الإهداء
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
अज्ञात पृष्ठ
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
अज्ञात पृष्ठ
الإهداء
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
अज्ञात पृष्ठ
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
अज्ञात पृष्ठ
سهم الله
سهم الله
تأليف
تشينوا أتشيبي
ترجمة
سمير عبد ربه
الإهداء
إلى ذكرى أبي: «إيزايا أوكافور أتشيبي»
الفصل الأول
كان يعرف الموعد، موعد ظهور القمر، لكنه كعادته دائما بدأ في انتظاره ومراقبته قبل موعده بأيام ثلاثة، عرف أن اليوم هو موعد القمر الجديد، وها هي الليلة الثالثة منذ أن بدأ في التطلع إلى السماء والبحث عن علامات تشير إلى ظهوره. غير أنه هذه المرة وفي مثل هذا الوقت من العام لم يكن في حاجة إلى مزيد من التطلع نحو السماء بحثا عن القمر، كما كان يفعل عند سقوط الأمطار؛ حيث كان القمر يختبئ أحيانا خلف السحاب عدة أيام، قبل أن يظهر على هيئة قمر ناقص النمو. وبينما كان القمر يواصل اختفاءه وتجواله بين السحب كان الكاهن ينتظر، كل مساء كان ينتظر.
अज्ञात पृष्ठ
كان كوخ الكاهن عاديا لكنه مختلف عن بقية أكواخ الرجال، عتبة طويلة في الأمام وأخرى أقل طولا على اليمين تؤدي إلى الداخل وتحوي إفريزا، كثيرا ما يستند إليه «إيزولو» لرؤية ذلك الجزء من السماء الذي يظهر منه القمر. ساد الظلام وتكدست السماء بالسحب، ولم يستطع «إيزولو» حينئذ أن يحدق بوضوح بحثا عن القمر.
شعر «إيزولو» بضعف في بصره، ولم يكن راغبا في تلك الفكرة التي داهمته بأنه سيضطر يوما ما إلى الاستعانة بعيني شخص آخر، كما فعل جده عند إصابته بضعف في عينيه أدى إلى فقدان بصره، لكن جده عاش طويلا، وكانت إصابته بالعمى كأنها إحدى الحلي والزخارف التي يتحلى بها، وإذا ما عاش «إيزولو» سنوات طويلة مثل جده، فإنه سيقبل راضيا هذه الخسارة. لكنه حتى هذه اللحظة كان قويا كأي من الشباب وربما أقوى. إن الشباب لا يعرفون كيفية استخدام قوته، وكان ذلك واضحا في تلك اللعبة التي لم يسأم «إيزولو» من ممارستها معهم.
كانوا يهزون أياديهم، ويشد هو ذراعه مستجمعا كل قوته في قبضته، فينتابهم الفزع، وسرعان ما يتراجعون.
بدا غاضبا وهو يبحث عن عصاه، هكذا كان يبدو عند ظهور كل قمر جديد، ظل يقرع الجرس الحديدي بعصاه عدة مرات، وفي الحال ارتفعت أصوات الأطفال معلنة الأخبار في كل مكان:
Onwa auto! Onwa auto! Onwa auto!
انتابه الخوف عند رؤية القمر الجديد، «إيزولو» الرجل العجوز كان خائفا مثل ولد صغير؛ فقد كان القمر الذي أبصره اليوم صغيرا ونحيفا كاليتيم الذي أرضعته امرأة بقسوة وكراهية. اقترب بنظراته أكثر وظل يحدق لعله كان مخدوعا بتلك السحب، لكنه لم يستطع التخلص من حالة الخوف التي لازمته.
عندما أصبح كبير كهنة «أولو» كان الخوف يتلاشى بجانب تلك المتعة المنبعثة من موقعه الكبير، لكن الخوف لم ينته تماما وإنما كان راقدا بين ثنايا المتعة، عاود دقاته بالعصا فوق الجرس الحديدي، ثم أسند العصا على الحائط.
هرع الأطفال الصغار من كل صوب وناحية لاستقبال القمر، وارتفعت صيحاتهم إلى عنان السماء فرحين بالقمر، وكان صوت «أوبياجيلي» رقيقا مثل نغمات الفلوت، وواضحا كدقات العصا الصغيرة فوق الطبول، ووسط ضجيج الأطفال وأحاديث النساء اللاتي كن يثرثرن في حرية استطاع «إيزولو» أن يميز صوت «وافو» أصغر أبنائه.
قالت الزوجة الأولى «ماتيفي»: القمر، إن التقاء وجهك بوجهي يجلب الحظ السعيد، ربما.
سألت «أوجوي» الزوجة الصغرى: أين هو؟ إنني لا أراه، هل فقدت بصري؟ - ألا ترين أبعد من شجرة «الأكوا»؟ ليس هناك، اتبعي إصبعي. - أوه، ها أنا ذا أراه، القمر، إن التقاء وجهك بوجهي يجلب الحظ السعيد، ربما، ولكن كيف يبدو هكذا؟ أنا لا أحب هذا الوضع.
अज्ञात पृष्ठ
قالت «ماتيفي»: لماذا؟ - أعتقد أنه مرتبك مثل قمر شرير. - لا، إن القمر الشرير لا يدع الشكوك تساور أحدا كذلك القمر الذي ماتت تحته «أوكواتا» وكانت قدماه مرفوعتين إلى أعلى.
كانت «أوبياجيلي» تشد ملابس أمها قائلة: وهل يقتل القمر الناس؟ - يا إلهي، ماذا أفعل بهذه الطفلة، أتريدين نزع ملابسي حتى أصبح عارية؟ - لقد سألتك، هل يقتل الناس؟ هل القمر ...؟
قاطعها أخوها «وافو»: إنه يقتل الصغار من البنات. - لم أتوجه إليك بالسؤال يا صاحب الأنف الكبير. - سأضربك حالا حتى البكاء يا صاحبة اللسان الطويل.
ثم راحت «أوبياجيلي» تغني:
يقتل القمر الأولاد الصغار،
يقتل القمر أصحاب الأنوف الكبيرة،
يقتل القمر الأولاد الصغار.
دخل «إيزولو» إلى مخزنه وكانت شجرة البامبو قد زرعت خصوصا لوضع اثنتي عشرة قطعة مقدسة من اليام
1
فوقها، اقتطف واحدة وقام بالعد ثم اكتشف أنها ثمان فقط. كان يعرف أنها ثمان قبل قيامه بالعد، أكل ثلاثا من قبل وها هو يمسك بالرابعة في يده، قام بمراجعة أخيرة لما تبقى من اليام، ثم أغلق باب المخزن خلفه برفق وعاد إلى كوخه.
