Sahih al-Bukhari - with the commentary of al-Saharanfuri - ed. Nadwi
صحيح البخاري - بحاشية السهارنفوري - ت الندوي
अन्वेषक
الأستاذ الدكتور تقي الدين الندوي
प्रकाशक
مركز الشيخ أبي الحسن الندوي للبحوث والدراسات الإسلامية - مظفر فور،أعظم جراه،يوبي
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
प्रकाशक स्थान
الهند
शैलियों
الجَامِع الصَّحِيح
لِلإمَامِ الحَافِظِ أبِي عَبْدِ اللهِ مُحمَّد بنِ إسْماعِيل البُخَارِي (المتوفى ٢٥٦ هـ)
بحَاشِيةِ المحدِّثِ
أحمَد عَلِي السّهَارنفُورِي (المتوفى ١٢٩٧ هـ)
مع المقارنة بعشر نسخ معتمدة من الجامع الصحيح منها نسخة الإمام الصّغاني المتوفى ٦٥٠ هـ
تَحقِيق وَتَعْلِيق
الأستاذ الدّكتور تقيّ الدّين النّدوي
طُبع هذا الكتاب على نفقة سمو الشّيخ سلطان زايد آل نهيان ممثل صاحب السّمو رئيس دورة الإمارات العربيّة المتحدة
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
المقدّمات
* - مقدّمة المحقق.
- تعريف بالشارح السهارنفوري.
- تعريف بالجامع الصحيح وشرحه وأهميته.
* تقديم بقلم أ. د. عبد الله بن عبد المحسن التركي
(الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي).
* تقديم بقلم الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
(رئيس ندوة العلماء بالهند).
* تقديم بقلم أ. د. أبو لبابة الطاهر حسين
(رئيس جامعة الزيتونة سابقًا).
* مقدّمة الشارح السهارنفوري.
1 / 5
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَةُ الْمُحَقِّقِ
الْحمدُ لله الذي فضّل العُلماءَ بِوِراثة الأنبياء، وجعلَهم كنجُوم الهُدَى يُهتدَى بهم في اللَّيالي الظَّلْماء، ومنْ أراد اللهُ به خيرًا جَعَلَه من السَّادة الفُقهاء.
والصَّلاةُ والسَّلامُ الأتمَّانِ الأكْمَلان على سيِّدنا محمَّدٍ خاتمِ الأنبياء، وسيِّد الأتقياء، ومُخْرِجِ النَّاسِ من الظُّلُمات إلى النُّور والضِّياء، وعلى آلِه وأصحابه السَّادة النُّجَباء، الوارِثِينَ عُلومَه وأنفاسَه، وعلى سائر الفُقهاء والمُحدِّثين والعُلماء من الأوَّلين والآخرين.
أمَّا بعد:
فكتاب "الْجَامِعِ الصَّحِيحِ الْمُشنَدِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أُمُورِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَسُنَنِه وأيَّامِه" لأمير المؤمنين في الحديث وطبيبِه في عِلَل الحديث الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله تعالى -، قد اتَّفق علماء هذه الأُمَّة على أنه أصحّ الكتب بعد كتاب الله العزيز.
ولم تَعْتَنِ الأُمَّةُ الإسلاميةُ بعد الاعتناء بكتاب الله العزيز الحكيم مثل الاعتناء بـ "صحيح البخاري"، وبلغت غاية الجهد في إبراز علومه واستخراج معارفه وأسراره. وقد نال هذا الكتاب منزلة في العالم من القبول ما لا يُشَقُّ غباره ولا يساجل عياره؛ فقد تهافتَ العلماء على دراسة الكتاب وروايته ونقله، وتوارثت الأجيال في تلقِّيه جِيلًا بعد جيلٍ، وكابرًا عن كابرٍ، وتلميذًا
1 / 7
عن أستاذٍ، وطبقةً عن طبقةٍ، واعتنوا به ضبطًا لنصوصه، واستنباطًا لأحكامه، وشرحًا لغريبه، وبيانًا لمشكلات إعرابه … إلى غير ذلك.
ولم يَحظ كتاب في المكتبة الإسلامية العالمية بعناية الناس مثل ما حَظِيَ كتاب "الجامع الصحيح" على حسب استقراء شيخنا في مقدمة "لامع الدراري" (^١)، إذ بلغ عدد شروحه وتعليقاته واحدًا وثلاثين ومائة كتابٍ.
