عاشرته هذه السنين الطوال، فكانت تعليقاته كلها مما يذكرني بتعليقات صديقي المرحوم الشيخ عبد العزيز البشرى في متين بنائها نرويها ضاحكين مبتسمين.
ثم رأيته كأب مثالي يجود بنفسه وحياته ليتنعم بالعلم والتربية محمود وأمينة وفاطمة، فقد كان لهم أبا مثاليا وصديقا وفيا.
وكان موظفا أمينا لبقا، أما ككاتب، فإنك بعد أن تطالع هذه الصفحات سنلتقي أنا وأنت على هذه الجملة «طيب الله ثراك يا صلاح.»
الأكشاك الخشبية
كان يجب أن يملأ نفسي شعور الاشمئزاز، ولكن القدر أراد غير ما أردت ... ***
أريد أن أذكر بالضبط ما حدث في ذلك اليوم من أيام شهر يوليو سنة 1935 المكان الذي بدأت فيه القصة، وكيف بدأت؟ إن الذاكرة لا تسعفني، فبداية القصة غامضة، والمكان نفسه قد غيرته الأيام، ولو ملكت عصا ساحر فمحوت ذلك الصف الأنيق من أكشاك الاستحمام النظيفة ذات النظام الدقيق، والتي تمتد على شاطئ البحر الآن، ولو استطعت أن أحل مكانها تلك الأكشاك التي كان يقيمها الأهالي إذ ذاك كل حسب هواه، وغناه ... بعضها حقير تآكل خشبه، والبعض الآخر كبير زاهي الألوان كثير النقوش.
كان شاطئ البحر إذ ذاك كأنه معرض للطبقات، وكانت أزياء الناس نفسها كأزياء المهرجان، وإني ليتملكني الضحك الآن، وأنا أتخيل نفسي بلباس البحر الذي اشتريته إذ ذاك، وكنت أزهو به، كان مخططا باللونين الأبيض والأحمر، وكأنني أحد نزلاء السجون الأمريكية ... بل حين أتخيلها هي أيضا بلباس البحر العجيب من القطن الرخيص ... كان هذا اللباس أهم قطعة في أثاث الكابين الذي كان يملكه صديقنا عبد السلام، كان لباسا للطوارئ ... ما أكثر الطوارئ على شاطئ البحر في حياة عزب يملك كشكا خشبيا للاستحمام.
ولأعد للقصة ...
القصة حيث أذكر لا حيث بدأت، ففي عصر أحد الأيام أقبلت سامية، وكنا أربعة نجلس أمام الكابين، فحيت الثلاثة الآخرين بأسمائهم ... وحيتني أنا بالتحية نفسها، وإن لم تعرف الاسم، وارتاحت نفسي لبساطتها، وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث، وعلى حين فجأة نهضت سامية تقول: ما حدش منكم ناوي ينزل البحر؟
وصمت الثلاثة، وأدرت رأسي في وجوههم، فوجدتهم يرفضون جميعا فتحرك لساني، وقلت: أنا ... إذا لم يكن لديك مانع ...
अज्ञात पृष्ठ