सफवत अल-अस्र
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
शैलियों
هو صاحب الجلالة أحمد فؤاد الأول ابن الخديوي الجليل إسماعيل بن القائد العظيم إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الكبير رأس العائلة المحمدية العلوية.
ولد هذا الملك الدستوري في قصر والده الخديوي إسماعيل باشا بالجيزة في الثاني من شهر ذي الحجة سنة 1284ه، الموافق 26 مارس سنة 1868، وهو أصغر أنجال المغفور له إسماعيل باشا، وكان والده قد أنشأ مدرسة خاصة في رحبة عابدين لتعليم أنجاله الأمراء الفخام فأدخله فيها، وكان قد بلغ السابعة من عمره السعيد فاستمر فيها ثلاث سنوات بملاحظة سعادة يعقوب باشا أرتين الذي كان ناظرا للمدرسة وقتئذ.
وفي سنة 1878 كان قد بلغ العاشرة من عمره، وأتقن كثيرا من مبادئ العلوم والتربية العالية، وظهرت عليه مظاهر الفطرة الذكية ودلائل الفطنة الغريزية، فرأى والده أن يرسله إلى «مدرسة توديكم»، وهي من المدارس الكلية الكبرى بمدينة جنيف من أعمال سويسرا، وكانت هذه عادته مع أولاده كلهم، فإنه كان قد أرسل كل واحد منهم إلى عاصمة من عواصم أوربا.
ثم اختار كلا من حسن جلال باشا وحمد الله أمين باشا؛ ليكونا في معية الأمير في السفر والإقامة هناك، وكان كلاهما من صفوة رجال العلم وكبار المدرسين بالمدارس الأميرية، وأمر دور بك الفرنساوي الذي كان مفتشا بنظارة المعارف العمومية المصرية أن يسافر مع الأمير؛ ليدخله المدرسة المذكورة ويمهد له أسباب الراحة ومعدات الإقامة، ويعرفه بأعاظم الرجال فسافر معه دور بك وبعد أن أتم مأموريته عاد إلى مصر، ثم استمر في معية الأمير حسن جلال باشا لتدريس اللغة العربية وحمد الله أمين باشا لتدريس اللغة التركية. وجد الأمير واجتهد في دراسة العلوم العالية حتى نجح نجاحا باهرا وفاق معظم رفقائه، وكان مثالا للذكاء النادر وعنوانا للنشاط والاجتهاد. وفي سنة 1879 أقيل والده الخديوي إسماعيل من خديوية مصر وسافر إلى إيطاليا فقابل الأمير والده بمدينة نابولي، ثم أتى مصر ليزور أخاه المرحوم محمد توفيق باشا الذي كان قد جلس على عرش مصر. وعاد فأقام مع والده ثلاثة أشهر في قصر فلورينا الملكي الشهير في ضواحي نابولي، وفي سنة 1880، أشار الملك إمبرتو الأول ملك إيطاليا السابق على صديقه الخديوي إسماعيل أن يدخل الأمير في المدرسة الإعدادية الملكية في مدينة تورينو، فاستمر بها حتى أتم دروسه. ثم انتقل منها إلى مدرسة تورينو الحربية وتخرج منها في سلاح الطوبجية برتبة ملازم ثاني، ثم دخل المدرسة الحربية العالية بمدينة تورينو أيضا وهي إحدى المدارس الحربية الثلاث المعروفة بالشهرة الفائقة في جميع العالم، فأتم دروسه الفنية بها، وخرج منها سنة 1888 وانضم إلى آلاي الطوبجية الثالث عشر المعسكر في مدينة روما عاصمة إيطاليا، ومكث ضابطا في الجيش العامل سنتين كاملتين، وقد أظهر هناك من المزايا الباهرة والأخلاق العاطرة ما جذب إليه قلوب الجند، واستمال قلوب الضباط والقواد حتى ألحق بالبلاط الملكي، فاختص بمنصب هام يليق بمقامه الرفيع وسمو مداركه وسعة معارفه التي أعجب بها ملك إيطاليا وقتئذ.
وفي سنة 1890م كان والده قد انتقل إلى الأستانة فسافر إليها لزيارته، وهناك زار السلطان عبد الحميد فرأى جلالته عليه من مخائل الشجاعة والذكاء ما دعاه لأن يعينه ياورا فخريا لجلالته بالبلاط الملكي، ثم انتدبه بعدئذ ليكون ملحقا حربيا لسفارة الدولة العلية في مدينة فينا عاصمة النمسا، فاستمر في هذه الوظيفة سنتين وفي أثنائهما كان قد توفي المرحوم والده.
