तेहरान की कैदी

सुहा शमी d. 1450 AH
175

तेहरान की कैदी

سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية

शैलियों

كنت قد نلت كفايتي أنا وأندريه. كنت خائفة وغاضبة، ولم أكن على استعداد لأن أدع طفلي يموت مرة أخرى. أردت الذهاب إلى طهران لأستشير طبيبا آخر، لكنني كنت قد بلغت مرحلة متقدمة في الحمل ولن يسمح لي بركوب الطائرة، في حين كانت العودة إلى طهران بالسيارة خطرا كبيرا، فماذا لو قرر الطفل أن يخرج للحياة فجأة ونحن في الصحراء؟

كان لأحد زملاء أندريه صديق في مكتب الخطوط الجوية، فتمكن مستغلا نفوذه من أن يحصل لنا على تذكرتين للطائرة، وسرعان ما كنا في طريقنا إلى طهران حيث اصطحبتني إحدى بنات عمي إلى طبيب النساء.

ذهبت من المطار إلى المستشفى مباشرة، فطلب مني الطبيب إجراء فحص آخر بالموجات فوق الصوتية، ثم أخبرني بأن الجنين بخير، وكل ما في الأمر أن رأسه كبير قليلا، ولكنه لا ينصح بالولادة الطبيعية، وهكذا حددنا موعدا لإجراء الولادة القيصرية في الحادي والثلاثين من ديسمبر 1988، ولكنني لم أكن أشعر بالارتياح التام. ماذا لو كانوا قد أخطئوا في التشخيص؟ كنت بحاجة ماسة لأن أحمل هذا الطفل بين ذراعي في هذا العالم؛ بحاجة لأن أطعمه وأسمعه يبكي؛ بحاجة لأن تشعر تلك الروح الجديدة بالأمان داخلي وأن تولد وأن تحيا.

ولد ابننا مايكل في الحادي والثلاثين من ديسمبر 1988. عندما فتحت عيني بعد الإفاقة كنت أشعر بالألم الشديد والغثيان، وكان فمي جافا مريرا. أخبرني أندريه بأن الطفل بخير، وعندما حملته بين ذراعي تذكرت شيدا وحزنها العميق عندما اضطرت لإرسال ابنها إلى والديها. الآن أستطيع أن أدرك شعورها الرهيب. •••

توفي آية الله الخميني في الثالث من يونيو عام 1989؛ كان مريضا بالسرطان، وقد خضع لعملية جراحية لتوه، فأدرك الناس أن موته أصبح وشيكا. كنت جالسة على فراشي في «زاهدان» أطعم مايكل الذي بلغ من العمر خمسة أشهر عندما سمعت تلك الأنباء في المذياع، وكان المذيع يبكي. مر في ذهني شريط ذكريات العامين اللذين قضيتهما في «إيفين» بسرعة البرق، كان من المفترض أن تقضي الثورة على سجن «إيفين»، لكنها لم تفعل، بل زادت من وطأة الرعب الصامت الذي يمارسه ومن دمويته. كان الخميني مسئولا عن الفظائع التي ارتكبت خلف تلك الأسوار، كان مسئولا عن وفاة جيتا وترانه وسيرس وليلى ومينا وغيرهم الآلاف، مع ذلك لم يسعدني خبر وفاته، بل أشفقت عليه، فما الفائدة من إصدار حكم على شخص ميت؟ كنت على يقين من أن الشر بداخله لم يكن خالصا، مثل علي، فقد سمعت أنه كان يستمتع بالشعر بل ينظمه، لقد غير العالم، لكن أحدا لن يدرك عمق ذلك التأثير إلى أن يتسنى للتاريخ الحكم على أفعاله ونتائجها بعد فترة مناسبة. دعوت لأراوح من فقدوا حياتهم بعد الثورة أن ترقد في سلام ولعائلاتهم أن تجد الشجاعة والقوة اللازمتين لاستمرار الحياة، وأن تجعل من إيران بلدا أفضل.

استغرق طفلي الوسيم مايكل في النوم لا يدرك أن رجلا يدعى الخميني قد غير حياة والديه، تساءلت كيف ستؤثر وفاة الخميني فينا وفي إيران، فقد ظن كثيرون أن الحكومة الإسلامية ستنهار دعائمها بعد وفاته، وأن الصراع على السلطة بين الطوائف المختلفة في الحكومة سوف يؤدي إلى سقوط الجمهورية الإسلامية.

