توجد لحظات سيئة قليلة دوما بعد أن تقود بريندا شاحنتها من الطريق السريع - حيث يكون لديها عذر للقيادة هناك، حال رآها أحد - إلى الطريق الجانبي. كانت شاحنتها لافتة للانتباه، لا يمكن أن يخطئها أحد. لكن بمجرد أن تعزم أمرها وتشرع في الأمر، وهي تقود إلى مكان ليس من المفترض أن تكون فيه، تشعر أنها أقوى. وعندما تقود سيارتها إلى طريق المستنقع المهجور، لا يوجد أي عذر ممكن تقديمه. إذا رآها أحد هنا، فسيكون أمرها قد انتهى. عليها أن تقود مسافة نصف ميل تقريبا في العراء قبل أن تصل إلى منطقة الأشجار. كانت تأمل في أن تزرع الذرة، التي كانت ستنمو لارتفاعات طويلة وتخفيها، لكنهم لم يزرعوا ذرة بل فاصوليا. على الأقل لم يجر رش الطرق الجانبية هنا؛ كانت الحشائش والطحالب وأجمات التوت قد نمت عاليا، وإن لم يكن عاليا بما يكفي لإخفاء شاحنة. كانت هناك أزهار عصا الذهب والصقلاب، قرون بذورها مفتوحة، وكانت عناقيد متدلية من الفواكه السامة البراقة، والكرم البري فوق كل شيء، وتزحف حتى إلى الطريق. وأخيرا، صارت بريندا في الداخل، دخلت نفق الأشجار؛ شجر أرز وشوكران، وعند الدخول أكثر في المنطقة الأكثر بللا كانت توجد أشجار الطمراق الرفيعة، والكثير من أشجار القيقب اللينة ذات الأوراق الصفراء والبنية المرقطة. لا يوجد ماء آسن، ولا توجد برك سوداء، حتى في الأماكن القصية في منطقة الأشجار. كانا محظوظين في ظل الصيف الجاف والخريف. كانت ونيل محظوظين، وليس المزارعون؛ فإذا كانت السنة ممطرة، ما كانا سيلجئان لهذا المكان. كانت الأخاديد الصلبة التي تمر عجلات سيارتها فيها ستصبح طينا لزجا وكانت النقطة التي تنحرف عندها بالسيارة في آخر المكان ستصبح مجرد منخفض طيني.
تقع هذه البقعة داخل تلك المنطقة بنحو ميل ونصف الميل. هناك أماكن صعبة في القيادة فيها، تلي منحدرين صغيرين يبرزان من المستنقع، وجسرا خشبيا ضيقا فوق جدول لا تستطيع أن ترى أي ماء تحته، فقط بعض نباتات قرة العين والقراص المصفرة، التي تمتص غذاءها من الطين الجاف.
يقود نيل سيارة من طراز ميركوري زرقاء قديمة - أزرق قاتم - والتي يمكنها السير في بركة، بقعة من ظلام المستنقعات تحت الأشجار. جاهدت بريندا حتى ترى السيارة، وهي لا تمانع في أن تصل هناك قبله بدقائق، حتى تتمالك نفسها، وتفرد شعرها، وتفحص مكياجها، وترش عنقها (وفي بعض الأحيان بين رجليها أيضا) بعطر بحقيبة يدها. تصبح قلقة عند مرور أكثر من بضع دقائق. لا تخشى الكلاب البرية أو المعتدين أو الأعين التي تتلصص عليها من بين الأيكات - كانت معتادة على قطف التوت هنا عندما كانت طفلة؛ وهكذا عرفت هذا المكان. تخاف مما قد لا يكون هناك، لا مما هو موجود؛ غياب نيل، إمكانية تخليه عنها، إنكاره المفاجئ لها. إن هذا يمكن أن يحول أي مكان، أي شيء، إلى مكان قبيح وخطر وغبي. أشجار أو حدائق أو أماكن انتظار أو مقاهي - لا يهم. في إحدى المرات، لم يأت؛ كان مريضا، ربما كان بسبب تسمم غذائي أو آلام رهيبة بالرأس بسبب الإفراط في شرب الخمر، والتي لم يصادفها من قبل في حياته، مثلما أخبرها عبر الهاتف تلك الليلة، وكان عليها أن تتظاهر أن شخصا كان يهاتفهم ليبيعهم أريكة. لم تنس فترة انتظارها قط؛ فقدان الأمل، الحرارة، والبق - كان ذلك في شهر يوليو - وكان جسدها يرشح عرقا، هنا في شاحنتها، مثل إقرار يائس بالهزيمة.