وقد ذكر الشيخ عصام الحسيني ما تيسَّر له من الشروح والتعليقات على "صحيح البخاري"، فعددُ ما بلغ (٣٧٥) مؤلَّفًا، في كتاب له بعنوان "إتحاف القاري بمعرفة جهود وأعمال العلماء على صحيح البخاري" (^٢)، وقد يكون عددها أكثر من هذا، وفي الزوايا خبايا لم تقع عليها عينٌ ولم تطلع عليها شمسٌ.
قال العلَّامة أبو الحسن الندوي في تقديمه على "لامع الدراري" (^٣):
اتفاق الأُمَّة وعلمائها على أصحِّية كتاب البخاري، وفضلِه على سائر الكتب، ليس مجرد اتِّفاقٍ ومصادفةٍ، بل كان هذا الاتِّفاق إلهامًا من الله تعالى، مكافأةً على ما قام به مؤلِّف هذا الكتاب من جهادٍ في تأليفه، واستنباط المسائل الدقيقة في تراجمه، بأن قيَّض الله تعالى أفواجًا من العلماء والأذكياء في كل عصر ومصر يخدمون الكتاب بصنوفٍ من الخدمة وأنواعٍ من الجهد، لم تخطر ببالِ أيِّ جماعةٍ قبلهم، ولم تَتَيَسَّرْ لكتاب بعد كتاب الله، وأشْعَل في قلوبهم حُبَّ هذا الكتاب.
_________
(^١) (١/ ٣٥٣ - ٤٨٩).
(^٢) طبع هذا الكتاب في سنة ١٤٠٧ هـ من دار اليمامة، بيروت.
(^٣) (١/ ٦، ١٠).
1 / 8
وكان لكل بلد من البلاد - التي فتحها الإسلام الحنيف، واستقرَّ فيها المسلمون - نصيب من الخدمة لهذا الكتاب العظيم، وهو يختلف من بلد إلى آخر قلّةً وكثرةً.
ومن المعروف أن لعلماء الهند نصيبًا غير منقوص في التمسك بهذا الكتاب والعكوف عليه درسًا وتدريسًا في العصر الأخير، فإنه لا يزال في قِمَّة الكتب الحديثيَّة التي تُدَرَّسُ في المدارس الدينية، ويُقرأ من أوله إلى آخره في آخر سِنِي الدراسة.
وقد أصبح شعارًا لنبوغ الأستاذ ورسوخه في علوم الحديث والأثرِ اقتدارُه على صناعةِ التدريس والتفهيم لهذا الكتاب، ويتجلَّى فيه امتيازُ معلِّمٍ عن معلِّمٍ، وتفوُّقُ أستاذٍ على أستاذٍ، فلا يُعتبَر الطالبُ عالمًا إلا إذا قرأ هذا الكتاب بدقَّةٍ وإمعانٍ وجُهدٍ وإتقانٍ.
ولعلماء الهند مؤلَّفاتٌ جليلةٌ في فنون الحديث وشروحٌ لأمَّهات كتبٍ تلقَّاها العلماء بالقبول (^١)، ومن أهم شروحهم: حاشية الإمام المحدِّث أحمد علي السهارنفوري على "الجامع الصحيح" التي نحن بصدد تحقيقها والتعليق عليها حتى أقدِّم هذا الكتاب إلى العالم الإسلامي والعربي في ثوبٍ قشيبٍ، وسأفصِّل الكلام عليه.
وقد رأيت من الواجب أن أعطي فكرة وجيزة عن المحدث أحمد علي السهارنفوري قبل ذلك.
* * *
_________
(^١) انظر: "الثقافة الإسلامية في الهند" (ص ١٤٣ - ١٦١)، و"المسلمون في الهند" (ص:٤٠).
1 / 9
كلمةٌ في ترجَمَة المُحدِّث السَّهارنفوري
هو الشيخ العلَّامة المحدث الكبير أحمد علي بن لُطف الله السهارنفوري، أحد كبار المحدثين والفقهاء.
وُلِد في سنة ١٢٢٥ هـ[١٨١٠ م] بمدينة " سهارنفور"، ونشأ بها، وقرأ شيئًا نَزَرًا على أساتذة بلدته. ثُمَّ سافر إلى "دهلى"، وأخذ عن الشيخ مملوك علي النانوتوي (^١).
