إنني من «حملة المعاول»، وسوف أجعل من هذه الجريدة معولا أهدم به وأحطم، لا لأن الهدم والتحطيم مما تحتاجه البلاد أو الأمة، وإنما لأني ولوع بالهدم شغف بالتحطيم.
وليس ذلك فقط، وإنما أنا رجل أفيض بالنقمة على عبادة الأصنام، وسوف أتعمد في هذه الجريدة امتهان الأصنام وعبادتها، لا لأن ذلك يرضي الله ويستوجب المثوبة، وإنما لأني أحتقر الأصنام وأسخر من عبادتها.
لست إلا رجلا صريحا أخاطب الناس بما تجيش به نفسي، فأحمل بوق الحق لأطرب روحي بسماعها، وإن اصطكت منه الأسماع وذعرت منه النفوس.
وفي المجتمع مضللون لهم صحف يضيق بها الحصر، وفي البلاد دجالون ماهرون لا يحصى لهم عد، وفي الوطن نصابون بارعون في النصب والاحتيال، إذن فالجمهور لا يحتاج لأن أجعل هذه الجريدة وسيلة إلى التضليل أو التدجيل أو الاحتيال ما دمت لست ماهرا في هذه «الأخلاق المألوفة»، وإذن فإني معذور إذا لم أنشر في هذه الجريدة ما اعتاد الناس مطالعته في الصحف «المرتزقة»، وإذن فهذه الجريدة «مني وإلي».
ومع أن الامتياز بأن تكون جريدة «الزمان» يومية، فلم يقو على نشرها إلا مرتين في الأسبوع، وتلقف الجمهور الصحيفة بلهفة، وعظم شأنها في الأوساط السياسية والأدبية، ولكن الجرأة النادرة التي تحلى بها صاحبها اصطدمت بأهواء السياسة، فصرعت الصحيفة وعطلت مرات، مما اضطر الكاتب الحساس إلى ترك ميدان الصحافة والانزواء في حجرة ضيقة من دواوين الحكومة، تاركا السواد يلهجون ببراعته الكتابية، وتحرر جريدته ودوي صوتها في الدفاع عن حقوق الوطن في مواقف معروفة.
ولا يزال الفتيان والكهول يترنمون بمقالات «إبراهيم صالح شكر» التي عنوانها «قلم وزير»؛ إذ كتبها «بقلم مداد» أهداه إليه الوزير «علي جودة الأيوبي»، وعالج فيها صفحات من تاريخ القضية العربية في عهد الثورة الكبرى بأسلوب يحلل الحوادث ويلقي ضوءا على بعض الشخصيات العربية ... وتنطوي على تفسيرات للأحداث وأوصاف للأشخاص غير ما عرف بين الناس عنها وعنهم.
إيضاح
إن الوقت المخصص لموضوعنا لا يمكن أن يتسع مع الأسف لتصوير صورة كاملة لحالة الصحافة العراقية في الفترة التي نتحدث عنها، ولا سيما أن هناك ألوانا من الصحف والمجلات الأدبية والاختصاصية ونواحي من الحياة الصحافية بصفة كونها صناعة أو فنا لم ينفسح المجال لبحثها؛ إذ أراني مضطرا بهذه المحاضرة السابعة إلى أن أقف عند هذا الحد، بعد أن خصصنا المحاضرة الثامنة «لحرية الصحافة».
حرية الصحافة في العراق
أما والأصل في الصحافة أنها الوسيلة التي تترجم عن رغبات الجمهور والواسطة لتبادل الآراء بين أفراد الأمة وطبقاتها، وبين الهيئة الحاكمة والجماعات المحكومة ؛ فقد أصبحت مسألة حريتها أم المسائل، فلا صحافة بدون حرية؛ إذ كيف يراد من المعبر عن الرأي العام ونزعات الكافة أن يكون مقيدا غير طليق؛ فهو إذن لا يؤدي مهمة هذا التعبير على وجهها الصحيح،
अज्ञात पृष्ठ