अज्ञात पृष्ठ
كان جذع الخشب يحترق باللهب، فراح يفتش عن بعض العصا، وألقى بها في النار، ووضع قطعة اليام فوق العصا كقربان. ظل ينتظر نضوجها بينما كان يفكر في الحدث القادم. كان اليوم هو «أوي» وغدا سيكون «آفو» ثم «كوا»
2
يوم السوق الكبير، وبعد ثلاثة أيام من «كوا» سيكون عيد أوراق القرعة، فليطلب من مساعديه إذن الإعلان عن ذلك اليوم، يجب أن يخبروا القرى الست في «أوموارو».
كان ل «إيزولو» نفوذ غير محدود على الناس، وكثيرا ما ساورته الشكوك تجاه هذا النفوذ القوي، فكان يتساءل بينه وبين نفسه: هل هو حقيقي هذا النفوذ؟ هو الذي يختار أيام الأعياد والمحاصيل، وهو الذي يختار يوم أوراق القرعة ويوم الاحتفال الجديد بعيد اليام. لا، إن الاختيار لم يكن له وحده، لم يكن اختيارا حرا. إنه مجرد شخص يراقب، ولم تكن قوته تتعدى قوة طفل يمتطي الماعز، ويوفر لها الطعام، ويعتني بها، ثم يبسط قوته عليها طالما ظلت على قيد الحياة. لا، إن كاهن «أولو» أكبر من ذلك، ويجب أن يكون أكثر من ذلك، كأن يرفض اختيار اليوم، فلا يكون المهرجان، ولا يكون زرع أو حصد، لا شيء يكون.
ولكن هل يستطيع أن يرفض؟
قال أحد أعدائه: إنه لا يستطيع أن يرفض أو يجرؤ على الرفض!
قال لعدوه غاضبا: دع جانبا كلمة «يجرؤ»، نعم، وأنصحك بعدم استخدامها مرة أخرى؛ فلا يوجد رجل في كل «أوموارو» يستطيع أن يقف ويعلن أنني لا أجرؤ؛ لأن المرأة التي ستحمل في بطنها ذلك الرجل لم تولد بعد.
أحس «إيزولو» بالرضا للحظات مؤقتة، لكن عقله لم يكن قانعا بذلك الرضا القليل الذي زحف إلى حافة معرفته، نفوذ، قوة، أي نوع من القوة هذه إذا لم يستخدمها؟ من الأفضل القول بأنها لا توجد، أو القول إنها ليست أكثر من تلك القوة الصادرة عن فساء كلب فخور بنفسه.
كان يقلب اليام بالعصا فوق النار حين دخل الكوخ ابنه الأصغر «وافو»، قدم له التحية باسمه، وجلس في وضعه المفضل فوق السرير الطيني عند نهايته بالقرب من المدخل الصغير. كان «وافو» طفلا صغيرا لا يزال، ولكنه يبدو كمن اختير من قبل الإله «أولو» ليصبح كبير كهنته في المستقبل، وربما قبل أن يتعلم كثيرا من كتاب الشعائر الدينية. إنه يعرف أكثر ممن يكبرونه، ومع ذلك فلا أحد يستطيع مناقشة ما يفعله «أولو»؛ ففي الوقت الذي يختفي فيه «إيزولو» فإن «أولو» سيختار من هو أقرب شبها منه بين أبنائه، حدث هذا من قبل.
كان «إيزولو» يقلب اليام بالعصا بعناية ودقة مرة إثر أخرى حين جاء «إيدوجو» ابنه الأكبر من كوخه الخاص.
अज्ञात पृष्ठ
قال مرحبا بأبيه: «إيزولو».
ثم عبر حيث تعيش أخته «أكيوك» بصفة مؤقتة.
قال «إيزولو» موجها حديثه إلى «وافو»: اذهب واستدع «إيدوجو».
عاد الاثنان، وجلسا فوق السرير الطيني، وراح «إيزولو» يقلب اليام مرة أخرى قبل أن يقول: ألم أخبرك شيئا من قبل عن تشويه صورة الآلهة؟
لكن «إيدوجو» لم يجب، وجلس في الجانب المظلم من الكوخ؛ حيث كانت النار التي يقلب فوقها اليام تنعكس على وجه أبيه.
ظل «إيزولو» ينظر حواليه، لكنه لم يستطع رؤية «إيدوجو»، فقال: «إيدوجو»، هل أنت هنا؟ - نعم .. إنني هنا. - سألتك عن تشويه صورة الآلهة .. ألم تسمعني أم أنني كنت أتحدث مع نفسي؟ - قلت لي أن أتجنب ذلك. - نعم .. قلت لك ذلك، وماذا إذن عن الحكاية التي سمعتها؟ - أية حكاية؟ - تشويهك ل «ألوسي» لأجل أحد رجال «أومواجو». - ومن الذي أخبرك؟ - من أخبرني؟! .. هل حدث هذا أم لا؟ هذا ما أريد معرفته. - أريد معرفة من أخبرك؛ لأنني أعتقد أنه لا يستطيع معرفة الفرق بين وجه الإله ووجه القناع. - أعرف .. يمكنك الذهاب يا بني، ولك إذا شئت أن تشوه كل آلهة «أوموارو»؛ فلن أسألك عن أي شيء بعد الآن، وإذا ما سألتك مرة ثانية فعليك بإلقاء اسمي في الوحل، أو القذف بي بين أنياب الكلاب. - إن ما فعلته لأجل أحد رجال «أومواجو» ليس ... - لا تتحدث معي، لقد انتهينا.
حاول «وافو» أن يغير سير الأحداث ولكن دون جدوى، فقرر أن يحاول مرة أخرى حين يهدأ والده ويتمالك أعصابه.
عندئذ دخلت أخته «أوبياجيلي»، وقامت بتحية «إيزولو»، ثم اتخذت لنفسها مكانا فوق السرير الطيني.
سألها «وافو»: هل انتهيت من إعداد الورق المر؟ - ألا تعرف أن تقوم أنت بإعداده أم أن أصابعك مكسورة؟
قال «إيزولو» وهو يقلب اليام فوق النار: كفى يا أولاد .. اصمتوا قليلا.
अज्ञात पृष्ठ
أحس بالنار تلسع إبهامه وبقية أصابعه، ابتسم والتقط سكينا من فوق عارضة الخشب، وبدأ في قشط القشر الأسود من اليام المحمرة، فتلوثت يداه وراح ينفض ما علق بهما، ثم قام بتقطيع اليام ووضعها داخل الطاسة الخشبية القريبة منه، وانتظر حتى تبرد.
حين بدأ في الأكل راحت «أوبياجيلي» تغني مع نفسها بصوت منخفض؛ فقد كانت تعرف أن أباها عند ظهور كل قمر جديد لا يأكل أبدا حتى ولو فتاتة صغيرة من اليام دون زيت النخيل، لكنها لم تتوقف عن الأمل.