وأسند الحديث عن الشيخ وجيه الدين السهارنفوري، عن الشيخ عبد الحي بن هبة الله البدهانوي، عن الشيخ عبد القادر بن ولي الله بن الشيخ عبد الرحيم الدهلوي.
ثُمَّ سافر إلى مكة المباركة فتشرَّف بالحج في سنة ١٢٥٩ هـ[١٨٤٣ م]، وقرأ الأمهات السّت وغيرها من الكتب على الشيخ المحدث الكبير الشاه محمد إسحاق بن الشيخ محمد أفضل الدهلوي المهاجر المكي سبط الشيخ عبد العزيز بن ولي الله، وأخذ عنه الإجازة، وأقام في الحرمين الشريفين سنتين.
_________
(^١) انظر ترجمته في "نزهة الخواطر" (٧/ ٥٠١).
1 / 10
نصّ إجازة الشيخ محمد إسحاق للسهارنفوري
وذكر الشيخ محمد إسحاق في وثيقة إجازته أنه أجازه باثنين وعشرين كتابًا من التفسير والحديث، ونصُّ إجازته هي:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسَّلامُ على سيِّد المرسلين، وعلى آله وأصْحابه أجمعين.
أمَّا بعد:
فيقول العبد الضعيف محمَّد إسحاق - عفا الله عنه -: إنَّ الشيخ الناسك الحافظ أحمد علي السَّهارنفوري قد حصل قراءة كتب الحديث وسمعها عندي في مكة المعظمة - زادها الله شرفًا وتكريمًا - بهذا التفصيل:
إنَّ الحافظ الموصوف قرأ طرفًا من "صحيح البخاري" وطرفًا سمع بقراءة الغير عليَّ، وكتاب "تيسير الوصول"، و"الجامع" لأبي عيسى الترمذي، و"شمائله"، و"كتاب النسائي"، و"ابن ماجه" للقزويني، و"الموطأ" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، و"مسند أبي حنيفة" من رواية الحصكفي، و"العُدَّة" لمحمد بن محمد الجزري صاحب "الحصن الحصين"، قرأ عليَّ من أولها إلى آخرها بلا مشاركة الغير في القراءة. وكتاب "الصحيح" لمسلم، و"سنن أبي داود" أيضًا، أسندهما عليَّ بتمامهما قراءةً وسماعةً، و"مسند الدارمي"، قرأ عليّ قدرًا معتدًّا، وشيئًا من "الجامع الصغير" للسيوطي، و"مشكاة المصابيح"، و"الحصن الحصين"، و"الحزب الأعظم والوِرْد الأفخم" لعلي القاري.
1 / 11
وأيضًا سمع بقراءة الغير عليَّ "شرح النخبة" في أصول الحديث، وقرأ عليّ من التفاسير شيئًا من "المعالم" للبغوي، و"البيضاوي"، و"الجلالين"، و"جامع البيان"، و"تفسير البيان".
وحصل لي الإجازة والقراءة والسماعة من الشيخ الأجل الحِبْر الأبجل الذي فاق بين الآفاق بالتميز أعني الشيخ عبد العزيز - رحمه الله تعالى -، وحصل له الإجازة والقراءة والسماعة من والده الشيخ ولي الله بن الشيخ عبد الرحيم الدهلوي، وأسانيد أكثر الكتب موجودة في تصانيفه.
وقد أجزتُ الحافظ الناسك الشيخ أحمد علي لقراءة الكتب المذكورة على أن يشتغل بها، ويعلِّم المستفيدين بالقراءة بالشُّروط المعتبَرة عند أهل الحديث، والله المُستعان، وعليه التُّكلان.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
(ختم) مُحمَّد إسحاق ١٢٥٨ هـ
ثُمَّ رحل الشيخ إلى المدينة المنورة وسَعِد وتبرَّك بالإقامة بجِوار النبي ﷺ، ثم رجع إلى الهند في سنة ١٢٦١ - ١٢٦٢ هـ[١٨٤٦ م].
وقد أوصاه شيخه الشَّاه محمد إسحاق بالاشتغال بخدمة الحديث، كما ذكر السهارنفوري في خِتام وثيقة إجازته ومقدِّمة حاشيته على "صحيح البخاري" أيضًا.
