وتمضي فترة صمت يقطعها صوت المحقق: أتعرف أنك متهم بالسرقة يا سيد، أين خبأت الثمانين قرشا؟
ويجيب سيد في حسرة: إنها هنا في جيبي.
ويمد يده فيخرج القروش الثمانين، ويقدمها في ذلة إلى المحقق قائلا: كنت محتاجا إليها، إنها ثمانون قرشا فقط. - أعرف ذلك يا سيد لكنا سنقبض عليك بتهمة السرقة مع ذلك، لقد سرقت هذه الثمانين قرشا.
ويبكي سيد لأول مرة ... ويصيح في حرارة وضراعة، وكأنه لا يكذب: لم أسرق شيئا ... هذه الثمانون قرشا كنت محتاجا إليها.
ويطرق المحقق، ثم يشيح برأسه كأنما لا يريد أن يرى وجه سيد، ويهب عبد الحميد واقفا، ثم يمضي في الغرفة جيئا وذهابا، ثم يقف فجأة، ويقول: وهل كنت أستطيع أن أرى وجه سيد، وقد ارتسمت عليه مظاهر يأس هائل قاتل؟ لقد أحسست بحقارتي، وأنا أصدر أمري بالقبض عليه ...
ما من واحد من زملاء سيد إلا وأقر بأنه خير منهم جميعا، وعبد السميع أفندي كاتب المحل يقسم لي أغلظ الأيمان أنه برغم اعتراف سيد لا يصدق أنه يسرق، ويصمت عبد الحميد مرة أخرى، ثم يعود إلى حديثه في اضطراب: ومع ذلك فبين يدي قانون ... قانون يلقي بسيد إلى السجن، ولا يستطيع أن يفعل شيئا لصاحب المصنع، وتاجر الثياب، وتاجر حلل الأطفال الصغار، قانون لا يستطيع أن يجفف قطرة من دموع سنية، وهي تروي لي كيف قضى سيد ثلاثة أسابيع يعمل ساعات الليل ليشتري ثياب العيال، وأقراص الكعك، قانون يأبى أن يضع مع سيد في قفص الاتهام إنسانا آخر ...
ويعود عبد الحميد إلى كرسيه، وقد هدأت ثورته يستطرد في الحديث: لقد أفرج عن سيد بضمان ... وخرج ليقضي العيد مع سنية وطفليه، إنهم لن يذوقوا الكعك في العيد ... لقد ردت الثمانون قرشا لصاحب المصنع ... وبعد العيد.
ويعود عبد الحميد إلى قلقه من جديد. - بعد العيد ... سأقف يوما لأتهم سيد بخيانة سيده ... وسرقة مصنعه ... وكسر صندوق صغير فيه نقود ... وسأطلب الحكم عليه بالسجن ... سوف أتكلم طويلا عن الشرف والأمانة، وأكيل اللعنات على اللصوص والمعتدين ... ولكني ...
ويعلو صوت عبد الحميد: ولكني أقسم لكم ... لن يكون سيد هو الذي أقصده ... إن سيد قد يسجن، وقد يحكم عليه مع وقف التنفيذ لكنه لن ينال شيئا من لعناتي.
وينظر عبد الحميد إلى الفضاء، ويخفت صوته، وكأنه يهمس في حلم: كم كان حكيما ذلك الذي صور العدالة في صورة امرأة عمياء تحمل ميزانها ... إنها لا تدري أحيانا أي معدن نفيس تشيل به إحدى كفتيها، وقد أثقلت الأخرى بالأوزار ...
अज्ञात पृष्ठ