تناول طعامه في صمت ثم ابتعد عن النار واستند بظهره على الحائط، صوب نظراته نحو الخارج. وكعادته في مثل هذه المناسبات كان يفكر كثيرا، وربما كانت أشياء محددة تلك التي ترهق تفكيره. كانت «أوبياجيلي» قد عادت إلى كوخ أمها فور تناوله آخر قطعة من الطعام. وجاء «وافو» بإناء الكالاباش ذي الماء البارد فشرب «إيزولو» حتى الارتواء، ووضع «وافو» الطاسة الخشبية وإناء الكالاباش بعيدا، ثم أعاد السكين إلى مكانها فوق العارضة الخشبية.
كانت العصا المسطحة خلف الحائط الرئيسي عند المدخل يبلغ طولها ذراع رجل ولها قرن حيوان طويل مثل قبضة الإنسان. حمل «إيزولو» العصا بعد أن نهض من فوق جلد الماعز ومضى خارجا.
بالنظر إلى العصا لم يجد «وافو» صعوبة في التعرف عليها. إنها عصاه التي صنعت من أجله عندما كانت تصيبه الرجفة.
جلس «إيزولو» ممددا كلتا قدميه إلى الأمام مثل امرأة، وأمسك بإحدى نهايات العصا بيده اليمنى، وضرب بنهايتها الأخرى الأرض كي يحدد مكان صلاته: «أولو»، أشكرك يا إلهي أنك جعلتني أرى قمرا جديدا، ربما أراه مرة ثانية بل أكثر من مرة ثانية، فيكون هذا البيت العائلي صحيا ومتيسرا. وبما أن هذا هو قمر الزرع فربما تنبت المحاصيل في القرى الست وربما لا نقطع الساق بالفأس، «أولو» .. دع زوجاتنا تحمل لنا أطفالا من الذكور ليزيد عددنا في التعداد القادم للقرى، ونقدم لك عندئذ بقرة كقربان وليس دجاجة كما فعلنا في عيد اليام الأخير. دع القمر يا إلهي يظهر هناك عند أولئك القوم الذين يعيشون عند ضفة النهر وفي الغابات.
ترك العصا وراءه ومسح فمه بظهر يده ثم عاد إلى مكانه. كان «إيزولو» في كل صلواته من أجل «أوموارو» يمتلئ مرارة، ويجتاحه غضب كبير كلما تذكر ما فعله أعداؤه من تقسيم للقرى الست .. لماذا؟ ولأي سبب؟ هل لأنه قال الحقيقة قبل أن ينطق بها الرجل الأبيض؟ .. ولكن كيف استطاع الرجل الذي أمسك عصا «أولو» المقدسة أن يتحدث بشيء يعرف أنه مجرد أكذوبة؟ كيف فشل في سرد الحكاية كما سمعها من والده؟ حتى «وينتابوتا» ذلك الرجل الأبيض - الذي لا يعرف أحد من أي أرض - جاء وقال إن «إيزولو» هو الشاهد الوحيد، وكانت قولته تلك هي ما أثارت غضب أعدائه. لقد غضبوا لأن رجلا أبيض لا يعرف أحد شيئا عن أمه أو أبيه هو الذي أخبرهم بالحقيقة التي يعرفونها ويكرهون سماعها، حتى إنهم راحوا يرددون: إن في ذلك نهاية العالم.
اقتحمت أصوات النساء أفكار «إيزولو» وكان الظلام منتشرا بالخارج، فلم يستطع رؤيتهن رغم ما تركه القمر الجديد من ضياء قبل أن يعاود الاختفاء. كانت زيارة القمر قد أضفت نوعا من الطمأنينة فلم يكن الظلام كما كان في الأيام الأخيرة.
سمع النساء وهن يزعقن واحدة وراء الأخرى: «إيزولو» .. «إيزولو».
استطاع رؤية ظلالهن وبادلهن التحية، ثم غادرن الكوخ، واتجهن يمينا إلى قطعة الأرض الداخلية من المدخل الوحيد عبر الباب العالي المنقوش باللون الأحمر. - أليس هؤلاء هم الناس الذين رأيتهم يندفعون نحو الجدول قبل غروب الشمس؟
अज्ञात पृष्ठ
قال «وافو»: نعم .. لقد ذهبوا إلى «وانجين». - آه .. لقد فهمت.
كان «إيزولو» قد نسي أن «أوتا»، ذلك الجدول القريب، أصبح مهجورا منذ أعلن العراف بالأمس أن الصخرة الكبيرة التي تستقر فوق صخرتين عند منبعه على وشك السقوط.
ارتفع صوت أحد الرجال عاليا: «أوبيكا العظيم».
اقتحم الصوت سكون الليل عند وصول «أوبيكا» إلى بيته، كان يطلق صفيرا أقوى من أصوات الرجال، ثم يغني ويعاود الصفير بالتناوب.
قال «وافو»: ها هو «أوبيكا» يعود.
همس «إيزولو» في نفس اللحظة: إن طير الليل يأتي مبكرا اليوم.
أضاف «وافو» مشيرا إلى الشبح الذي رآه «أوبيكا» ذات ليلة: ذات يوم قريب سوف يرى «أيرو» مرة ثانية.
قال «إيزولو» مبتسما: سيكون هذه المرة «إيديميلي» أو «جوجو».
فرح «وافو» كثيرا وغمرته السعادة.
ذات ليلة منذ ثلاثة أعوام خلت اقتحم «أوبيكا» الكوخ، وألقى بنفسه بين ذراعي أبيه مرتعدا من الفزع. كانت ليلة مظلمة تملؤها أصوات الرعد وبريقه اللامع، وكانت الأمطار على وشك السقوط.
अज्ञात पृष्ठ
سأل «إيزولو» مرة أخرى: ماذا حدث يا ولدي؟
كان «أوبيكا» يرتعد ولم يجب بشيء.
قالت أمه «ماتيفي»: ماذا حدث يا «أوبيكا»؟
ثم راحت تجري داخل الكوخ وقد أصابها الخوف أكثر من ابنها.
قال «إيزولو» بثبات: كن هادئا وتمالك نفسك .. ماذا رأيت يا «أوبيكا»؟
تمالك «أوبيكا» نفسه بعد أن التقط أنفاسه، وراح يقص على أبيه ما رآه من ضوء لامع براق بالقرب من شجرة «الأوجيلي» بين قرية «أوماشالا» و«أومونيورا».
وعلى ذكر المكان أدرك «إيزولو» على الفور ما قد حدث.