ولمَّا عاد الشيخ من الحرمين الشَّريفين إلى الهند قام بتدريس الحديث ونشره، وأسَّس "المطبعة الأحمدية" بـ "دهلي"، وطبع فيها كتب الحديث، وحلّاها بالحواشي المفيدة، سيَّما "صحيح البخاري" في نحوٍ من عشر سنين فصحّحه وكتب عليه حاشية مبسوطة، ونشر لأوَّل مرَّة في العالم
1 / 12
"الجامع الصحيح" للبخاري، وقد طُبع المجلَّد الأوَّل - أي نصف الكتاب - في سنة ١٢٦٧ هـ[مايو: ١٨٥١ م]، والمجلَّد الثَّاني - أي النصف الأخير - في محرم الحرام ١٢٧٠ هـ[١٨٥٣ م]، علمًا بأن "الصحيح" للبخاري طبع بعد عشر سنوات في العالم الإسلامي في مطبعة "بولاق" سنة ١٢٨٠ هـ في "القاهرة. وبعد الثَّورة الإنكليزية المعروفة بـ "ثورة سنة ١٨٥٧ م" خربتِ المطبعةُ المذكورة في هذه الحادثة وضاعتْ مكتبته واحترقتْ.
ثُمَّ أقام الشيخ بعدها "المطبعة الأحمدية" بمدينة "ميرت"، وطبع "الجامع الصحيح" في سنة ١٢٨٢ - ١٢٨٣ هـ[١٨٦٥ - ١٨٦٦ م]، وبعد ذلك تتابعت طباعتُه من عدَّة مطابعَ في "دهلي" و"مومباي".
وما طبع في "أصح المطابع" على "صحيح البخاري" من: "حلّ اللغات" (أي شرح الكلمات الغريبة)، ورسالة الإمام ولي الله الدهلوي: "الأبواب والتراجم"، كلها زيادة من صاحب "أصح المطابع".
وكذلك طُبعتْ بجهود الشيخ "سنن الترمذي" مع حاشيته له في سنة ١٢٦٥ هـ، و"صحيح مسلم" مع حاشية الإمام النووي في سنة ١٢٦٧ هـ، و"سنن أبي داود" في سنة ١٢٧١ - ١٢٧٢ هـ، و"مشكاة المصابيح" مع حاشيته في سنة ١٢٧٠ هـ، و"الحصن الحصين" في سنة ١٢٧١ هـ، و"تقريب التهذيب"، و"رسالة الجرجاني"، و"مقدمة الشيخ عبد الحق" في علوم الحديث، و"الموطأ" للإمام مالك، و"إرشاد الساري"، وغيرها من الكتب التي بلغتْ أربعين كتابًا أو أكثرَ، كلُّها طُبعتْ تحت إشراف الشيخ السهارنفوري، وطُبِعتْ بعضُ الرسائل التي ألَّفها أيضًا.
ثمَّ استوطن الشيخ آخر حياته في وطنه "سهارنفور"، واشتغل بتدريس الحديث فيها مدة اثنين وثلاثين عامًا (٣٢) في مدرسة عالية "مظاهر
1 / 13
العلوم"، وفي منزله أيضًا، وتخرّج من درسه مشاهير العلماء، منهم الشيخ إمداد الله المهاجر المكي، والشيخ محمد قاسم النانوتوي، والعلَّامة رشيد أحمد الجنجوهي، والشيخ محمد يعقوب الجنجوهي، والعلَّامة شبلي النعماني، والشيخ محمد علي المونكيري، والشيخ عبد الجبار العمر بوري، والشيخ سلامت الله الجيراجبوري، والشيخ عبد العلي الميرتي، والشيخ عبد الله الأنصاري الأنبيتهوي، والشيخ عبد الله التونكي، والشيخ محمد بن غلام السورتي، والشيخ وصي أحمد السورتي وغيرهم.
وتُوُفِّي بالفالج لسِتِّ ليال خلَون من جُمادى الأولى سنة سبع وتسعين ومائتين وألف، الموافق: ٠٣/ ٠٥/ ١٨٨٠ م بمدينة "سهارنفور" فدفن بها (^١).
* * *
_________
(^١) انظر: "نزهة الخواطر" (٣/ ٩٠٧)، ومقدمة "اللامع" (١/ ٤٥٩)، ومقدمة "أوجز المسالك" (١/ ١٥١).
