وديعة لضمان عودتي، فإن عدت خلال عام سوف أستعيد نقودي، وإن لم أعد فسوف تذهب تلك النقود إلى خزانة الحكومة. وفي ذلك الوقت لم يكن مرتب أندريه يتجاوز سبعة آلاف تومان في الشهر؛ أي ما يوازي ستين دولارا أمريكيا، ومن ثم لم نكن نملك المال اللازم.
طلبت من أبي أن يقرضنا المال، فقد ظللنا ندفع نصف إيجار المنزل لوالدي حتى بعد أن انتقلنا إلى «زاهدان» على سبيل المساعدة، وكان والدي قد باع المنزل الصيفي، ويملك ضعف المبلغ الذي أحتاجه في البنك. - «أبي، أرجو أن تقرضنا النقود التي نحتاجها، فأنا لم أطلب منك أي نقود من قبل، وعندما نتمكن من العثور على دولة حرة تقبل استضافتنا ونجد عملا بها فسوف نرد الدين تدريجيا.» - «هل تظنين أن الحياة سهلة بالخارج؟ الحياة صعبة! فكيف تضمنين تحقيق النجاح؟» - «أضمنه لأننا مجتهدان، ولأن الله عظيم، وسوف يساعدنا.»
فضحك والدي وقال: «سوف أقص عليك قصة بسيطة: ذات مرة انطلق صيادان في قارب صغير، وكان الجو جميلا والبحر هادئا عندما غادرا الشاطئ، ولكن عندما أوغلا في البحر ساءت حالة الجو وسرعان ما هاجمتهما عاصفة، فسأل أحدهما الآخر وقاربهما تتقاذفه الأمواج: «ماذا نفعل الآن؟» أجاب الثاني: «علينا أن ندعو الله كي ينقذنا لأنه عظيم قادر على أن ينجينا من تلك الأزمة.» فأجاب الأول: «قد يكون الله عظيما يا صديقي، ولكن القارب صغير بالتأكيد.» وغرق كلاهما في البحر.»
لم أصدق ما سمعته من والدي، مع أنه لم يكن يعلم تفاصيل ما حدث لي في السجن، فقد كان يعلم أني كنت سجينة سياسية، وأن لا مستقبل لي في إيران، كان علي أن أحيا خائفة، وبسبب ملفي السياسي لم يكن مسموحا لي بالالتحاق بالجامعة، كنت بحاجة إلى المساعدة، وهو قادر على مساعدتي، ولكنه رفض تقديمها لي. - «أنت تهتم بالمال أكثر مما تهتم بي! لقد أخبرتك أنني سأسدد لك هذا الدين، ولم أكن لأطلب منك هذا الطلب ما لم أكن في أمس الحاجة.» - «كلا.»
كان علي أن أواجه حقيقة أبي المرة، فهو لن يقدم أي تضحيات من أجلي، ولم أكن أعرف السبب الذي يجعله كذلك. طالما شعرت بمسافة تفصل بيننا، لكنني تجاهلتها لاعتقادي أنه لا يستطيع التعبير عن مشاعره فحسب، فلا أذكر أنه أبدى عاطفة تجاه أحد، ولا حتى أمي أو أخي، ظللت أراقب بطرف عيني آباء يحبون بناتهم ويعبرون عن مشاعرهم لهن علانية؛ آباء يقدمون تضحيات هائلة لأبنائهم، ونبذت فكرة أن والدي يختلف عنهم، بل ظللت أتظاهر بأنه طيب كريم محب.
خطر في بالي السيد موسوي، وكنت على يقين من أنني لو اتصلت به هاتفيا فسوف يعطيني النقود التي تركها لي علي، ولكنني لم أكن أرغب في فعل ذلك، فأنا أريد طي صفحة الماضي. تمنيت لو كانت عائلتي تعاملني مثل عائلة علي، ولكنني كنت على يقين من أن تلك الأمنية لن تتحقق.
كان والد أندريه قد عمل في مصنع للأثاث في السنوات الأخيرة من حياته، وبمساعدة صاحب المصنع تمكن هو وبعض العمال الآخرين من استثمار أموالهم في قطعة أرض لبناء مبنى سكني، وعندما توفي والد أندريه لم يكن المشروع قد بدأ بعد، ولكن أندريه استثمر المزيد من الأموال به. وذات يوم تلقينا مكالمة هاتفية من سيدة كانت تعمل في المصنع وأخبرتنا أن العمل في المبنى قد بدأ، وعندما أخبرناها أننا نستعد لمغادرة البلاد وأننا نمر بضائقة مالية، عرضت أن تشتري نصيبنا وتدفع لنا ما يزيد عن المبلغ الذي استثمرناه بنصف مليون تومان، وكان هذا كل ما نحتاجه.
حصل أندريه على جواز سفره فور انتهاء أعوامنا الثلاثة في «زاهدان»، وذهبت إلى «إيفين» فأودعت المبلغ وحصلت على جواز سفري. كنا قد سمعنا عن وكالة للاجئين في مدريد، وقررنا الذهاب إلى إسبانيا، فاشترينا تذاكر الطائرة وبعنا ممتلكاتنا القليلة واشترينا بها دولارات أمريكية. لم يكن هناك ضمان حقيقي لسفرنا، فقد سبق أن منع الحرس الثوري كثيرا من حاملي جوازات السفر السليمة من مغادرة البلاد بعد وصولهم إلى المطار. لن نشعر بالحرية قبل أن تعبر الطائرة الحدود الإيرانية.
تحدد موعد الرحلة صباح الجمعة السادس والعشرين من أكتوبر عام 1990، واتفقنا مع والدي أن يصطحبانا إلى مطار طهران في منتصف الليل. بكى مايكل الذي كان قد قارب الثانية من عمره وتذمر وأنا ألبسه ثيابه، لكنه استغرق في النوم فور أن تحركت السيارة. كانت المدينة مهجورة، وراقبت الشوارع المألوفة وهي تطوى بسرعة، بدءا من شوارع «داووديه» السكنية الضيقة حيث أقمنا بعد العودة من «زاهدان»، إلى الشوارع الكبرى الرئيسية التي تصطف على جانبيها المتاجر. لدي ذكريات في كل شارع وكل ركن، فقد ساهمت حياتي في إيران في تشكيلي، هأنذا أرحل تاركة خلفي أجزاء من قلبي وروحي؛ لقد مات أحبائي في تلك البلاد، وعلي أن أغادرها، فلا مستقبل لنا هنا، لا شيء سوى الماضي، كنت أود لو رأى أطفالي منزلي الذي نشأت به، والطريق الذي كنت أسلكه في الذهاب إلى المدرسة، والحديقة التي كنت ألعب بها، والكنيسة التي أمدتني بالإيمان والطمأنينة، وددت لو أريتهم بحر «قزوين» الأزرق، والجسر الذي يصل بين جانبي الميناء، وحقول الأرز التي تقع على سفوح الجبال الشاهقة، وددت لو رأوا الصحراء وتعرفوا على ما تبثه في النفس من حكمة وعزلة، ولكنني أدركت أنهم على الأرجح لن يروا أيا من ذلك، فلم نكن ننوي العودة.
अज्ञात पृष्ठ