सआद ज़घलूल ज़ईम अल-थौरा
سعد زغلول زعيم الثورة
शैलियों
1
وعلى الرغم من اعتراف الدول بالحماية فقد بدأت الحكومة البريطانية تشعر بالقلق بعد أن اتجهت أنظار الوفد إلى نشر الدعوة في الولايات المتحدة، وظهرت دلائل الاهتمام بالقضية المصرية بين ذوي النفوذ من الشيوخ الأمريكيين ورجال الصحافة ... حدث هذا دون أن يكون للرئيس ويلسون فضل فيه؛ بل ربما كانت صدمته للوفد في باريس من أسباب اتجاه الوفد إلى الأمة الأمريكية رأسا؛ ليثير في هيئتها الرسمية بهذه الوسيلة بعض العناية التي فاتته من رئيس الجمهورية ومعاونيه في المؤتمر. فإن أقصى ما صادفه الوفد من النجاح عند رئيس الجمهورية الأمريكية أنه تلقى منه ردا على خطاب كتبه سعد يطلب فيه المقابلة مرة أخرى، فإذا هو يعتذر في رده لضيق الوقت ويرجو أن يتسع وقته في المستقبل للمقابلة المطلوبة! وكان الوفد قد فهم أن استثارة «الرأي» في الولايات المتحدة لبحث القضية المصرية أمر مستطاع بعد ما أحسه من أثر الأخبار التي بعث بها المراسلون إلى صحف أمريكا، وزاده أملا في المزيد من الاهتمام أنه كان قد استخدم بعض الأيرلنديات والأمريكيين في أعماله الكتابية، فالتقى هؤلاء بالساسة الأمريكيين الذين حضروا إلى باريس للدفاع عن استقلال أيرلندا، وعرفوا منهم الرغبة في تشديد النكير على الاستعمار البريطاني بذكر المسألة المصرية إلى جانب المسألة الأيرلندية، ومن هؤلاء الساسة مستر «والش» رئيس الوفد، ومستر «ريان» ومستر «دن» مساعداه.
وقد جرى الوفد المصري من قبل على سنة إرسال البيانات والاحتجاجات إلى المجالس النيابية مع إرسالها إلى الوزراء وممثلي الحكومات، فوجدت بياناته واحتجاجاته في مجلس الشيوخ الأمريكي صدى أقوى وأصرح مما وجدته في المجالس النيابية الأوروبية.
ففي جلسة الحادي والعشرين من شهر يونيو اقترح الشيخ «ماسون» الاعتراف بالجمهورية الأيرلندية، فتصدى زميله مستر «بوراه » لفتح باب المسألة المصرية، وقال: «إن مصر تستحق الاستقلال كما تستحقه الأمم الشرقية والأوروبية التي اعترف مؤتمر السلام باستقلالها.» فجددت هذه الحملة رجاء الوفد في تحريك قضيته من جانب الأمة الأمريكية وشيوخها، وأرسل يشكر المستر «بوراه»، ويبلغه أن المصريين ليعتمدون اعتمادا تاما على مساعدة الشعب الأمريكي محب الحرية في تحقيق الآمال القوية لشعب حكم عليه بالاستعباد من غير أن يسمع دفاعه.
وعاد المجلس إلى ذكر مصر بعد أيام، فقام المستر «والش» واتهم الوفد الأمريكي في مؤتمر السلام بخيانة المبدأ الذي غامر الأمريكيون بدخول الحرب من أجله، وقال: إن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى إذا أرادتا أن تدلا على حسن النية، فيحب عليهما أن تتركا جزائر الفليبين لأهل الفليبين وأيرلندا للأيرلنديين. وهنا قام مستر «مكس كورك» وقال: إن مصر أيضا يجب أن تكون لأبنائها، وأيده مستر «بوراه» سائلا: لماذا يعترف مؤتمر الصلح ببولونيا ورومانيا ويغض عن أيرلندا، ولا يصغي إلى كوريا ومصر كما أصغى لغيرها؟! فقال مستر «شرمان»: «إن معاهدة الصلح إنما كتبت لخدمة المطامع البريطانية.»
