वैश्विक सिय्योनिज्म
الصهيونية العالمية
शैलियों
وهذه الكلمة مفتاح كل كتب نوردو، وخلاصة جميع آرائه فيها، لأنه لم يكن يؤمن بغاية للفرد والنوع غير النفع المادي المحسوس في هذه الدنيا، وهو في هذا يجري على أساس أسلافه وعشيرته. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى وطرد من فرنسا رحل إلى أمريكا لخدمة الدعوة الصهيونية بمقالاته وخطبه ومحاضراته.
وقد يستغرب من العلماء الماديين أن يلقوا بأنفسهم في غمار الحركات الدينية ويتشيعوا لها أشد التشيع كما كان يفعل نوردو، ولكن هذا الذي يستغرب من سائر العلماء لا يجوز أن يستغرب من عالم إسرائيلي لما هو معلوم من أن اليهودية وطن للإسرائيليين وجامعة نفعية لا دين ولا نحلة فحسب، ومن أجل هذا ولأسباب أخرى صار نضال الرجل منهم عن نحلته صورة أخرى من نضاله عن نفسه ومصلحته وكرامة شخصه، ولهذا لا نرى غرابة ما في تصدي طائفة من العلماء كلهم ملحدون لقيادة الدعوة الصهيونية.
وينبغي ألا تنسى هنا الحملة الشعواء التي شنها نوردو في كتابه «الاضمحلال» أو «الانحطاط» على النابهين من أدباء عصره وغيرهم ممن وقع في طريقه، فقضى عليهم جميعا بالمسخ والخداج وانتكاس الأذواق والعقول، وأضرم نارا من النقد الجائر كنيران محكمة التفتيش، فجعل يلقي فيها ما يلقي من كتبهم ودواوينهم باسم العلم في هذه المرة لا باسم الدين.
وقد أنحى فيه على طائفة كبيرة من أعلام المفكرين وفحول الشعراء والأدباء الذين اشتهر ذكرهم في عصره والعصر الذي قبله، وقسم أدباءه - أو قل مرضاه - إلى طبقتين: طبقة عالية تخفي فيها أغراض المسخ بعض الخفاء، وأخرى واطئة لا تمتاز في شيء من سائر المعتوهين والأمساخ، واستخرج من معاني أشعارهم ومضامين سطورهم دلائله التي خالها أعراضا شاهدة عليهم جميعا بالمسخ وفسولة الطبع، فمنهم - فيما زعم - مجانين الأنانية، ومنهم أسرى الشهوات والمصابون بالاضطرابات المخية والنخاعية، ومنهم البله والسوداويون، والمعذبون بالصرع والوسواس، والمتهوسون في الدين أو العصبية، والمتقشفون الموكلون بتعذيب أنفسهم وتنغيص لذاتهم، والناشزون على العرف والآداب، وكثير من أمثال هذه الآراء التي أرسلها في صفحاته بسخاء من ذلك القلم المنغمس في كتابة التفسيرات وأوراق الأدوية!
وقد تتلخص كل أعراضه في ظاهرتين اثنتين: هما العجز عن حصر الذهن وسوء نقل الحواس والأعصاب عن مؤثرات البيئة أو عدم الإحساس بالأشياء على حقيقتها.
ولتعليل إعجاب قراء العصر بأولئك الأدباء والمفكرين رمى نوردو الطبقات القارئة كلها وبعضا من الطبقات الأخرى بالضعف واختبال الحس، ثم مضى يعلل لهذه الأوهام ليدين عصره كله بالخلل والفساد.
وحملة أخرى شنها نوردو في كتابه «الأكاذيب المقررة في المدنية الحاضرة»، ولكن حملته هنا على المجتمع لا على الأدباء، وقد فضح كل ما ظهر له من أكاذيب الحضارة الأوروبية، وسمى ما لم يرقه بالأكاذيب، ومما سماه أكذوبة الدين وأكذوبة الحكم المطلق وأكذوبة الزواج والأكذوبة السياسية والأكذوبة الاقتصادية وما إلى ذلك، وهو في نقده لما سماه الأكاذيب متقحم متسرع، وقد أملى له في تهجمه فوق ما قدمنا يقين الشباب وإقبال التفاؤل، ولولا هذا اليقين وجرأة في نوردو صحبته طول حياته، لكان الأولى به أن يسمى «الحقائق في سبيل التطبيق» بدلا من «الأكاذيب المقررة»؛ لأن كثيرا من الأكاذيب التي أوردها إنما هي حقائق يخالطها الزغل عند التجربة - كالديمقراطية مثلا - وأين هي الحقائق الاجتماعية التي تتركها التجربة على صفائها؟ أليس من الحقائق الرياضية - وناهيك بدقتها - ما يختلف بين الأوراق والأعمال؟
وإذا كان هذا مبلغ العصبية الصهيونية عند العلماء المستقلين حتى الملحدين وانغماسهم في غمراتها إلى هذا القرار، فكيف بمن ليسوا علماء ولا مستقلين ولا سيما المتدينين؟ وإذا كان هذا مبلغ الغلو في العصبية عند من ينبغي لهم سترها أو الاعتدال فيها وهم قادرون عليه ولا ضرورة تمنعهم دونه، فكيف بالمجاهدين المؤمنين الذين لا ينتظر منهم ستر ولا اعتدال ولا قدرة لهم عليه ولا مفر لهم منه.
ونختم حديثنا عن عبث الصهيونيين بالمذاهب والحركات الفكرية؛ بالإشارة إلى أن كثيرا من صنائعهم والببغاوات من أدعياء الثقافة بيننا يتلقفون هذه الدعوات المغرضة في عالم الأدب والفن والفلسفة وغيرها، ويبشرون بها باسم التقدم أو التحرر أو التجديد أو الإصلاح وما إلى ذلك من الأسماء كأنها هي دعوات هداية وبناء من قادة منزهين عن المرض والغرض. وإن إلمامة خفيفة بما ينشر في الصحف والمجلات والكتب بيننا للتبشير بتلك الدعوات، والتنويه بشأن البارزين من الصهيونيين وأعوانهم، واللغط الفارغ بتاريخهم وأعمالهم، سواء كانوا من العلماء والأدباء والزعماء أو من فتيات المسرح ودور الصور المتحركة وعارضات الأزياء؛ إن إلمامة خفيفة بذلك لتدل على أننا نعاني محنة في المروءة والأخلاق فضلا عن محنتنا في العقول والأذواق.
ونحن لا نلوم «العلماء المستقلين» خدام الحقيقة المطلقة لأنهم يتعصبون للملة اليهودية، ولكننا نلوم من ينسى مروءته بيننا من أجل كلمات يتلقفها ويسميها علما ينفصل بصاحبه عن بني قومه في معترك العصبيات والأخطار، وإنهم لأحوج الأمم إلى عون العارف والجاهل في عزلتهم أمام الصهيونية والاستعمار ودسائس الأعداء والطامعين من كل قبيل.
अज्ञात पृष्ठ