كان الحر قائظا يوم جنازة الخميني، وتدفق نحو تسعة ملايين شخص متشحين بالسواد في شوارع طهران يقصدون الطريق السريع الذي يؤدي إلى مقبرة «بهشت زهرا». شاهدنا التغطية في التلفاز، لم أشاهد حشدا كبيرا هكذا من قبل، أخذوا يبكون ويصرخون ويضربون صدورهم بأيديهم كعادة الشيعة في بكاء شهدائهم. كل ما خطر في بالي وقتها تلك الأرواح البريئة الشابة التي أزهقت في الثورة وخلف أسوار «إيفين»، لكن أولئك النائحين لم يبد عليهم التأثر بذلك الأمر، فقد كان الخميني إمامهم وقائدهم وبطلهم والرجل الذي واجه الغرب بطريقته المميزة في التحدي والصمود. حاولت أن أفهم لم يحبونه هكذا، هل وصلت كراهيتهم للغرب إلى هذا الحد حتى إنهم لا يمانعون في تعريض أبنائهم الأبرياء للسجن والقتل؟ ربما لم يكن لارتباطهم به علاقة بالحب، لكنه الإعجاب الممزوج بالرهبة نحو رجل من عائلة فقيرة تمكنوا من خلاله من الوصول إلى السلطة والقوة لمواجهة العالم الذي طالما أرهبهم.

أحاطت الحشود بالشاحنة التي تحمل النعش الخشبي الذي يحتوي جسد الخميني، أراد الجميع الإمساك بجزء من الكفن كي يلقوا نظرة أخيرة عليه، بدت الشاحنة كأنها تغرق وسط الحشود المتشحة بالسواد، وجاهدت قوات الأمن كي تبعد الجموع الحزينة عن طريق رشهم بخراطيم المياه، ولكن من دون فائدة. وتحت ستار من الضباب والغبار والحرارة غطى هدير طائرة مروحية على الصرخات والنحيب وهي تقترب من الشاحنة وتهبط أمامها، وأخرج منها نعش الخميني كي ينقل إلى الطائرة، ولكن الحشود تشبثت بالنعش حتى انكسر، وامتدت الأيدي تمزق أجزاء من الكفن الأبيض حتى ظهرت ساق الخميني بارزة، وأخيرا نقلت جثته إلى الطائرة التي اضطرت إلى أن تتمايل إلى أعلى وإلى أسفل كي تتخلص من الحشود التي تشبثت بها وتدلت من جانبيها.

وبعد بضع ساعات أجريت محاولة أخرى أكثر تنظيما لدفن جثة الخميني، وكانت محاولة ناجحة، فقد اقتربت بضع طائرات مروحية عسكرية من الموقع، وخرج من أحدها تابوت معدني، ووضعت فيه جثة الخميني المغطاة بالكفن، فالتقاليد الشيعية تحتم دفن الموتى في الأرض مباشرة بلا شيء سوى الكفن، وأخيرا دفن الخميني بين آلاف الشهداء. •••

مرت الشهور، ولم يتأثر النظام الإسلامي بعد وفاة الخميني، فقد حل محله آية الله علي خامنئي بوصفه المرشد الأعلى للبلاد، وكان قد شغل منصب الرئيس لفترتين رئاسيتين، وهكذا استمر عصر الرعب. قلت أعداد المعتقلين، ليس بسبب زيادة مساحة الحرية، ولكن لأن الجميع أصبحوا يعلمون ضريبة معارضة النظام، أما من كانوا يجرءون على رفع صوتهم فكانوا غالبا يخرسون في الحال. مرت أحوال المرأة بمراحل من الصعود والهبوط، فكل بضعة أشهر كان الحرس الثوري يحكمون قبضتهم ولا يتهاونون إطلاقا في ارتداء الحجاب غير الشرعي أو وضع مساحيق التجميل، ثم تأتي بضعة أسابيع يمكن للمرأة فيها أن تخرج وهي تضع أحمر الشفاه أو تظهر بضع خصلات من شعرها. ***

अज्ञात पृष्ठ