وفي سنة 1892 استدعاه الخديوي عباس الثاني من فينا، ورغب أن يوليه منصب كبير الياوران في المعية ويجعله من أركان حربه فاستأذن من جلالة السلطان عبد الحميد، فأتاه الإذن من المابين الهامايوني بذلك فلبى داعي الوطنية وعاد إلى مصر، ونال رتبة الفريق الرفيعة ثم صدر الأمر العالي بتعيينه ياورا للحضرة الفخمية الخديوية ولازم الخديوي ولقي منه ومن حكومته كل إجلال وإعظام، وظل في هذا المنصب السامي ثلاثة أعوام متوالية جعل فيها الحرس الخديوي يضارع أعظم حرس في العواصم الأوربية في حسن النظام وجمال الهندام، ولا يزال جميع الضباط الذين انتظموا في الخدمة العسكرية تحت أمرته، يذكرون له تلك السنين الثلاث بمزيد الفخار ومنتهى الإعجاب.
مناقبه ومفاخره
أما أخلاقه فهي من علو الهمة وشرف العواطف وجميل السجايا على جانب يوازي طيب محتده وعنصره، فقد جمع إلى مكارم الأخلاق وبشاشة الوجه شجاعة نادرة وثباتا غريبا، برهن عليهما في حادثة الاعتداء الشهيرة التي نجاه الله منها لسعادة مصر وحسن حظها، وهو معروف بالنظر الثاقب وحب الخير لبلاده، وقد وقف حياته على خدمة وطنه بنشر ألوية العلم والعرفان، ولا تزال البلاد تذكر له همته العالية وعنايته الفائقة في مشروع الجامعة المصرية، فإنها لم تكن إلى سنة 1908م إلا مجرد أمنية من الأماني الوطنية الكبرى، وهو الذي أخرجها إلى حيز الوجود واحتفل بافتتاحها في 21 ديسمبر سنة 1908م، وقد ألقى خطبة ضافية في حفلة الافتتاح الرسمية في الساحة الكبرى لمجلس شورى القوانين، رن صداها في أنحاء القطر المصري، فبعثت في الشبيبة المصرية روح الشجاعة والإقدام على ورود مناهل العلوم العالية والتربية الصحيحة. ثم استمر يعضد الجامعة بثاقب أفكاره ويساعدها بنفوذه، حتى سعى لدى الدول الأوربية فجذب كبار العلماء المستشرقين من أوربا؛ للتدريس فيها وإلقاء المحاضرات التي كانت تطبع وتنشر وقتئذ في جميع أنحاء البلاد، ووضع العلماء كثيرا من المؤلفات في العلوم العالية، وبفضل مساعيه لدى الدول قبلت حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا أن يتعلم بعض الطلبة المصريين مجانا في جامعات لندن وباريس وروما.
وهو الذي أنشأ المكتبة العظيمة للجامعة، واهتم بها حتى أصبحت تحتوي على ما ينيف على اثني عشر ألف مجلد، وأهدت إليها الحكومات الأجنبية والمعاهد العلمية الأوربية مجموعات عديدة من ذخائر الكتب النفيسة، ونالت الجامعة خمسة آلاف جنيه إعانة سنوية من ديوان الأوقاف وألفي جنيه إعانة لها من مالية الحكومة.
أما رغبته في الأعمال والمصالح الخيرية العامة وحبه في تشجيعها والأخذ بناصرها، فذلك أشهر من أن يذكر فإليه يرجع الفضل في تأسيس الجمعية السلطانية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، وقد افتتحها باحتفال شائق في 8 أبريل سنة 1909م، وقامت هذه الجمعية بمحاضرات عديدة ومباحثات مفيدة خصص لها مجلة سميت مجلة «مصر الحاضرة»، فكانت تنشر تلك المحاضرات حتى أصبحت من أنفس المجلات، وفي سنة 1909 أيضا أسس جمعية لترغيب السياح في زيارة البلاد المصرية، ومشاهدة آثارها العظيمة، ولا يخفى ما في هذا من توثيق عرى الألفة والمودة بين الأمم الأجنبية والأمة المصرية، وتمهيد أسباب الارتزاق لكثير من المصريين.
अज्ञात पृष्ठ