وماذا بعد رؤيتك لذلك الضوء اللامع البراق؟ - عرفت أنها الروح فتورمت رأسي. - هل تحول هذا الضوء إلى الشجيرة التي يأوي إليها صغار الطيور على الشمال؟
كان «إيزولو» يتحدث بثقة وهدوء، وكانت هذه الثقة مصدر انتعاش وطمأنينة بالنسبة ل «أوبيكا»، فأومأ برأسه، وهكذا فعل «إيزولو» مرتين.
كانت النساء الأخريات متجمعات حول الباب ...
अज्ञात पृष्ठ
وماذا كان يشبه؟
ابتلع ريقه قائلا: أطول من كل الرجال الذين أعرفهم وجلده مضيء بشدة .. مثل .. مثل مثل ... - هل كانت ملابسه توحي بأنه رجل فقير أم أنه كان يبدو رجلا ميسورا؟ - بل رجل غني، كانت قبعته مزينة بريش الملائكة.
بدأ «أوبيكا» يخاف من جديد، وراحت أسنانه تصطدم ببعضها، فبادره «إيزولو» بقوله: تمالك ولا تنس أنك رجل، هل كان له ناب مثل سن الفيل؟ - نعم .. ناب كبير بين أكتافه.
تساقطت الأمطار بغزارة، وبدا صوت قطرات المياه كصوت الحصى بعد إلقائها فوق سقف من القش. - لا شيء يدعو للخوف يا بني، إن ما رأيته هو «أيرو» العظيم الذي يهب الثروة لمن يعترف بفضله. إن الناس تراه أحيانا في ذلك المكان في مثل هذا الوقت وهذا الطقس، ربما كان عائدا إلى بيته بعد زيارة قام بها إلى «إيديميلي» أو بعض الآلهة الأخرى. إنه لا يسبب أذى لأحد سوى لأولئك الذين يقسمون زورا وبهتانا أمام مقدساتهم.
قدم «إيزولو» شكره وثناءه لإله الثروة بطريقة تجعل الإنسان يعتقد أنه فخور لكونه كاهنا ل «أيرو» أكثر مما هو كاهن للإله «أولو» الذي يقف فوق «أيرو» وكل الآلهة الأخرين. إن «أولو» إذا أراد أن تتدفق ثروة إنسان كالنهر فإن حبات اليام تنمو كبيرة في بيته، ويصير إنتاج الماعز مضاعفا ثلاث مرات، وتفقس الدجاجات تسعة أضعاف إنتاجها.
جاءت «أوجيوجو» ابنة «ماتيفي» ومعها طاسة «الفوفو» وأخرى مليئة بالشوربة، ووضعتهما أمام أبيها بعد أن قدمت التحية، ثم اتجهت ناحية «وافو» وقالت: اذهب إلى كوخ أمك؛ فلقد انتهت من طهي الطعام.
كان «إيزولو» يعرف أن «ماتيفي» وابنتها يكرهان محاباته لابنه من الزوجة الثانية، فبادرها بقوله: اتركيه وشأنه، واذهبي لاستدعاء أمك.
لم يتناول الطعام، فعرفت «أوجيوجو» أنه في طريقه لإثارة المتاعب، فعادت إلى كوخ أمها لاستدعائها.
قلت كثيرا وأعلنت مرارا في هذا البيت أنني لن أتناول عشائي كل مرة متأخرا هكذا، وبعد أن ينام كل الرجال في «أوموارو».
كانت «ماتيفي» قادمة فاستطرد يقول: لكنك لا تسمعين الكلام؛ لأنك تعتبرين كل ما أقوله في هذا البيت ليس سوى فساء كلب. - لقد ذهبت طوال الطريق إلى «وانجين» لإحضار الماء و... - كان من الأفضل أن تذهبي إلى «كيزا»، أما إذا أردت الشفاء من هذا الجنون فعليك بإحضار عشائي يوما آخر في مثل هذا الوقت.
अज्ञात पृष्ठ
عادت «أوجيوجو» لتتناول الطاستين فشاهدت «وافو» وهو يلتهم الشوربة .. انتظرت حتى ينتهي وهي غاضبة، ثم لملمت الطاستين وذهبت لإخبار أمها .. كثيرا ما كان يحدث هذا ربما كل يوم.
قالت «ماتيفي»: هل تلومين النسر حين ينقض فوق الجيفة؟ ماذا تتوقعين من ولد تقوم أمه بصنع الشوربة من جراد السمك؟ .. إنها توفر نقودها لشراء أساور من العاج، مع أن «إيزولو» لا يرى أي خطأ فيما تفعل .. أبدا لا يرى أي خطأ. ولو كنت أنا التي تفعل ذلك لعرف عندئذ ماذا يقول.
بامتداد قطعة الأرض كان لكل امرأة كوخ منفصل، وكانت «أوجيوجو» تنظر تجاه أكواخ النساء الأخريات، وشيئا فشيئا لم تستطع أن ترى سوى ذلك المصباح المتأجج باللون الأصفر بين السطح وعتبة البيت، وكوخ ثالث يشكل مع كوخين آخرين شكلا يشبه نصف القمر .. إنه كوخ زوجته الأولى «أوكواتا» التي ماتت منذ سنوات كثيرة حتى لا تكاد «أوجيوجو» تستطيع التعرف عليها أو تذكرها .. إنها تتذكر فقط أنها كانت تقدم لكل طفل يذهب إلى كوخها قطعة من السمك والفول أثناء قيامها بعمل الشوربة.
كان كل من «آديز» و«إيدوجو» و «أكيوك» أبناءها الذين عاشوا في الكوخ بعد موتها حتى تزوجت البنات، وأصبح «إيدوجو» وحيدا في الكوخ، إلى أن تزوج بعد عامين، وبنى لنفسه بيتا فوق قطعة صغيرة من الأرض بجوار أبيه، لكن «أكيوك» عادت للكوخ مرة ثانية بعد أن غادرت بيت زوجها؛ لأن زوجها - كما قالوا - كان يسيء معاملتها، غير أن أم «أوجيوجو» كذبت ذلك قائلة: إن «أكيوك» متصلبة وعنيدة وفخورة بنفسها. إنها من نوع النساء اللاتي يذهبن إلى بيوت أزواجهن حاملات معهن كل ما تعودن عليه في بيوت آبائهن.
كانت «أوجيوجو» وأمها تهمان بالبدء في تناول طعامهما لما دخل «أوبيكا» وهو يصفر ويغني.
قالت «ماتيفي»: لقد جاء مبكرا اليوم فلتحضري طاسته.
