فلم تكتف بهذا الجواب بل تناولت قلما وقرطاسا وكتبت بعض كلمات يسيرة أودعتها ضمن غلاف أرسلته ثانية مع الخادم، فلم يبطئ أن عاد إليها يدعوها إلى حجرة مرغريت التي عندما رأتها حيتها بأرق الألفاظ، معتذرة باستقبالها وهي تلبس ملابسها؛ لأنها عما قليل تتوجه إلى فرساي. - يا سيدة مرغريت هل يسمعنا أحد؟ - لا أحد يسمعنا، تكلمي هل من خبر جديد. - أريد أن أقول لك أمرا سريا والأحرى ... - قولي فإني أعرف كل شيء. - وكيف تعرفين؟ - قلت لك أعرف، وماذا يهمني؟ - نعم، ولكن لا تفهمين غاية مجيئي إلى هنا، إني آتية من قبل ألبير. - لا يعنيني أمره ولا علاقة له بي، وليس له عندي رجاء البتة! - إنه مريض، ولكن في حالة يرثى لها، ويتوسل إليك أن تزوريه في هذه الحالة. - وهل ألبير ذاته أرسلك لإقناعي بهذا؟ - نعم، هو استدعاني وكلمني بهذا الخصوص بكل إلحاح ولجاجة، وهأنذا آتية من عنده الآن.
قالت مرغريت في نفسها: إن المسألة فيها نظر. وتذكرت ما حصل لها من الغيظ والغيرة عندما أخبرت بما قاله الدكتور توري بخصوص ألبير ومدام فارز هذه، وكذلك لما ابتدأت مدام فارز بمكالمتها في ذلك، فلم يكن هذا إلا بقصد طلب رضاها للاقتران بألبير، قالت: كيف يسوغ لهذه المرأة التي هي غريبة عن ألبير بالكلية أن تذهب إلى بيته وتحادثه وتجالسه بل وتمرضه، بينما إني أنا زوجته ومع ذلك لا أتجاسر على ذلك حتى ولا أن أفتكر فيه. وكانت الغيرة في غضون ذلك تعظم في قلبها وتزداد في أفكارها، حتى اضطربت كل أعضائها فأجابت بقساوة: جاوبيه بأن أمره لا يعنيني مهما كانت حالته، ولن أذهب إلى بيته ما حييت. - سأبلغه الكلمات عينها حرفيا، لكن بقي علي أن أقول لك كلمة كنت نسيتها، وهي أنه يستحلفك ويناشدك باسم إيڤون بأن لا تخيبي أمله وهو على فراش الموت. قالت ذلك وخرجت لا تلوي على شيء.
الفصل الثامن والعشرون
ولما وصلت إلى الشارع تنفست الصعداء؛ إذ خال لها أنه سقط عن منكبيها حمل أثقل من الجبال الرواسي، ثم أخذت تفكر في نتيجة هذه المقابلة العقيمة من كل فائدة، وكيف أن مرغريت رفضت الذهاب إلى ألبير مع أنه هو هو زوجها الحقيقي، أما روجر فإنه زوج مجازي لا أكثر. أحبت ألبير بالماضي ولا يزال يعبدها حتى الآن وهي منفصلة عنه، وها هو طريح الفراش، أرسل يتوسل إليها مستحلفا إياها باسم ابنتها بأن تمن عليه بزيارة في مرضه هذا، فأبت بدلا من أن تسرع إليه وتعتني به وتطيب قلبه! لعمري إن العقول لعلى تباين عظيم في هذه الدنيا.
ثم بعد إمعان النظر وتردد الفكر في هذا الاستقبال الذي هو في غاية الفتور، أدركت مدام فارز حق الإدراك أن ذلك ناتج عن غيرة عرت مرغريت، ولا بأس، فإنها معذورة بهذا المعنى لا بغيره.
إن مدام فارز كانت قد اضطرب بالها منذ اجتمعت بألبير أول مرة في العهد الأخير، ولم تكن من قبل إلا قريرة العين ناعمة البال، وبعد تلك المقابلة مال فؤادها إلى ذلك الذي تدمي حالته القلوب، أما في المواجهة الأخيرة فكادت تبكي الدم لا الدمع على حالته التي ترق لها القلوب الصخرية، ثم عزمت أن تبذل ما في وسعها لتخفيف آلامه وتسكين أحزانه.
عندما وصلت إلى بيتها استقبلتها ابنتها بثغر باسم وهي تطوق عنقها بيديها، لاثمة بتواتر وجنتيها، والأم تلتذ بهذه القبلات البنوية الحارة، مصغية بحنو إلى دقات قلب ابنتها. قالت أودت: إنى أستنشق بثيابك رائحة شيء ينعش القلب ويحييه. - نعم، وقد نشقت منه رائحة ذلك العليل الصديق. - وماذا حصل له؟ - عسر تنفس. - وهل من خطر على حياته؟ - لا أظن. نعم إنه ضعيف القلب، ولكن ذلك لا يميت حالا.
فأطرقت أودت برهة، ثم نظرت في وجه أمها، فرأته شاحب اللون. - هل تشعرين بتعب يا أمي؟ - أحس ببعض التعب يا ابنتي. - أرى وجهك ممتقعا ولا قدرة لك على الوقوف، فما هذا الضعف؟ إنك تعتنين بالآخرين ولا تلاحظين صحتك.
قالت هذا وأجلستها على مقعد، واضعة لها وسادة تحت رأسها، وجعلت تنشقها الروائح والمنعشات إلى أن شعرت براحة عظيمة، فنهضت وقالت: أريد ان أغير ملابسي؛ لأننا نتناول العشاء عند مدام بلواي هذا المساء. - أنا لا أعرف ذلك يا أماه. - اذهبي إذن والبسي وتهيئي، واجتهدي لأن تكوني جميلة تستلفتين الأنظار. - وهل تسرين إذا كنت موضوعا لاستلفات الأنظار ؟ - لا شك في هذا. - ستكونين مسرورة، لكن أناشدك بحياتك أن تقولي لي الصحيح عن حاله الأكيد، وهل هو في خطر؟ - ما من خطر عليه، لكن مرضه في فكره، وتعلمين أن صحته نحيفة جدا.
الفصل التاسع والعشرون
अज्ञात पृष्ठ