وأخرج منهما نسلا كثيرا طيبا، بعثهم في الأرض بمنزلة الكواكب، لا يتأخر طالعهم عند أفول الغارب، أضاءت بأنوار علومهم المشارق والمغارب، ورتعت في رياض حلومهم الأعاجم والأعارب، رسخت بهم أصول الدين، وشمخت فروعه، وابتهج بحميد عنائهم معقول التعبد ومسموعه، أنقذوا عباده من الجهالة، وهداهم بهم من الضلالة، فله الحمد على ذلك كثيرا.
وبعد ذلك: فإن العلم وإن كثرت فنونه، وتفرقت شجونه، فإن أجله قدرا، وأهمه أمرا، وأوجبه حقا بعد معرفة الله سبحانه وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز من توحيده وعدله وصحة نبوة رسله -صلوات الله عليهم-، وما يتعلق بذلك ويبنى عليه من فروعه اللازمة له بعد معرفة كلامه سبحانه، وأقسامه وأحكامه، وما يجوز عليه فيه وما لا يجوز، وكلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأقسامه أيضا وأحكامه، وما يجوز عليه وما لا يجوز، وما يتبع ذلك ويبنى عليه من فروعه اللازمة له، ويتعلق به، وحكم عارفه، وحكم جاهله، وحكم ما لم يدخل تحته، وهذا هو المراد بأصول الفقه.
وقد دل على ذلك الدليل العقلي، وترتب عليه التعبد الشرعي؛ فإن الأمر فيه عظيم، والجهل على بعض الوجوه قبيح، ولحاقه بصاحبه أجدر.
ومثاله ما يعلم من أن أحدنا إذا علم أن بين يديه ملكا قادرا وأنه قادم عليه لا محالة، وعلم أن له عليه حقا واجبا، وأن الملك لا يقبل في حقه إلا نقدا مخصوصا، فإنه يجب عليه في قضية العقل معرفة النقد معرفة حقيقة ليحصله مخلصا له عن عهدة ما لزمه، ولا تحصل معرفة بدون دلالة.
ولأنا أيضا قد علمنا من جهة العقل أنه يجب علينا اجتناب قبائح عقلية بالعقل، وعلمنا بالدلالة أنا مع الإتيان بالواجبات الشرعية نكون أقرب إلى الإتيان بالواجبات العقلية، والاجتناب للمقبحات العقلية.
पृष्ठ 22