دخل «أوبيكا» بيديه أولا خافضا رأسه تحت السقف المنخفض .. قدم التحية لأمه التي بادلته إياها بقرف .. ارتمى بكل ثقله فوق السرير الطيني .. أحضرت «أوجيوجو» طاسته المصنوعة من الطين المحروق، وجاءت له بالفوفو من حافة شجرة البامبو .. نفخت «ماتيفي» في طاسة الشوربة لإزالة ما علق بها من صدأ ورماد، ثم صبت الشوربة فيها، وقدمتها «أوجيوجو» لأخيها، وذهبت لإحضار الماء من الإناء.
رشف «أوبيكا» أول رشفة، ثم أمسك بالطاسة في اتجاه الضوء وظل يتفحصها بضيق: ما هذا؟ هل هي شوربة أم عصيدة اليام؟
واصلت كل من أمه وأخته طعامهما المتقطع دون الالتفات إليه. كان واضحا أنه شرب كثيرا من النبيذ.
كان «أوبيكا» واحدا من أكثر الشباب وسامة في «أوموارو» وكل المناطق المحيطة؛ فتقاطيع وجهه جميلة ومتسقة، وله أنف كالجوهرة، وجلد بشرته وجسده مثل جلد أبيه بلون الطين الناضج، حتى إن الناس كلما شاهدوه في مثل هذا البهاء قالوا بأنه لم يولد هنا في تلك الأجزاء وبين شعب «إيبو» في الغابات، لا بد أنه في حياته السابقة كان يعيش مؤقتا مع شعب آخر بجوار النهر يدعونه شعب «الأولو».
अज्ञात पृष्ठ
كان «أوبيكا» يتعاطى الخمر إلى حد التطرف، وبسرعة كان يغضب غضبا نافرا، ولأنه قوي كالصخرة كان يوقع الأذى بالآخرين، وهذا ما كان يعيب «أوبيكا». لكن «إيزولو» كان يفضله على «إيدوجو» الهادئ الذي هو شقيقه من زوجة أخرى، وغالبا ما كان يقول له: «إنه لشيء يستوجب الشكر أن تكون شجاعا وجسورا يا بني، لكنه من الأفضل أحيانا أن تكون جبانا؛ فلقد تعود الرجل الشجاع أن يعيش وسط الدمار، لكننا يا بني نحيا في أرض الجبناء .. إن الرجل الشجاع لا يخضع أبدا لأي شيء سوى القبر.»
هكذا كان من الأجدر ل «إيزولو» أن يكون له ولد قوي يستطيع كسر الأوعية بدلا من الذي يكسر القوقعة ببطء.
أوشك «أوبيكا» - في يوم ما ليس ببعيد - على ارتكاب جريمة قتل حين جاءت «أكيوك» أخته من أم أخرى إلى البيت غاضبة لأن زوجها يضربها، وحين عادت مرة أخرى ذات صباح مبكر من بيت زوجها بوجه متورم. لم ينتظر «أوبيكا» سماع بقية القصة، وسارع بالرحيل إلى «أوموجوجو» قرية زوجها، بعد أن توقف في الطريق لاستدعاء صديقه «أوفيدو»، الذي يشارك دائما في المعارك، وعند وصولهما «أوموجوجو» قال «أوبيكا»: لن تشترك معي في ضرب زوج أختي.
سأله «أوفيدو» بغضب: ولماذا جئت معك إذن؟ أمن أجل أن أحمل لك الحقيبة؟! - سيكون هناك ما تفعله إذا جاء أهل «أوموجوجو» للدفاع عن أخيهم، وعندئذ ستعرف ما يجب عليك أن تفعله.
لم يكن أحد يعرف إلى أين ذهب «أوبيكا» إلى أن عاد قبل الظهر بقليل وبصحبته «أوفيدو»، حاملين زوج «أكيوك» فوق رءوسهم، وهو مربوط في السرير شبه ميت .. وضعوه على الأرض تحت شجرة «الأوكوا» وحذروا الجميع من الاقتراب منه أو مساعدته .. توسل الجيران والنساء إلى «أوبيكا» خوفا من وقوع الفاكهة الناضجة والكبيرة كأواني المياه. - نعم .. لقد وضعته هناك لنفس السبب، كي تتساقط فوقه الفاكهة كالحيوان.
كان «إيزولو» جالسا عند الشجيرة حين سمع أصوات الجيران والنساء، فسارع إليهم، وعندما شاهد ما يحدث كاد يبكي لما قد يسببه «أوبيكا» من خراب في بيته، فأصدر إليه الأمر بإطلاق سراحه.
لم يتمكن «أيب» من مغادرة سريره قبل أسابيع ثلاثة، وعندئذ جاء أقرباؤه طالبين العفو من «إيزولو» .. كانوا لحظة وقوع الحادث في مزارعهم، وظلوا طوال الأسابيع الثلاثة ينتظرون في صبر من يفسر لهم هذا الحادث .. كيف يضربون قريبهم ويأخذونه بعيدا؟!
قالوا: ماذا عن هذه القصة التي سمعناها عن «أيب»؟
حاول «إيزولو» تهدئتهم دون الاعتراف بخطأ ابنه .. صاح في طلب «أكيوك» وأمرها بالوقوف أمامه: ليتكم رأيتموها يوم أن جاءت هنا .. أهكذا تكون النساء المتزوجات عندكم؟ إذا كانت هذه طريقتكم في معاملة الزوجات فإنني أعلن لكم عدم موافقتي على هذه الطريقة.
وافق الرجال على كلامه، واعترفوا بأن «أيب» ضربها كثيرا، ولا أحد يستطيع أن يلوم «أوبيكا» في الدفاع عن أخته.
अज्ञात पृष्ठ
قال قائدهم: لذلك فنحن نتوجه دائما بالصلاة إلى «أولو» وأسلافنا لزيادة عددنا، فإذا ما أصبح عددنا كبيرا فلن يجرؤ أحد على إزعاجنا أو الاحتكاك بنا، وعندئذ ستعكف البنات في بيوت أزواجهن .. نحن إذن لا نلوم «أوبيكا» كثيرا .. هل أقول الصواب؟ أليست هذه هي الحقيقة؟
أجاب زملاؤه: بلى .. بلى.
ثم استطرد لا نستطيع أن نتهم ابنك، أو إلقاء اللوم عليه فلقد كان يدافع عن أخته .. نعم، لكن ما لا نستطيع أبدا أن نفهمه هو كيف ولماذا يتم نقل رجل يحمل عضوا بين أفخاذه من منزله وقريته وكأنكم تقولون له: أنت لا شيء، وأقرباؤك لا يجرءون على فعل شيء .. هذا ما يستعصي على أفهامنا! .. لم نأت هنا بحكمة لكننا جئنا بحماقة؛ لأن الرجل لم يذهب إلى زوج أخته بالحكمة وكل ما نريده أن تعترفوا بخطئكم .. الاعتراف بالخطأ هو ما يجب أن تفعلوه، وعندئذ نقتنع ونعود لديارنا .. أما إذا سمعنا بعد ذلك أن أحدنا قد ضرب وأخذوه بعيدا فلا بد أننا سنعرف الإجابة اللازمة .. أيها الزعيم إنني أحييك.
