أقرأ عن تلك الحياة في جريدة «فيديت».
كانت شريحة الشباب ضمن السكان أكبر مما هي عليه الآن، ومما ستكون عليه مستقبلا في أي وقت. لا يأتي الأشخاص الذين تخطوا عمر الخمسين إلى مكان جديد، غير مجهز. هناك عدد قليل إلى حد ما من الأشخاص مدفونون في المقابر، لكن مات معظمهم صغيرا في حوادث، أو أثناء الولادة، أو بسبب الأوبئة. يسود الشباب المدينة الآن. يطوف الأطفال - الصبية - في الشوارع في مجموعات. الذهاب إلى المدرسة إجباري فقط مدة أربعة أشهر سنويا، وهناك الكثير من الأعمال المؤقتة التي يستطيع طفل في الثامنة أو التاسعة أن يقوم بها، مثل جمع الكتان، ورعاية الجياد، وتوصيل البقالة، وتنظيف الممرات أمام المتاجر. يقضي الأطفال وقتا كبيرا يبحثون عن المغامرات. في أحد الأيام، تتبعوا امرأة عجوزا مخمورة تكنى كوين آجي، ووضعوها في عربة يد وداروا بها حول المدينة، ثم ألقوها في مصرف لإفاقتها. يقضون أيضا وقتا طويلا في محيط محطة السكك الحديدية؛ يقفزون بين عربات القطار، ويتحدون بعضهم بعضا في المخاطرة بذلك، وهو ما يؤدي من حين إلى آخر إلى إحداث عاهة بأحدهم أو قتله. ويراقبون أي غرباء يأتون إلى المدينة؛ يتبعونهم، يعرضون مساعدتهم وحمل حقائبهم، ويوصلونهم (مقابل خمسة سنتات) إلى أحد الفنادق. أما الغرباء غير الموسرين، فيتعرضون للإهانة والتوبيخ. تحيط التخرصات بجميع الغرباء، مثل سحابة من الذباب. هل يأتون إلى المدينة لبدء أعمال جديدة، لإقناع أهل المدينة بالاستثمار في أحد المشاريع، لبيع الأدوية أو الأدوات الجديدة، لإلقاء المواعظ على نواصي الشوارع؟ تجري هذه الأشياء في أي يوم من أيام الأسبوع. خذ حذرك، هكذا تحذر جريدة «فيديت» الناس، هناك احتمالات لاقتناص الفرص وأخرى للتعرض للخطر. يجوب الطرق - خاصة السكك الحديدية - متشردون، ومحتالون، وباعة جائلون نصابون، وأفاقون، ولصوص. يجري الإعلان عن السرقات: تستثمر الأموال ولا يراها أصحابها مرة ثانية، بنطال يسرق من حبل غسيل، وخشب من كومة أخشاب، وبيض من حظيرة دجاج، ولا يعاد كل ذلك ثانية. تزداد مثل هذه الحوادث في الجو الحار.
يتسبب الطقس الحار في حوادث أيضا؛ تهتاج كثيرا من الجياد، وتقلب العربات التي تقودها. تعلق الأيادي في آلات العصر أثناء الغسيل، وينشطر رجل إلى نصفين في مصنع قطع الأخشاب، ويقتل طفل يقفز عند سقوط قطع خشب في فناء الأخشاب. لا ينام أحد جيدا. يصاب الأطفال بالجفاف بسبب حالات الإسهال الصيفي الشديدة، ولا يستطيع البدناء التقاط أنفاسهم بسهولة. يجب أن تورى الأجساد الثرى بسرعة. ذات يوم، يتجول رجل في الشوارع ويقرع جرس بقرة وينادي قائلا: «توبوا! توبوا!» ليس هذا رجلا غريبا هذه المرة، بل شاب يعمل لدى الجزار. خذوه إلى المنزل، لفوه في ملابس مبللة باردة، وأعطوه دواء مهدئا للأعصاب، واجعلوه يلزم الفراش، وصلوا من أجل شفاء عقله. إذا لم يتعاف، فيجب أن ينقل إلى مستشفى الأمراض العقلية.
يواجه منزل ألميدا روث شارع دوفرين، وهو شارع راق بعض الشيء. في هذا الشارع، يمتلك تجار وصاحب مصنع ومسئول آبار ملحية منازلهم الخاصة، لكن شارع بيرل، الذي تطل عليه نوافذ منزلها الخلفية وتفتح البوابة الخلفية للمنزل عليه، يختلف تماما عنه. تجاور منازل العمال منزلها. صف من المنازل الصغيرة لكن المحترمة المتشابهة المتلاصقة، وهو ما لا غبار عليه. تتدهور الأحوال مع الاتجاه نحو نهاية المربع السكني، ويصير المربع الأخير مؤسفا. لا يعيش فيه أحد إلا أفقر الأشخاص، الأشخاص غير المحترمين، الذين لا يستحقون المساعدة، هناك على حافة حفرة طينية (جرى تصريفها مذ ذاك)، تسمى مستنقع شارع بيرل. هناك تنمو الأعشاب الكثيفة والمتنامية، ويتم إنشاء أكواخ مؤقتة، وتتراكم أكوام من النفايات والحطام، وتتجمع مجموعات من الأطفال الأقزام، وتلقى المياه القذرة عبر الأبواب. تحاول المدينة أن تجبر هؤلاء الناس على بناء حمامات داخلية، لكنهم يذهبون إلى قضاء حاجتهم بين الأجمات. إذا قصدت مجموعة من الصبية شارع بيرل بحثا عن مغامرة، فيحصلون على الأرجح على أكثر مما كانوا يقصدونه. يقال إن مأمور المدينة لا يستطيع أن يذهب إلى شارع بيرل ليلة السبت. لم تتجاوز ألميدا روث صف المنازل المجاور لها أبدا. تعيش في أحد هذه المنازل فتاة صغيرة اسمها آني، التي تساعدها في تنظيف المنزل. لم تبلغ تلك الفتاة الصغيرة؛ نظرا لأنها فتاة محترمة، المربع الأخير من شارع بيرل أو المستنقع. لن تذهب أي امرأة محترمة إلى هناك أبدا.
على الرغم من ذلك، يمثل هذا المستنقع نفسه، الذي يقع إلى الشرق من منزل ألميدا روث، مشهدا رائعا عند الفجر. تنام ألميدا في الجزء الخلفي من المنزل. لا تزال تمكث في غرفة النوم نفسها التي كانت تشاركها فيها أختها كاثرين، لا تفكر في الانتقال إلى غرفة النوم الأمامية الكبيرة، حيث كانت أمها ترقد في الفراش طوال اليوم، والتي صارت لاحقا مكان إقامة والدها الوحيد. من نافذتها، تستطيع أن ترى الشمس تشرق، وضباب المستنقع يمتلئ بالضوء، وتتحرك الأشجار الكبيرة الأقرب إلى المستنقع عبر الضباب، وتتحول الأشجار الأبعد إلى لون شفاف. أشجار البلوط، والإسفندان اللينة، والتمرك، والجوز المر الخاصة بالمستنقع.
3
هنا حيث يلتقي النهر البحر الداخلي،
تنشر تنوراتها الزرقاء من الغابة المهيبة،
أفكر في الطيور والوحوش والرجال الميتين،
الذين تنتصب بيوتهم على هذه الرمال الشاحبة.
अज्ञात पृष्ठ