ونظر، إِلا أبا بكر، ما عكم عنه حين ذكرته، ولا تردد فيه (١)، وهذا وإِن كان مرسلًا إِلا أنه يشهد له حديث أبي الدرداء عند البخاري (٢)، وفيه قول النبي ﷺ: إِن الله بعثني إِليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صَدَقت، وواساني بنفسه وماله .... الحديث). وكان أبو بكر ﵁ صدرًا معظمًا، ورئيسًا في قريش مكرمًا، وصاحب مال، وكان محببًا مآلفًا لقومه، وقد استفاد من هذه الصفات في الدعوة إِلى الله، فإِنه ﵁ بعد معرفته للحق وإِسلامه أخذ يدعو إِلى الله وإلى الإِسلام من وثق به من قومه، فأسلم على يديه ثلة من السابقين الأولين والعشرة المبشرين بالجنة، والذين أصبحوا فيما بعد قادة وسادة في الأمة، منهم الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فجاء بهم إِلى رسول الله ﷺ فأسلموا وصدقوا. ثم جاء من الغد بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا ﵃ (٣)، وهكذا كان أبو بكر يدعو إِلى الله ويجتهد ويأتي بالرجالِ تلو الرجال ويتخير الثقات والأبطال، وفي هذا درس للدعاة، وأهمية علو الهمة والاجتهاد في الدعوة إِلى الله مع الإخلاص وابتغاء ثوابه.
وقد أسلم في السنوات الثلاث عدد من الرجال والنساء والشباب، ومن الأحرار والعبيد ما يقارب الأربعين نفسًا، وقد دخل الإِسلام أغلب البيوت في مكة، لكنهم كانوا يسلمون سرًا ويكتمون أمرهم خوفًا من المشركين، والمتأمل في أسمائهم وأنسابهم يجد أنهم من كافة الطبقات وهكذا الحق يقبل عليه الجميع ولا يكون مقصورًا على طائفة أو قبيل دون آخر.