صنع الله إبراهيم
مقدمة المؤلف
في بداية صيف سنة 1968م سافرت بالباخرة إلى بيروت، وأقمت ثلاثة أشهر في منزل أحد زملائي في وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية (الذي تبينت بعد ذلك أنه كان على علاقة وثيقة بالمخابرات المصرية). وخلال تلك الفترة كنت أتكسب عيشي من ترجمة ملخصات للروايات الأمريكية لدار «النهار»، وأعمل على روايتي الثانية - بعد «تلك الرائحة» - في انتظار وثائق تعييني في القسم العربي بوكالة أنباء ألمانيا الديمقراطية «الشرقية».
أطلقت على الرواية اسم «67» ولم أفكر في محاولة نشرها بمصر لبعدي عنها ولظروف الرقابة وقتها، وشجعني جو السماح السائد في لبنان (رغم سيطرة السفارات الأجنبية على وسائل الإعلام بها) فقدمتها إلى عدة دور للنشر رفضتها جميعا، أتذكر منها الدار التي أنشأها نزار قباني لتقتصر على نشر كتبه، ودار الآداب التي أسسها سهيل إدريس. وكتب لي سهيل إدريس رأيه الرافض بخط دقيق في ورقة صغيرة للغاية - ضاعت مني للأسف خلال أسفاري - برر فيها موقفه بأن بطل روايتي مصاب بهوس الجنس. وكان سهيل قد نشر للتو روايته «الخندق العميق» التي يمكن إلصاق نفس التهمة بها.
انشغلت بعد ذلك عن محاولة نشرها بأسفاري وبالعمل في روايتي التالية «نجمة أغسطس»، التي أتممتها في موسكو مطلع عام 1973م. وعند عودتي إلى مصر في العام التالي كنت قد نسيت أمر رواية «67»، وانشغلت بمشاغل الحياة وبمحاولة كتابة رواية جديدة، كما وجدت أن الأجواء السياسية والاجتماعية السائدة لا تساعد على نشر رواية كتبت في ظروف معينة وبحرية تامة، كما أنها قد تستخدم من قبل القوى اليمينية في حملاتها ضد الناصرية والاشتراكية. وهو وضع استمر طوال السنوات التالية (45 سنة منذ كتابتها)، إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011م.
أسفرت هذه الثورة - رغم فشلها في تحقيق أهدافها - عن نتيجة فورية وهي اتساع مساحة التعبير بشكل غير مسبوق.
وفي مراجعتي لأحد المخابئ التي أستخدمها تحسبا لزيارة مفاجئة من رجال السلطة عثرت على مخطوطة الرواية. كنت قد نسيت أمرها تماما فقرأتها باهتمام، وداعبتني على الفور الرغبة في محاولة نشرها؛ فقد تبينت الدور الذي تمثله كحلقة من حلقات تطوري الإبداعي، وشهادة على فترة حافلة في تاريخ البلاد. ترددت طويلا قبل الإقدام على هذه الخطوة، لكن أصدقائي شجعوني بالإضافة إلى شعوري بقرب النهاية المحتومة لرحلتي.
أبقيت على النص الوارد في المخطوطة كما هو دون تغيير، فيما عدا تصويب الأخطاء اللغوية، وتدبرت القيام ببعض الإيضاحات وأساسا بالنسبة لقضية «المترو». ففي التاريخ الذي جرت فيه أحداث الرواية كان يطلق على الترام الذي يربط أنحاء حي «مصر الجديدة» اسم «المترو»؛ لما تميز به من وجاهة! والآن - في تاريخ النشر - صار هناك «مترو» حقيقي في الحي إلى جوار «الآخر» القديم، فلزم التصحيح منعا للالتباس. لكن الصديق علي الفارسي أقنعني بالإبقاء على المترو القديم والاكتفاء بهذا الإيضاح.
ص. إ.
الفصل الأول
अज्ञात पृष्ठ