सआद ज़घलूल ज़ईम अल-थौरा
سعد زغلول زعيم الثورة
शैलियों
إلا أن الأسباب الصحية لم تكن هي كل الباعث إلى شروع الحكومة البريطانية في إطلاق سعد زغلول؛ ففي مقدمة الأسباب الأخرى اقتناعها بفشل اللورد اللنبي في المقاصد التي كان يرمي إليها باعتقاله وتأييد ثروت وأشياعه؛ فقد ساءت العلاقات بين المصريين والإنجليز أشد ما يتاح لها من سوء، وبلغت من الحرج ما لم تبلغه قط في وقت من الأوقات، وتعاقبت أعمال القمع والقضايا العسكرية من جهة، وحوادث الاعتداء ومظاهرات الاحتجاج من جهة، حتى أصبحت مصر المستقلة المطلوب منها الرضى والاستقرار كأنها ميدان حرب دائمة بين عدوين متناحرين، وليس هذا هو المقصود بسياسة التصريح، ولا يمكن أن يكون مقصودا بسياسة أخرى في بلد من البلدان.
ولما سقط ثروت وأخفق عدلي في تأليف وزارة بعد الوزارة النسيمية، وصار الوزراء والأحزاب يقدمون طلب الإفراج عن سعد وسائر المنفيين والمعتقلين على كل طلب آخر في البرامج الوزارية والحزبية، شعرت الحكومة البريطانية بأن نجاح كل سياسة في مصر مستحيل مع بقاء هذه الحال أو بقاء سعد في منفاه، وشعرت قبلها - أو بإيعاز منها - صحف الأحرار والعمال وبعض صحف المحافظين بخطل السياسة التي سار عليها اللورد اللنبي، فأنحت باللائمة عليه، وأجمعت كلها على وجوب النظر من جديد في عواقب تلك السياسة الخرقاء.
ومن الأسباب التي دعت إلى الإفراج عن سعد تلك القضية التي رفعها وكيل سعد في إنجلترا طالبا الحكم فيها ببطلان أمر اعتقاله؛ لأنه سجن بغير محاكمة ولا تهمه معروفة.
نعم! إن الحكم من المجلس الأعلى قد صدر برفض هذه الدعوى، ولكنه لم يصدر إلا بعد جهد شديد من النائب العام السير دجلاس هوج «اللورد هليشام» لإقناع الأعضاء باجتناب هذه السابقة الخطيرة في معاملة الثائرين على الإمبراطورية، ويغلب على الظن أن أعضاء المحكمة كانوا يفهمون بالإيحاء أن الإفراج حاصل عما قريب، فلا ضرورة لتسجيل المبدأ الخطير من أجل تحصيل الحاصل. وقد نمى إلى بعض المطلعين أن الوزارة البريطانية قررت الإفراج في أول فبراير وإرجاءه إلى أن ينتهي الفصل في القضية، وقد انتهى في التاسع من شهر مارس، وليس معنى ذلك أن القضية لم تفعل فعلها في تقرير الإفراج، بل معناه أن الوزارة اهتمت بها، واهتمت في الوقت نفسه بحسن التخلص منها ومن مثيلاتها؛ لئلا يقال إن الحكم هو الذي أكرهها على اتخاذ ذلك القرار.
وربما كان أهم الأسباب جميعا - إلى جانب سبب الصحة - تلك الحركة التي أحسن توجيهها الدكتور حامد محمود بين فريق كبير من نواب الأحرار والعمال بلغت عدتهم تسعة وتسعين؛ فقد كثر الكلام في الدوائر البرلمانية عن فشل السياسة الإنجليزية المصرية، وعن وصمة العار التي تصم الدولة البريطانية باعتقالها الشيخ العظيم وتعريضه للموت في منفاه، فترددوا على الوزارة سائلين ملحين في وجوب الإفراج، وأجمعوا آخر الأمر على كتابة عريضتهم المشهورة، فقدموها في التاسع والعشرين من شهر مارس وأذيع الأمر بالإفراج بعدها بيومين.
يضاف إلى ذلك أن قانون التضمينات سيصدر، وأن الأحكام العسكرية ستلغى، وأن الانتخابات ستجرى، ولا بد أن تسفر عن انتخاب نواب مجمعين على المطالبة بعودة سعد إلى بلاده؛ لأن خصومه وأصدقاءه كانوا يعلمون علم اليقين أن رضاء الشعب بغير هذه الوسيلة من وراء كل رجاء، ولا معنى لإلغاء الأحكام العسكرية في مصر وإجراء الانتخابات فيها وزعيم النواب المنظورين خاضع للأحكام العسكرية في منفاه.
ولقد كان الرجاء قويا في تحضير الانتخابات على الوجه الذي يهواه اللورد اللنبي أيام ثروت وأشياعه، ولكن أي رجاء هناك في هذه النتيجة بعد سقوط ثروت وإحجام عدلي عن تأليف الوزارة، وصعوبة المضي في هذه السياسة من جميع الأنحاء؟!
فالإفراج عن سعد كان كجميع الحوادث التاريخية متعدد الأسباب غير محصور في سبب واحد، وإنما كانت المسألة مسألة الزمن، أو الانتظار حتى تتفق جميع هذه الأسباب.
غادر سعد جبل طارق بعد خمسة أيام من إعلان الإفراج عنه إلى طولون، ومعه السيدة الجليلة صفية زغلول، وكانت قد وافته في منفاه لما اشتد عناؤه من الوحدة مع انحراف الصحة والحاجة إلى حسن الرعاية.
فتلقاه الطلبة المصريون في عرض البحر بالترحيب والتهليل، ومنهم مندوبون عن زملائهم في جامعات فرنسا وسويسرا حضروا خصوصا لتحيته وتجديد عهده. وخطبوا يذكرون مآثره، وخطب فيهم راجيا أن ينسوه في تلك اللحظة ليفكروا في الذين لا يزالون يرسفون في قيود السجن والاعتقال، ثم قال: «إن مصدر قوتي هو أني لست إلا معبرا عن شعور الأمة وآرائها معربا عن تصميمها على أن تعيش حرة مستقلة.»
अज्ञात पृष्ठ