استخدم «إيزولو» كل مهارته في تهدئة نسيبه، فعادوا إلى ديارهم أسعد مما جاءوا، ثم أمروا «أيب» بحمل النبيذ إلى «إيزولو» والسؤال عن عودة زوجته.
انتهى «أوبيكا» من طعامه، ثم التحق بالآخرين في كوخ «إيزولو»، وكالعادة تحدث «إيدوجو» إلى الجميع بما فيهم أوبيكا و«أودوش» و«وافو».
قال «إيدوجو»: غدا يوم «آفو». ولقد جئنا لمعرفة العمل الذي تعده لنا.
فكر «إيزولو» لحظة وكأنه لم يكن مستعدا للسؤال ثم سأل «أوبيكا» عما تبقى من عمل دون إنجاز في بيته الجديد فأجاب «أوبيكا» مخزن المرأة فقط، ولكن هذا يمكن إرجاؤه فإلى أن يحين وقت الحصاد لن تكون هناك جوزة اليام لوضعها بداخله.
قال «إيزولو»: لا شيء يمكن إرجاؤه .. لا يجب أن تأتي الزوجة الجديدة إلى بيت به شيء لم يكتمل بعد .. أعرف أن مثل هذا الشيء لا يسبب متاعب في الوقت الحاضر .. أنت يا «إيدوجو» عليك وأخوتك والنساء بالذهاب غدا لبناء المخزن، فإذا لم يكن «أوبيكا» خجلا فإن بقيتنا خجلون.
قال «أودوش»: أبي .. عندي ما أقوله. - وها أنا ذا أستمع.
تنحنح «أودوش» وبلع ريقه، وكان خائفا من البدء في الحديث.
अज्ञात पृष्ठ
قال «أوبيكا» بصوت هادئ لا يكاد يسمعه أحد: ربما كان ممنوعا أن يساعدوا إخوتهم في بناء المخزن.
قال «إيدوجو» محدقا فيه: أنت دائما تتحدث كالأبله .. ألم يعمل «أودوش» مثلك بجد وصلابة في بيتكم؟ وربما عمل بجد أكثر منك.
قال «إيزولو»: أود سماع «أودوش»، ولا أريد سماعكم أنتم. - لقد اختاروني ضمن آخرين للذهاب غدا إلى «أوكبيري» لإحضار حقائب وأشياء المدرس الجديد. - «أودوش»! - نعم يا أبي. - استمع لما أقوله الآن .. إذا ما جاءت هذه اليد خلف الكوع، فإنها كما نعرف تتحول إلى شيء آخر .. إن صداقتي مع الرجل الأبيض «وينتابوتا» هي التي جعلتني أرسلك للالتحاق بأولئك الناس .. لقد سألني أن أرسل أحد أبنائي ليتعلم أساليبهم، فوافقت على إرسالك، لكنني لم أفعل ذلك قط لكي تترك واجبك في المنزل .. هل تسمعني؟ .. اذهب وقل لأولئك الذين اختاروك للذهاب إلى «أوكبيري» إنني أقول لا .. أخبرهم أن غدا هو اليوم الذي يعمل فيه كل أبنائي وزوجاتي وزوجات أبنائي من أجلي .. يجب أن يعرف أولئك الناس عادات هذه الأرض، وإذا لم يعرفوا فعليك بإخبارهم ليعرفوا .. هل تسمعني؟ - نعم .. إنني أسمعك. - اذهب واطلب من والدتك الحضور .. أعتقد أن غدا هو دورها في طهي الطعام.
الفصل الثاني
كثيرا ما كان «إيزولو» يردد: إن آباء «أوموارو» القدامى يجب أن يخجلوا وتصيبهم الحيرة والارتباك لما يحدث هذه الأيام. لقد خاضت «أوموارو» حربا ضد «أوكبيري» .. هل كان لأحد أن يتصور أن «أوموارو» تكون طرفا في إحدى الحروب وهي متفرقة هكذا؟ من كان يعتقد أنهم سيتجاهلون تحذيرات قس «أولو» الذي عمل على وحدة القرى الست وجعلهم على ما هم عليه؟ لكن «أوموارو» شعرت بالقوة والحكمة وملأها الغرور والخيلاء حتى أصبحت مثل الطائر الصغير الذي أكل وشرب ثم تجرأ في طلب صراع ربه الخاص ومنازلته. لقد قامت «أوموارو» بتحدي الإله الذي شيد قراهم .. وإذن فماذا كانوا يتوقعون؟ .. ها هو يعاقبهم .. اليوم وغدا.
كانوا في غابر الأزمان قليلين جدا ومتفرقين بين القرى الست؛ «أومواشالا»، «أومونيورا»، «أومواجو»، «أوموزيني»، «أوموجوجو»، و«أوموسيوزو»، وكانوا يعيشون كشعوب متباينة، وكل منهم يعبد آلهته الخاصة، وعندئذ كان جنود «آبام» المرتزقة يضربون في غياهب الليل .. يشعلون النار في البيوت، ويعاملون الرجال والنساء والأطفال معاملة العبيد.
في كل أرجاء القرى الست كان الأمر سيئا وبشعا إلى أن اجتمع القادة وتكاتفوا لإنقاذ أنفسهم.
استأجروا فريقا قويا من رجال السحر من أجل صنع إله شائع ومعروف. وكان «أولو» هو الإله الذي صنعه الآباء للقرى الست، دفن نصفه هذا الفريق من رجال السحر في مكان عرف بعد ذلك بسوق «كوا»، وألقوا بالنصف الآخر في الجدول الذي أصبح «مجرى أولو»، ثم أطلق اسم «أوموارو» على القرى الست، وصار قس «أولو» رئيسا للقساوسة. ومنذ ذلك الحين لم يحدث أبدا أي اعتداء من العدو .. كيف إذن استطاع مثل أولئك الناس أن يتجاهلوا الإله الذي أسس بلادهم وحفظها؟ ... رأى «إيزولو» ذلك نهاية للعالم.
ذات يوم من أعوام خمسة قرر قادة «أوموارو» إرسال مبعوث إلى «أوكبيري» حاملا الصلصال الأبيض دليل السلام أو ورقة جديدة من أوراق السرخس دليل الحرب .. تحدثوا كثيرا وكذا فعل «إيزولو» دون جدوى.