1 / 14
سَبَبُ خدْمة هذا الكتاب
إنَّ الله ﷾ وفَّقني للاشتغال بالحديث الشريف منذ خمسين سنة، فألَّفت خلال هذه المدة مع التدريس عدة كتب، منها: "أعلام المحدثين"، و"علم رجال الحديث"، و"الإمام البخاري"، وغيرها من البحوث والرسائل، واشتغلتُ بتحقيق كتاب "الزهد الكبير"، و"ظفر الأماني"، و"التعليق الممجَّد"، و"أوجز المسالك"، وأخيرًا "بذل المجهود شرح سنن أبي داود".
وكان يُصِرُّ عليَّ منذ فترة بعضُ أساتذة الجامعات العربية المتخَصِّصين في علوم الحديث الشريف أن أخدم "الجامع الصحيح" للإمام البخاري بحاشية الإمام المحدِّث أحمد علي السَّهارنفوري، فاعتذرت إليهم اعتذارًا لكِبَرِ سِنِّي وكثرة أشغالي، ولكن ازداد إصرارُهم على ذلك، فتوكَّلتُ على الله واشتغلتُ بخدمته.
* * *
1 / 15
أهمية "الجامع الصَّحيح" مع حاشية السَّهارنفوري
إن "الجامع الصَّحيح" مع حاشية السهارنفوري كان مطبوعًا في شبه القارَّة الهندية، وكان الشيخ أحمد علي السهارنفوري - كما ذكرنا - هو أوَّل من نَشَر "الجامع الصَّحيح" كاملًا في العالم في سنة ١٢٧٠ هـ[١٨٥٣ م] بعد تحقيق نُصوص الكتاب ومقارنتها مع نُسخ أخرى، واعتمد على أصولٍ صحيحةٍ مسموعةٍ من "الجامع الصحيح"، وكان في حِيازته عشر نُسخ (^١) من "الجامع الصَّحيح"، منها نسخة الإمام الصغاني (^٢).
_________
(^١) انظر: "الجامع الصحيح" مع حاشيته قبل الحديث: ٧٤.
(^٢) وهو الشيخ الإمام الكبير رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي العدوي العمري الصغاني، كان فقيهًا محدثًا لغويًا، سارتْ بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، وقال الدمياطي: إنه كان إمامًا في اللغة والفقه والحديث، وقد أخذ عنه الدمياطي، وأخذ عن الدمياطي الإمام الذهبي، توفي سنة ٦٥٠ هـ، ودفن بمكة المكرمة بجوار فُضَيل بن عياض، وبلغت تصانيفُه أكثر من ٢٩ كتابًا، وقد طبع بعضها. انظر ترجمته في: "تاريخ الإسلام" للذهبي (٧/ ٤٤٤)، و"نزهة الخواطر" (٢/ ١٣٧)، و"الفوائد البهية" (ص: ٦٣)، و"كشف الظنون" (١/ ٥٥٣)، و"هدية العارفين" (١/ ٨١)، و"الجواهر المضيئة" (١/ ٢٠١)، و"بُغية الوُعاة" (ص: ٢٢٧).
1 / 16
وقد ذكر المحدّث السهارنفوري في مقدمته رموز "الجامع الصحيح" وأنها تسعة عشر، والواقع هي سبعة عشر رمزًا فقط، وقد ذكرناها عند تحقيق هذه الرموز في مقدمته، ولا شك أن أهمية اختلاف النسخ تظهر عند اختلاف الروايات بحذفٍ أو زيادةٍ، أو ضبطِ بعض الكلمات.
وقد استفاد الشيخ السهارنفوري من هذه النسخ في إثبات الفروق بين الروايات، كما أنه استفاد أيضًا من بعض شروح "الصحيح" في إثبات الفروق أيضًا، وعلى رأسها: "فتح الباري"، و"عمدة القاري"، وقد أشار إليهما، وإنما كان يشير كثيرًا إلى شرح العلَّامة القسطلاني: "إرشاد الساري".
وذكر العلَّامة الكشميري في مقدمة " فيض الباري" (^١) نسخ "البخاري"، وبَيَّنَ أنَّ مِن أهمّها: نسخة الصغاني؛ إذ كانت عنده نسخة مقروءة (^٢) على الفربري.
وقد استفاد من نسخة الصغاني شُرَّاح "البخاري"، منهم الحافظ ابن حجر (^٣) أيضًا، و- بفضل الله - قد حصَّلنا صورة من هذه النسخة، وهي موجودة في مركز الشيخ أبي الحسن الندوي، بالهند، وبعد الدراسة والمقارنة ثبت أن السهارنفوري يأخذ منها كثيرًا.