ها هو، لقد أتى قبلها، تستطيع أن ترى أحد مصابيح السيارة الميركوري عبر ظلال أشجار الأرز الكثيفة. يبدو الأمر كشخص يلقي نفسه بالماء عندما يكون جسده شديد الحرارة، مجروحا ومقروصا في كل مكان جراء قطف التوت من الأجمة في الصيف؛ العذوبة المحيطة بالأمر، العطف البارد الذي يغرق جميع مشاكلك في أعماقه الفجائية. تركن بريندا شاحنتها وتعدل من شعرها وتقفز خارجة منها، وتجرب الباب لترى ما إذا كان موصدا، وإلا سيرسلها نيل على عجل إلى الشاحنة، مثل كورنيليس، لتتأكد من أنها قد أغلقتها. تسير عبر المسافة المشمسة الصغيرة، الأرض التي تتناثر الأوراق عليها، ترى نفسها تسير، مرتدية بنطالها الأبيض الضيق والبلوزة الفيروزية، وحزاما أبيض متدليا، وحذاء بكعب عال ، وحقيبتها فوق كتفها. امرأة رشيقة، بشرتها بيضاء منمشة، وعيناها زرقاوان تحفهما ظلال وخطوط تحديد زرقاء، والتي تغلق على نحو جذاب إزاء أي إضاءة. تنعكس الشمس على شعرها الأشقر الضارب إلى الحمرة - والذي تم تصفيفه بالأمس - مثل تاج من البتلات. ترتدي الكعب العالي فقط من أجل قطع هذه المسافة القصيرة، فقط من أجل لحظة عبور الطريق هذه عندما تقع عيناه عليها، من أجل حركة الحوض والطول الزائدين التي يمنحها الكعب إياها.
في الغالب، يتضاجعان في سيارته، هنا تماما في مكان لقائهما، رغم أنهما يظلان يخبر كل منهما الآخر أن ينتظر: توقف، انتظر حتى نصل إلى المقطورة. تعني «انتظر» عكس ما تشير إليه، بعد برهة. في إحدى المرات، بدآ المضاجعة بينما كانا لا يزالان يقودان. خلعت بريندا بنطالها وتنورتها الصيفية الفضفاضة، غير منبسة بكلمة، ناظرة إلى الأمام مباشرة، وانتهى بهما المطاف بالتوقف على جانب الطريق السريع، مخاطرين في ذلك أيما مخاطرة. الآن، عندما يمران بهذه النقطة، تقول دوما شيئا من قبيل: «لا تحد عن الطريق هنا.» أو «يجب أن توضع علامة تحذيرية هنا.»
يقول نيل: «لافتة تاريخية!»
لديهما تاريخ من العلاقة الجسدية، تماما مثل العائلات أو الأشخاص الذين يذهبون إلى المدرسة معا. ليس لديهما أشياء أخرى أكثر من ذلك. لم يتناولا وجبة واحدة معا، أو يشاهدا فيلما. مع ذلك، يمران معا ببعض المغامرات المعقدة والأخطار، ليس فقط مغامرة من نوع التوقف على جانب الطريق السريع للمضاجعة. ويقومان بأشياء خطرة، كل يدهش الآخر بها، على نحو صحيح دوما. في الأحلام، يراودك إحساس أنك شاهدت هذا الحلم من قبل، أن هذا الحلم يتكرر مرارا، وتعلم أن الأمر ليس على هذا النحو من البساطة. تعلم أن ثمة نظاما خفيا كاملا يطلق عليه اسم «الأحلام»، بما أنه ليس ثمة اسم أفضل تطلقه عليه، وأن هذا النظام لا يشبه الطرق أو الأنفاق، بل يشبه أكثر الشبكة الجسدية الحية، التي تنكمش وتتمدد كلها، والتي تكون غير متوقعة لكنها مألوفة في نهاية المطاف؛ حيث توجد أنت الآن، حيث كنت دوما. كانت الأمور تمضي على هذا النحو معهما ومع الجنس، تسير إلى مكان كذلك، وكانا يفهمان الأشياء نفسها حول الأمر برمته ويثقان أحدهما في الآخر، حتى الآن.
في مرة أخرى على الطريق السريع، رأت بريندا سيارة بيضاء ذات غطاء قابل للطي، سيارة بيضاء قديمة من طراز موستانج غير مكشوفة تقترب - كان ذلك في الصيف - فاختبأت في أرضية السيارة. قالت: «من في تلك السيارة؟ انظر، سريعا، قل لي.»
قال نيل: «فتيات، أربع أو خمس فتيات يبحثن عن شباب.»
قالت بريندا مختبئة مرة أخرى: «ابنتي! من الجيد أنني لم أربط حزام الأمان.» «هل لديك ابنة كبيرة بما يكفي كي تقود سيارة؟ وهل ابنتك تمتلك سيارة ذات غطاء قابل للطي؟» «سيارة صديقتها. لا تقود لورنا بعد، لكنها تستطيع؛ فهي تبلغ من العمر ستة عشر عاما.»
अज्ञात पृष्ठ