قال لرجال «أوموارو»: أعرف بأن الإله «أولو» لن يساهم في هذه الحرب الظالمة .. نعم، لقد أخبرني أبي أن قريتنا عندما جاءت لتعيش هنا بادئ الأمر كانت الأرض ملكا ل «أوكبيري» .. إن «أوكبيري» هي التي قدمت لنا الأرض لنعيش فيها، بالإضافة إلى أنهم وهبونا آلهتهم الخاصة «أودو » و«أوجوجو»، لكنهم قالوا لأجدادنا ...
अज्ञात पृष्ठ
توقف «إيزولو» قليلا وقال: انتبهوا لما أقول ...
ثم استطرد: قال الناس في «أوكبيري» لأجدادنا بألا يدعوا الإله «أودو» باسمه ولكن باسم «ابن أودو»، وكذلك «أوجوجو» باسم «ابن أوجوجو» .. هذه هي القصة كما سمعتها من أبي، فإذا أردتم محاربة رجل في أرضه فلن أشارككم تلك الحرب.
كان «واكا» واحدا من ثلاثة في كل القرى الست الذين اشتهروا في الأرض وكان لهم شأنهم .. لقبوه ب «أيرو» إله الثروة؛ فلقد انحدر من سلالة عريقة من الأغنياء، وكانت قريته من «أوموارو».
صاح «واكا» بصوت كالزئير: «أوموارو» وينو:
أجاب رجال «أوموارو»: هيم! - وينو! - هيم! - أوكواتا! - هيم!
ساد السكون بعد أن قدم تحيته ثم بدأ كلامه بهدوء: إن الحكمة مثل حقيبة من جلد الماعز، وكل رجل يحمل حقيبته الخاصة به. ولقد حدثنا «إيزولو» عما أخبره به والده عن تلك الأيام البعيدة، وكلنا يعرف أن الأب لا يتحدث سوى الصدق مع ابنه، وكلنا أيضا يعرف أن أسرار الأرض وحكمتها تقف فيما وراء معرفة كثير من الآباء، وإذا كان «إيزولو» تحدث عن آلهة «أوموارو» العظماء التي يؤمن بها، وآمن بها آباؤه من قبله، فقد استمعت لما قال، لكنه ذكر أحداثا هي أقدم كثيرا من «أوموارو» نفسها، ولا أخشى القول بأنه لا أحد في هذه القرية بما فيهم «إيزولو» يعرف شيئا عن تلك الأحداث؛ فلقد سمعنا من الكبار والرجال ذوي الشأن ثرثرات كثيرة في هذا الصدد.
كان «واكا» أثناء حديثه يتقدم للأمام ثم يعود للخلف، وكانت قبعته مزركشة بريش النسر ولفافة برونزية في ركبته وكأنه أحد أرباب الأرض .. كان شهيرا ب «أيرو» إله الأغنياء.
استطرد قائلا: إن أبي روى لي قصة أخرى مختلفة .. قال لي إن شعب «أوكبيري» كانوا جوالين وهائمين في الأرض. وحكى لي أنهم أقاموا لفترات قصيرة في ثلاثة أو أربعة أماكن مختلفة، ثم غادروها، وأن «الأموفيا» و«الآباء» و«الأنينتا» قد طردوهم، فهل يذهبون اليوم للمطالبة بكل هذه المواقع؟ هل كان لهم أن يطالبوا بأي شيء قبل أن يغير الرجل الأبيض حياتنا تماما؟ أيها الكبار، يا كبار «أوموارو»، اتركوا كل شخص يعود إلى بيته. إذا لم تكن لدينا نية القتل فلن نكون أول من هجروا أرضهم أو بيوتهم تجنبا للحرب، ولكن لا يجب أن نقول لأنفسنا أو لأطفالنا فيما بعد إننا فعلنا ذلك لأن الأرض لم تكن لنا وإنما كانت لقوم آخرين. دعونا نخبرهم بأن آباءهم اختاروا السلام بديلا عن القتال .. دعونا نخبرهم أيضا أننا تزوجنا بنات «أوكبيري» وأن رجالهم تزوجوا من بناتنا. وهكذا فقد هذا الخليط من الرجال حماسهم للقتال .. «أوموارو وينو!» - هيم! - أوكواتا! - هيم! - أحييكم جميعا.
سادت الضوضاء والثرثرة كنوع من القبول والاستحسان. لقد أفسد «واكا» كل كلمة قالها «إيزولو»، وخاصة عندما أشار إلى أن أم رئيس الكهنة كانت إحدى بنات «أوكبيري».
تفرق المجلس إلى عدد كبير من المجموعات الصغيرة، وراحوا يتبادلون الحديث فيما بينهم.
अज्ञात पृष्ठ
قال أحد الرجال: لقد نسي «إيزولو» أن يخبرنا عن الذي روى له حكاية الأرض .. هل كانت أمه أم أباه؟
علت الأصوات في المجلس واحدا بعد الآخر، وكان واضحا أن القرى الست بأكملها تقف خلف «واكا».
لم يكن «إيزولو» هو الرجل الوحيد في «أوموارو» الذي جاءت أمه من «أوكبيري»، لكن أحدا لم يجرؤ على الوقوف بجانبه ومساندته سوى «أوكوكاليا» فقط، الذي كان غاضبا ونافرا من اختياره لحمل الصلصال الأبيض وورقة السرخس إلى «أوكبيري» مسقط رأسه.
كان أكبر الرجال عمرا من نفس قرية «أكواكاليا» هو آخر من تحدث في ذلك اليوم .. كان صوته مهزوزا لكنه قوي، وعندما بادر بتحية المجلس دوى صوته واضحا في كل أركان سوق «كوا»، فأصابت كل رجال «أوموارو» الدهشة لمجهوده الكبير وصياحه.
قال بهدوء: يجب أن أنتظر قليلا حتى ألتقط أنفاسي تاركا الفرصة لهؤلاء الذين يضحكون، أريد أن أوجه حديثي إلى الرجل المبعوث إلى «أوكبيري» .. لقد مضى وقت طويل منذ قاتلنا في الحرب، وكثير منكم ربما لا يتذكر .. لا أقول بأن «أكوكاليا» في حاجة لمن يذكره ولكنني رجل عجوز، والرجل العجوز لا يملك سوى الكلام. إذا كان ينبغي على أصحاب البيت أن يهملوا عملهم فلا بد أنهم مخطئون في حق أصحاب الأرض. لقد عرفت مقدار غضب «أكوكاليا» من الطريقة التي تحدث بها، من حقه أن يغضب لكننا لن نرسله إلى موطنه من أجل القتال.
نظر إلى «أكوكاليا» قائلا: اخترناك مبعوثا لكي تضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما، الحرب أو السلام.