كانت هذه الأقوال من أشد ما قيل وقعا في نفوس المستعمرين وفي نفوس المصريين على السواء. فأما المستعمرون فقد أوجسوا من عواقبها في الولايات المتحدة وفي مصر نفسها، وأما المصريون فقد شعروا بفضل الدعوة واستبشروا بما وراء ذلك من صدى الحملة في الدوائر السياسية الأمريكية والبريطانية، وتبين الوفد أن الدعوة في تلك البلاد تستحق منه أن يضاعف العناية بها ويتابع إشهارها وترويجها، ويتركها للمصادفة والمناسبات العارضة، فانتهى بوساطة مستر «والش» إلى توكيل مستر «جوزيف فولك» في نشر الدعوة هناك، وكان الاختيار موفقا؛ لأن الرجل ممن سبقت لهم الوكالة في القضايا السياسية الكبرى، وسبقت لهم ولاية المناصب وعلاج المشكلات؛ فهو ذو منزلة مرعية بين النواب والرؤساء، وله علاقة منتظمة برجال الدولة وأصحاب الكلمة المسموعة.
وأوشكت الدعوة الخارجية لمصر أن تنحصر خلال تلك الفترة في الولايات المتحدة، فعن لسعد باشا أن يسافر إليها مع بعض الأعضاء، ثم استقر الرأي على إيفاد محمد محمود باشا في هذه المهمة لمعرفته الإنجليزية، وتردد الوفد هنيهة بين هذه الفكرة وفكرة أخرى كانت ترمي إلى سفر اثنين من الأعضاء إلى البلاد الإنجليزية، يدافعان عن مطالب المصريين ويبسطان ما أصابهم من المظالم إما بالخطب أو بالنشرات إذا أحجمت الصحافة عن إذاعة ما يكتبان، ويفعلان ذلك باسميهما لا باسم الوفد أو باسم رئيسه، ويعولان على الدعوة الشعبية دون الرجوع إلى الهيئات الرسمية، التي أعرضت عن الوفد وتجاهلت شأنه، وكان الوفد يحرص على اجتناب الهيئات الرسمية في إنجلترا حتى تجيء المفاتحة من جانبها بعد أن أقام هو بما يجب عليه من إيذانها بقصده، ويقال: إن رجال الحكومة الإنجليزية وسطوا أناسا من سراة الأجانب المقيمين في مصر لتيسير مقابلة بين سعد ومستر «بلفور» الوزير الفيلسوف الإنجليزي المعروف، فلم تتم هذه المقابلة لرغبة الوفد عنها ما لم تكن الدعوة صريحة من جانب القوم، وتغلبت فكرة السفر إلى الولايات المتحدة على هذه الفكرة.
ولم يستطع محمد محمود باشا أن يصل إلى أمريكا إلا في منتصف أكتوبر بعد مشقة في الحصول على جواز السفر لم تذلل إلا بمساعدة مستر «فولك» وبعض الأصدقاء الأوروبيين.
وقد كان مستر «فولك» أثناء ذلك يوالي الكتابة في الصحف، ويبسط وجهة النظر المصرية بين يدي مجلس الشيوخ ولجانه المنوط بها بحث هذه الأمور، وأهم ما أثمرته جهوده تصريح صرحت فيه لجنة الشئون الخارجية «أن مصر تعد من الوجهة السياسية غير خاضعة لإنجلترا ولا لتركيا، وأنما يجب أن تكون مستقلة وزمامها بيدها»، وخطاب ضاف ألقاه مستر «بوراه» عن مركز مصر السياسي والأطوار التي مر بها قبل الاحتلال وبعده، والفظائع التي أصابت أهلها في أثناء الحرب وبعد الهدنة، على ما سلف من معونتهم للإنجليز خاصة والحلفاء عامة.
فاهتمت المراجع البريطانية بإخفاء ذلك جميعه عن المصريين وتهوين خطره عندهم، ولا سيما تصريح لجنة الشئون الخارجية؛ فإن خبره لم يصل إلى مصر إلا من رسالة برقية أرسلها سعد من باريس إلى لجنة الوفد المركزية في التاسع والعشرين من أغسطس، فكان له فيها ضجيج لم يفرح المصريين بمقدار ما أغضب الإنجليز ، وقد سعت المراجع الإنجليزية سعيها حتى حملت الوكالة الأمريكية بالقاهرة على إذاعة تكذيب مبهم تقول فيه: إن الخبر خطأ. ولم تعقبه بتصحيح من جانبها!
अज्ञात पृष्ठ