وكانت بحَوزة السَّهارنفوري نسخة شيخه الشَّيخ محمد إسحاق - المحدِّث التي قرأها في مكة المكرمة -، وهي نسخةٌ نفيسةٌ؛ لأنها كانت
_________
(^١) (١/ ٣٧).
(^٢) هي النسخة البغدادية التي صحَّحها العلّامة الصغاني وقابلها على عدَّة نسخ.
انظر: "الفتح" (١/ ١٥٣).
(^٣) انظر: "فتح الباري" (١/ ١٥٣، ٣٩٦)؛ و(٢/ ٢٩٧)؛ و(٣/ ٣٧٦)؛ و(٤/ ٤١٧)؛ و(٦/ ١٨٤)، وغيرها من المواضع.
1 / 17
مطابِقةً لنسخة الإمام ولي الله الدهلوي، ويَبدُو أن الإمام الدهلوي كانت نسختُه مطابِقةً لنسخة عبد الله بن سالم البصري (ت ١١٣٤ هـ)، غير أنه ترك في هامش الكتاب بيان الفروق التي كانت في نسخة البصري.
ونسخة البصري هي من أوثَق نُسخ "صحيح البخاري" قاطبةً عند المتأخرين، وقد أشار إليها الإمام ولي الله الدهلوي وأثنى عليها فقال:
"ومن مناقبه تصحيحُ الكُتُب السِّتَّة، ومنها تصحيحُ "الجامع الصَّحيح" للإمام البخاري مع المقارنة بالنُّسخة اليونينية وغيرها، وجعل هذا الفرعَ أحسنَ من الأصل، كتبه بيده، وأخذ في تصحيحه نحوًا من عشرين سنة، وقرأ "البخاريَّ" في جَوف الكعبة مرتين" (^١).
والشيخ محمد إسحاق تلميذ الشيخ المحدث عبد العزيز الدهلوي وحفيده، والشيخ عبد العزيز سراج الهند، هو الابن الأكبر للإمام ولي الله الدهلوي وتلميذه، والإمام ولي الله المحدث أخذ الحديث الشريف عن الشيخ المحدث محمد أفضل السيالكوتي (ت ١١٤٦ هـ)، الذي أخذ الحديث الشريف في الحرمين من الشيخ سالم بن عبد الله البصري، وكذلك الإمام ولي الله أخذ الحديث الشريف عن مشايخ الحرمين الشريفين، ومن أهم شيوخه الشيخ أبو طاهر الكردي، وهو أيضًا من تلاميذ الشيخ عبد الله بن سالم البصري، وقد أخذ الإمام الدهلوي الحديث الشريف عن ولده سالم بن عبد الله بن سالم البصري أيضًا.
ومن المعلوم أن النسخة اليونينيَّة هي أعظمُ أصلٍ يوثَق به في نُسخ "صحيح البخاري"، وهي التي جعلها العلَّامةُ القسطلاني عُمدتَه في تحقيق
_________
(^١) انظر: "إنسان العينين" (ص: ١٩٧)، و"الانتباه" (ص: ٧٧).
1 / 18
متْن الكتاب، وضبطِه حرفًا حرفًا، وكلمةً كلمةً، وهذه هي أكبر مِيزةٍ لشرح القسطلاني المسمَّى بـ "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري".
ولا يمكن للمحدث محمد إسحاق أن يتجاوزها بل كانت هذه النسخة أمامه، وكان السهارنفوري قد جعل نسخة الشيخ محمد إسحاق أصلًا لشرحه، واستفاد في ضبط المتن من نسخ أخرى، ومن أهمها نسخة الصغاني، فقد رجع إليها في كثير من المواضع كما ذكرنا، بل إني قابلت بين نسخة السهارنفوري ونسخة الصغاني فوجدت أن هناك مواضع لا توجد إلا في هذه النسخة العظيمة التي تُعَزِّز مكانة نسخة السهارنفوري.
ولإعطاء القارئ إيضاحًا فقد أتيت ببعض المواضع التي تفردت بها هذه النسخة، ونذكر لذلك الأمثلة:
١ - كتاب الزكاة (٢٤) / باب صدقة الفطر على الصغير والكبير (٧٨) / قبل حديث: ١٥١٢، فيه: "قال أبو عمرو: ورأى عمر وعلي وابن عمر وجابر وعائشة وطاوس وعطاء وابن سيرين أن يُزكَّى مالُ اليتيم، وقال الزهري: يُزكَّى مالُ المجنون".