ثم قال: هل أواصل حديثي إليكم يا شعب «أوموارو»؟
وافقوا بالإجماع حين استطرد: نتمنى ألا تختار «أوكبيري» الحرب؛ فلا أحد يحب الحرب. إذا اختاروا السلام فسوف نفرح كثيرا. وأيا ما كان ردهم واختيارهم فلا تتصد يا «أكوكاليا» لأي نزاع؛ فإن واجبك هو إبلاغنا بالرد فقط. نحن جميعا نعرف أنك رجل شجاع، لكنك هناك يجب أن تضع شجاعتك في حقيبتك. وإذا ما تسبب الرجال الذين معك في قلق يكون واجبك عندئذ أن تتصرف بشيء من اللباقة والحكمة. لقد ذهبت في شبابي للقيام بمثل هذه المهمة، وأعرف جيدا ما تنطوي عليه من إغراءات. أحييكم.
تملكت «إيزولو» الدهشة لكل ما رأى وسمع، وطافت فوق شفتيه ابتسامة ملؤها الحزن والتأثر، فهب واقفا على قدميه وكأن نحلة سوداء لسعته بين أردافه وقال: «أوموارو وينو». - هيم. - أحييكم جميعا.
قدم لهم التحية بوجه ساخط، ثم قال: عند وجود الجدي في البيت فإن الماعز لا تذهب بعيدا لتعاني آلام المخاض. هذا ما قاله أجدادنا. وإذن فما هذا الذي نراه ونسمعه هنا اليوم؟ إن بعض الناس خائفون والبعض الآخر متعطش للحرب، ولكن دعنا من هذا كله الآن، فإذا كانت الأرض هي حقا أرضنا فإن «أولو» سيقاتل في جانبنا، وإذا لم تكن كذلك فسوف نعرف. لم أكن راغبا في الحديث مرة ثانية اليوم إلى أن رأيت الشباب في بيوتهم يهملون واجباتهم. كان من الواجب على «أوجبوفي إيجونوان»، كواحد من أكبر ثلاثة رجال في «أوموارو»، أن يذكرنا بأن آباءنا لم يحاربوا من الخجل، لكنه بدلا من ذلك أراد أن يعلم مبعوثنا كيفية حمل النار والماء في فم واحد. ألم نسمع بأن صبيا أرسله والده للسرقة فلم يذهب خلسة ولكنه كسر الباب بقدميه؟ لماذا إذن يرهق «إيجونوان» نفسه بمثل هذه الأشياء الصغيرة بينما يتغافل الكبار؟ نحن نريد الحرب، ولن يتصرف «أكوكاليا» مع شعب «أوكبيري» هكذا، بل يستطيع أن يبصق في وجههم إذا أراد، إذا سمعنا عن سقوط بيت فهل يحق لنا أن نسأل عن وقوع السقف معه؟ أحييكم جميعا.
अज्ञात पृष्ठ
عند مطلع الفجر التالي رحل «أكوكاليا» بصحبة رفيقين إلى «أوكبيري»، وكانت حقيبته المصنوعة من جلد الماعز تحوي بداخلها كومة كبيرة من الطباشير الأبيض، وقليلا من ورق النخيل الأصفر كانوا قد اقتطعوه من أعلى الشجرة قبل أن يعرضوه للشمس، وكل منهم يحمل سلاحه في غمده.
كان فجر يوم «إيك»، يوم السوق الشهير في «أوكبيري»، وكانت النساء أمام «أكوكاليا» ورفيقيه قد خرجن من كل القرى المجاورة في طريقهن إلى سوق «إيك»، وكثير منهن كن من «إيلوميلو» و«آبام» الشهيرة بصناعة أفضل أنواع الأوعية في كل أرجاء البلاد. كانت كل واحدة منهن تحمل خمسة أو ستة، وربما أكثر من تلك الأوعية وأواني المياه الكبيرة، مربوطة ببعضها بالحبال، في سلة كبيرة، بدت في ذلك الوقت من الفجر وكأنها أحد الأرواح ذات الرءوس الخيالية .. وبينما عبر رجال «أوموارو» تلك الحشود من نسوة السوق كانوا يتحدثون عن سوق «إيك» الكبير في «أوكبيري» وهؤلاء القوم ذاهبون إليه من كل أرجاء «إيبو» و«أولو».
قال «أكوكاليا» مفسرا: إنها قوى السحر القديمة. إن رجال «أوكبيري» عظماء في عالم السحر والدواء.
ثم استطرد بفخر: في البدء كان «إيك» سوقا صغيرا يبدو ضئيلا وخاليا بجانب الأسواق الأخرى المجاورة، حتى أقبل رجال «أوكبيري» ذات يوم على صنع إله قوي، يتولى رعاية سوقهم، وعندئذ كبر السوق، بل أصبح أكبر سوق في المنطقة. كان ذلك الإله امرأة عجوزا، وكان اسمه «واينيك»، وكانت المرأة العجوز يوم «إيك» من كل أسبوع تظهر في السوق قبل الفجر، تقبض بالمكنسة في يدها اليمنى، وتلف وتدور في رقصات سريعة وهي تشير بالمكنسة في كل الاتجاهات، فتجذب بذلك الناس من أرجاء الأرض. لم يكن الناس يذهبون للسوق قبل الفجر حتى لا يشاهدوا العجوز وهي ترقص .
قال أحد زملاء «أكوكاليا»: نفس القصة يقولونها على سوق «كوا» بجوار نهر «أومورو» الكبير؛ حيث انتشرت أعمال السحر، ولم يعد يوم «كوا» هو اليوم الوحيد للسوق.
أجاب «أكوكاليا»: لكن «أوموارو» لا تنافس «أوكبيري» في السحر. لقد أصبح السوق عندهم كبيرا؛ لأن الرجل الأبيض ذهب إلى هناك ببضاعته.
قال الزميل الآخر: ولماذا ذهب الرجل الأبيض ببضاعته إذا لم يكن بسبب السحر؟ .. لقد احتوت مكنسة المرأة العجوز العالم كله، بما فيه أرض الرجل الأبيض التي لا تشرق فيها الشمس أبدا، كما يقولون.
سارع الزميل الأول بالسؤال: هل حقا أن واحدة من نسائهم في «أوموارو» ذهبت بعيدا بدون القبعة البيضاء وأذابت زيت النخيل في الشمس؟
قال «أكوكاليا»: سمعت أيضا عن ذلك، لكن ثمة أكاذيب كثيرة عن الرجل الأبيض، فسمعت مثلا ذات مرة أنه لا توجد أصابع في قدمه.
كانوا عند الشروق قد وصلوا إلى الأرض المتنازع عليها. كانت أرضا جافة لم تعرف الزرع منذ سنوات عديدة، وكان الحشيش ذو اللون البني منتشرا بكثافة فوقها.
अज्ञात पृष्ठ