रूम
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
शैलियों
وقام بولس بعد هذا برحلتين تبشيريتين الثانية والثالثة، وشملت الثانية (50-52ب.م) غلاطية وفيليبي وثيسالونيكية وأثينة وكورنثوس وإفسس وأنطاكية، وشملت الثالثة (53-58ب.م) إفسس وكورنثوس وبعض جزر الأرخبيل اليوناني وصور وعكة وقيصرية فلسطين فالقدس، وكان بولس يبشر اليهود أولا فالوثنيين، فيلقى صعوبات واحدة لم تتغير: إما مقاومة عنيفة من بعض الأوساط المتمسكة، يهودية كانت أو وثنية، وإما تحريضا من تجار المواشي المعدة للذبح في الهياكل أو من تجار الأصنام، ولكنه كان يتغلب عليها بشجاعته وصبره وإيمانه، وقدر له - في هذه الآونة - أن يكسب عددا من الرجال والنساء الأطهار الذين عملوا معه بكل غيرة ونشاط، فكانوا له شبه أركان حرب يقومون بأهم الخدمات، وبين هؤلاء تيموثاوس ومرقس ولوقا الطبيب وليدية وبريسلة.
وأثيرت قضية الاختتان مرة ثانية فعاد بولس إلى أورشليم في السنة 58 بعد الميلاد، وما إن ظهر في الهيكل حتى ثار ثائر اليهود، فأمسكوا به وجروه إلى خارج الهيكل وحاولوا قتله، ولكن الجنود تدخلوا وساقوه إلى الحبس، واتهمه اليهود بالتشويش والتفرقة بين الصفوف، فأبقاه الحاكم الروماني في السجن سنتين متتاليتين، وألح بولس بأن ترفع قضيته إلى القيصر؛ لأنه يتمتع بحقوق المواطن الروماني، فكان له ذلك وأرسل إلى رومة في السنة 61 بعد الميلاد، فأوقف في بيت بحراسة الجند، وبات ينتظر محاكمته أمام نيرون، ويرجح أنه قضى شهيدا في السنة 64 مع بطرس وغيره من ضحايا نيرون، ويعتقد البعض أنه لم يلق حتفه قبل السنة 66. وجاء في التقليد أنه أطلق سراحه - بادئ ذي بدء - وأنه بشر في إسبانية وآسية قبل أن يقتل في رومة في السنة 66. ولكنه قول ضعيف.
يوحنا
وليس بين الرسل الآخرين من نعلم عنه شيئا بقدر ما نعلم عن يوحنا، فإننا نجده حوالي السنة 67 في إفسس محبوبا محترما، ويبدأ دوميتيانوس اضطهاده فيقاسي يوحنا عذاب الزيت الحامي ويخلص بأعجوبة لينقل إلى جزيرة باتموس محكوما عليه بالأشغال الشاقة فيكتب فيها رؤيا يوحنا، ثم يطلق سراحه في عهد نرفه فينتقل إلى إفسس مبشرا بالمحبة مجددا، مؤسسا، مدونا إنجيله في السنة 90 بعد الميلاد.
مرقص وتوما وغيرهما
ومما حفظه لنا التقليد ودونه القديس يوسيبيوس في تاريخه أن مرقس الإنجيلي أسس كنيسة الإسكندرية ولقي حتفه فيها، وذلك في السنة 62 أو 68 بعد الميلاد، ومما يروى أيضا أن القديس أندراوس أسس كنيسة القسطنطينية، وأن القديس توما بشر في فارس والهند وأسس كنيسة الرها. وعلى الرغم من اجتهاد صديقنا المرحوم إغناطيوس رحماني بطريرك السريان الكاثوليك؛ فإنه لا يمكننا القول معه إن كنيسة الرها أسست في عهد السيد المسيح بناء على طلب ملكها العربي أبجر الخامس الذي اتصل بالسيد طالبا الشفاء من مرض ألم به. ومما جاء في التقليد أيضا أن القديس كوارتوس أحد التلاميذ السبعين أسس كنيسة بيروت.
ولم ترق مباحث أفلاطون كثيرا في عين اليونان ولم تعجبهم حكمة أرسطو، بل صبت عقولهم على نوع من الفلسفة يكسبهم هناء المعيشة وراحة البال، فنادى زينون الصوري بالفضيلة غاية للحياة يستوي لديها الألم واللذة، وعلم أبيقوروس أن الخير الأعظم هو اللذة، سواء أكانت عقلية أم جسدية شرط ألا تخرج عن دائرة الفضيلة. وشاعت قصة أهميروس أن آلهة اليونان كانت في الأصل ملوكا بشرا ألهوا بعد وفاتهم وصدق الناس هذه القصة، ففقدت الآلهة القديمة ما كان لها من الاحترام في عيون المتعبدين، ولم يكن محظورا على أحد أن يصرح بما كان يكنه قلبه نحو الآلهة مهما كان اعتقاده فيها.
وكان السواد الأعظم من الشعب اليوناني غير متعلم، وكان لا بد لهم من آلهة، فمالوا إلى تكريم الآلهة الشرقية، فاجتازت الديانة المسيحية من بلاد إلى بلاد في سهولة ويسر، ولم تتعرض الديانة الرومانية القديمة لمسلك الشخص أو لسيرته الخاصة، ولم تعد العباد بالسعادة المستقبلة. وانشق المجتمع الروماني - كما سبق أن أشرنا - إلى طبقتين متباغضتين: طبقة المتمولين أصحاب الأراضي الفسيحة، وطبقة الأرقاء المستعبدين والفقراء المساكين، وكثر عدد هؤلاء وساءت أحوالهم وثاروا وتمردوا، فجاءهم بولس الخيام الطرسوسي مناديا بتعاليم سيده، معلنا أبوة الله وأخوة البشر، مرددا تعاليم السيد: «تعالوا إلي يا جميع المتعبين.» فكان لكلامه أثر بليغ وفعل عظيم في قلوب الرومانيين التعابى.
الدولة الرومانية والنصرانية
وكانت الدولة الرومانية قد بسطت سلطتها على جميع أنحاء حوض البحر المتوسط وربطت أجزاء إمبراطوريتها بشبكة واسعة من الطرقات وفرضت شرائعها ولغتها، فبلغ بذلك عالم البحر المتوسط درجة من التوحيد لم يبلغها من قبل، وبهذا التوحيد سهلت رومة انتشار الدين الجديد. ولكن كبار الرومانيين لمسوا في تعاليم هذا الدين نفسه خطرا يهدد سلامة الدولة، وتفصيل هذا أن اليونانيين والرومانيين لم يفرقوا بين الوطنية والدين، فالمواطن عندهم كان مواطنا بقدر اشتراكه في التعبد لإله المدينة، وباتساع أفق المدينة السياسي اتسع كذلك أفق دينها.
अज्ञात पृष्ठ