هذه العبارة توجد في نسخة الصغاني (^١) والسهارنفوري ولا توجد في النسخة السلطانية ولا في نسخة ابن حجر ولا في غيرهما.
٢ - كتاب الصوم (٣٠) / باب من خاف على نفسه العُزوبةَ (١٠) / رقم الحديث: ١٩٠٥، وقع في آخر الحديث: "قال أبو عبد الله: الباءة: النكاح".
_________
(^١) "الصغاني" (١/ ١٨٠)، "السهارنفوري" (ص: ٢٠٥).
[وضعنا أرقام الصفحات من نسخة الصغاني المخطوطة، والسهارنفوري المطبوعة الهندية].
1 / 19
هذه العبارة ثبتت في نسخة الصغاني (^١) والسهارنفوري وسقطت من الجميع.
٣ - كتاب الصوم (٣٠) / باب اغتسال الصائم (٢٥) / رقم الحديث: ١٩٣١، قال في آخر الحديث: "قال أبو جعفر: سألت أبا عبد الله: إذا أفطر يكفِّر مثل المجامع؟ قال: لا، ألا ترى الأحاديث: لم يقضه وإن صام الدهر؟ ".
هذه العبارة ثبتت في نسخة الصغاني (^٢) والسهارنفوري، ولا توجد في أيِّ نسخة غيرهما، لا في المتن ولا في الشرح.
٤ - كتاب الحوالات (٣٨) / باب إذا أحال على مَليٍّ فليس له ردٌّ (٢) / قبل حديث: ٢٢٨٨، في نسخة السهارنفوري (^٣) زيادة، وهي: "ومن أُتبع على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ، معناه إذا كان لأحدٍ عليك شيء فَأَحَلْتَه على رجلٍ مَلِيٍّ فضمن ذلك منك، فإن أفلستَ بعد ذلك فله أن يَتَّبعَ صاحبَ الحوالة فيأخذَ عنه".
فهذه الزيادة لا توجد عند شراح "البخاري"، ولا في النسخة السلطانية، ولا في نسخة البصري إلا في نسخة الصغاني (^٤).
٥ - كتاب في الاستقراض وأداء الديون … (٤٣) / باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع … (١٤) / رقم الحديث: ٢٤٠٢، في آخر
_________
(^١) "الصغاني" (١/ ٢٣٠)، "السهارنفوري" (ص ٢٥٥).
(^٢) "الصغاني" (١/ ٢٣٤)، "السهارنفوري" (ص ٢٥٩).
(^٣) (ص: ٣٠٥).
(^٤) "الصغاني" (١/ ٢٨٦).
1 / 20
الحديث زيادة هي هذه: "قال أبو عبد الله: هذا الإسناد كلُّهم كانوا على القضاء: يحيى بن سعيد، وأبو بكر بن محمد، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو هريرة، كانوا كلُّهم على المدينة".
كذا وقعت هذه العبارة في الصغاني (^١) والسهارنفوري، ولم تقع في أيّ نسخة غيرهما.
٦ - كتاب الصلح (٥٣) / باب ما جاء في الإصلاح بين الناس (١) / بعد رقم الحديث: ٢٦٠١، في آخر الباب: "قال أبو عبد الله: هذا ممَّا انتَخَبْتُ من مسدَّدٍ قبل أن يجلسَ ويُحَدِّثَ".
هذه العبارة ثبتت في الصغاني (^٢) والسهارنفوري فقط.
٧ - كتاب الجهاد والسير (٥٦) / باب التحريض على الرَّمْي (٧٨) / رقم الحديث: ٢٩٠٠، في آخره: "قال أبو عبد الله: أَكْثَبُوكم يعني أكثَروكم".
هذه العبارة توجد في نسخة الصغاني (^٣) والسهارنفوري فقط.
٨ - كتاب الجهاد (٥٦) / باب من تكلَّم بالفارسية والرّطانة (١٨٨) / رقم الحديث: ٣٠٧٢، فيه: "قال عكرمة: سَنَّهْ: الحسنة بالحبشة".
كذا ثبتت في متن الصغاني (^٤) والسهارنفوري، ولا توجد في المتن في أيّ نسخة غيرهما.
_________
(^١) "الصغاني" (١/ ٣٠٦)، "السهارنفوري" (ص: ٣٢٣).
(^٢) "الصغاني" (١/ ٣٥٨)، "السهارنفوري" (ص: ٣٧١).
