أما البهلول فكان ينظر إليهم بعينين مشرقتين فرحا، والدهش آخذ منه مأخذه؛ لأنه كان يعتقد أن اللوحة المعلقة على صدره إنما هي وسام قدمه له الملك عربون بركته ورضاه عن زيارته، وإن ذلك الموكب ما سار إلا احتفاء بحضرته.
وحدث أنه فيما هو راكب والجمع يحشده رأى بينهم بدويا من قبيلته؛ فاختلج قلبه طربا، وهتف به بأعلى صوته قائلا: «بربك يا صاح! أين نحن الآن؟ أليست هذه المدينة التي يسميها شيوخنا مدينة رغائب القلب، وشعبها الأريحيون الفياضون، الذين يحتفون بعابر السبيل في قصورهم، ويرافقه أمراؤهم، ويشرف ملكهم صدره بالنياشين، فاتحا له أبواب مدينته الهابطة من السماء؟»
فلم يقل البدوي الثاني كلمة قط، ولكنه تبسم وهز رأسه .
أما الموكب فاستمر في سيره، وكان وجه البهلول مرتفعا أبدا، والنور يفيض من عينيه.
المحبة
يقولون إن ابن آوى يشرب من الجدول الواحد الذي يشرب منه الأسد، ويقولون إن النسر والشوحة ينقدان الجيفة الواحدة وهما متفقان متسالمان. فيا أيتها المحبة العادلة، ويا من كبحت جماح رغائبي بيدك الفقيرة، وحولت مجاعتي وعطشي إلى إباء وشمم، لا تأذني للقوي العزوم في أن يأكل الخبز، أو يشرب الخمر، اللذين يستهويان ذاتي الضعيفة.
ذريني بالأحرى فأقضي جوعا بل دعي قلبي يتلهب عطشا.
واتركيني أموت وأفنى، قبل أن أمد يدي لقدح لم تملئيه أو كأس لم تباركيها.
الملك الناسك
خبرت أن فتى يعيش في غابة بين الجبال، وأنه كان فيما مضى ملكا على بلاد واسعة الأرجاء في عبر النهرين، وقيل لي أيضا إن هذا الفتى قد تخلى بملء اختياره عن عرشه وعن أرض أمجاده؛ وجاء ليستوطن القفار. فقلت في نفسي: لأسعين إلى ذلك الرجل سعيا، وأقف على ما في قلبه من أسرار؛ لأنه من يتنزل عن الملك فهو بلا شك أعظم من الملك!
अज्ञात पृष्ठ