الفصل الثامن عشر
في يوم الأربعاء المعين وصل ألبير قبل سائر المدعوين، فقالت مدام فارز وهي تصافح يده: أرى وجهك منيرا في هذا اليوم، فالحمد لله على ذلك. - نعم، إن صحتي تحسنت، وتريني مديونا لمعروفك في كل حال، فأشكرك ما حييت. - إنك تسرني جدا بكلامك هذا، تفضل اجلس وبعد قليل تأتي أودت. - إني أخاف عليك من هذا الحب الوافر لابنتك. - ولماذا؟ - وماذا تفعلين فيما بعد حينما تتزوج. - أحبها اليوم وغدا وأعزها في الحالتين، وهي الآن صغيرة ولا تتزوج إلا بعد بضع سنين. - كم سنها؟ - 16 سنة. - وحضرتك كم سنك؟ - قد بلغت الرابعة والثلاثين. - ألم تغيري أفكارك السابقة؟ - لا، بل كل يوم أتمسك بها أكثر.
دخلت إذ ذاك أودت ابنتها بصحبة جدها دسباس، وكانت كأنها تمثال الشبيبة يجللها شعرها.
استقبل دسباس ألبير استقبالا حسنا للغاية.
وكان دسباس هذا قد فقد امرأته منذ سنين طويلة، يقضي أكثر أوقاته في الجولان والتنقل من محل لآخر، قد رغبت مدام فارز أن يسكن أبوها معها بعد وفاة زوجها؛ لأنها وحيدة ولا سند لها غيره، غير أنه لم يقبل طلبها هذا، بل فضل أن يبقى في بيته مطلق الحرية إلى أن يهرمه العمر وتذهب السنون بقواه، فعند ذلك يسكن مع ابنته لأنها تعتني اعتناء تاما بشيخوخته.
وما أتت الساعة السادسة ونصف حتى كمل عدد المدعوين، ومن بينهم بلواي أحد الفلاسفة المدرسين في إحدى مدارس فرنسا الشهيرة، ومعه قرينته التي تناهز الخمسين. أما صاحبة المنزل فإنها استقبلت الجميع بكل هشاشة وبشاشة، وابنتها تحذو حذوها في الملاطفة والمجاملة، وبعد أن عرفت مدام بلواي بألبير صافحت يده قائلة: إني أحب كل أصدقاء مدام فارز.
وهذا صديق حميم قديم جدا جفانا مدة خمس سنوات سافر في خلالها إلى مصر، أنبئ مدام بلواي أيها الصديق بما عندك، وكان من المدعوين الخواجة لسكال أحد المصورين المشهورين، والدكتور توري طبيب الأسرة الخاص، وبعد أن تجاذبوا أطراف الحديث برهة ذهب الجميع إلى المائدة وجلسوا حولها، وأخذت الداعية محلا قرب ألبير لتلاطفه بقدر إمكانها وتنسيه أحزانه. أما المائدة فكانت مزينة بكل أنواع الزينة تحدق بها الأزهار المختلفة الألوان والأشكال، والشموع الملونة، والمنائر الساطعة بالأشعة تخطف الأبصار، وفي وسطها تمثال طفل صغير هو رمز الحب، وحوله الأدوات الفضية من ملاعق وشوك وسكاكين وغيرها، والأنوار تنعكس على الكئوس فتشع كشموس صغيرة.
قال دسباس: أظن أن ألبير لا يحب شرب الماء، وحضرات الأطباء الذين منهم الدكتور توري يبذلون جهدهم في أن يبرهنوا لنا أن شرب الخمر مضر بلا جدال.
قال ألبير: نعم، إذا كان حلوا.
دسباس :
अज्ञात पृष्ठ