(^٣) "الصغاني" (١/ ٣٩٨)، "السهارنفوري" (ص: ٤٠٦).
(^٤) "الصغاني" (١/ ٤٢٥)، "السهارنفوري" (ص: ٤٣٢).
1 / 21
٩ - كتاب بدء الخلق (٥٩) / باب ما جاء في الجنة وأنها مخلوقة (٨) / رقم الحديث: ٣٢٤٧، قوله: "ليدخلن الجنة من أُمَّتي".
لفظ "الجنة" ثبت في الصغاني (^١) والسهارنفوري وحذف من النسخ كلِّها.
١٠ - كتاب الحرث والمزارعة (٤١) / باب كراء الأرض بالذَّهب والفضة (١٩) / رقم الحديث: ٢٣٤٦، فيه: "فنهانا النبي ﷺ".
كذا وقعت في الصغاني (^٢) والسهارنفوري بصيغة المتكلم، وعند الباقين: "فنهى النبي ﷺ" بصيغة الغائب.
١١ - كتاب التفسير (٦٥) / باب ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٢٦) / في آخر الباب بعد رقم الحديث: ٤٥٠٧، فيه: "حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا حُمَيد قال: حدثنا مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ يقول: وعلى الذين يُحَمَّلونه، قال: هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، أُمر أن يُطعِم كل يوم مسكينًا، قال: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ يقول: ومن زاد وأطعم أكثر من مسكين فهو خير".
هذا الحديث ثبت في الصغاني (^٣) والسهارنفوري، ولا يوجد في أي نسخة غيرهما.
وكذلك رأينا عند المقارنة بين النسخ أن السهارنفوري موافق للصغاني في تقديم الحديث وتأخيره، كما في كتاب فضائل المدينة (٢٩) /
_________
(^١) "الصغاني" (١/ ٤٥٨)، "السهارنفوري" (ص: ٤٦٠).
(^٢) "الصغاني" (١/ ٢٩٨)، "السهارنفوري" (ص: ٣١٥).
(^٣) "الصغاني" (٢/ ١٧٩)، "السهارنفوري" (ص: ٦٤٧).
1 / 22
باب لا يدخل الدجَّال المدينة (٩) / رقم الحديث: ١٨٨١: "حدثنا يحيى بن بكير … " إلخ، ورقم الحديث الآتي بعده: ١٨٨٢: "حدثنا إبراهيم بن المنذر … " إلخ، هكذا الترتيب موجود في نسخة الصغاني (^١) والسهارنفوري وعكسه في غيرهما.
ثم إن السهارنفوري أخذ تقسيم "الجامع الصحيح" على ثلاثين جزءًا من تقسيم الصغاني على ثلاثين جزءًا.
وكذلك يشير الصغاني في الهامش إلى كل حديث ثلاثي إذا جاء في الكتاب، واقتدى به السهارنفوري أيضًا، ولا يوجد هذا التقسيم والإشارة إلى الثلاثي في هامش السلطانية ولا في غيرها من النسخ والشروح.
مَنْهجُ السَّهارنفوري في المُقابَلة والتَّصْحيح
إن السهارنفوري يُقارِن نسخته مع نسخ أخرى أيضًا، ويكتب في الهامش اختلاف هذه النسخ، وأحيانًا يكتفي بالإشارة إلى النسخة في المتن والهامش بـ " نـ"، وأحيانًا يأتي برمز النسخة، وكان من عادة المحدثين أنهم كانوا يقابِلون بين النسخ مرّاتٍ عديدةٍ، ويُسجِّلون فروقها، وأذكر أقربَ مثالٍ لهذا: أن أبا ذر الهروي (ت ٤٣٤ هـ) أخذ "صحيح البخاري" عن شيوخه الثلاثة: السرخْسي والكُشْمِيهَني والمستملي، وهم عن الفربري عن البخاري، ووضع أبو ذر لكل شيخ من شيوخه الثلاثة رمزًا، فللسرخسي: حـ، وللمستملي: سـ، وللكشميهني: هـ، ويستعمل الهروي هذه الرموز لبيان الاختلاف في الروايات، واختار هذا المنهج الإمام اليونيني، وهذا المنهج دقيق جدًّا.
_________
(^١) "الصغاني" (١/ ٢٢٦)، "السهارنفوري" (ص: ٢٥٢ - ٢٥٣).
1 / 23