أخذ استياء الشعب من حكومة الديركتوار يزيد، ولما جدد انتخاب ثلث المجلس النيابي في شهر مارس سنة 1797 خرج أكثر النواب الجدد من المعارضين لها، فأقلق ذلك المديرين؛ فأبطلوا انتخابات تسع وأربعين مديرية، وطردوا من النواب الجدد بعد نقض انتخابهم 154 نائبا، وحكموا على 53 منهم بالنفي، ومن بين هؤلاء المنفيين أشهر رجال الثورة الفرنسية كبورتاليس وكارنو وترونسون وكودراي.
وحكمت بعض المجالس الحربية - من غير روية - على 160 رجلا بالقتل، ونفت 230 رجلا إلى الكويان فمات نصفهم في وقت قصير، ولم تلبث أن طردت المهاجرين والكهنة الذين عادوا إلى فرنسة، ولم يكتف المديرون بهذا الاستبداد الذي دهش منه المعتدلون، بل أتوا بعده عملا آخر، وهو أنهم لما رأوا زيادة عدد نواب اليعاقبة في الانتخابات الجديدة نقضوا انتخاب ستين عضوا يعقوبيا.
وما تقدم يدلنا على مزاج أعضاء حكومة الديركتوار الاستبدادي، ويظهر هذا المزاج بأجلى من ذلك عند الاطلاع على تفاصيل تدابيرهم:
لم يكن هؤلاء السادة في حبهم سفك الدماء أقل من وحوش دور الهول، وهم، وإن لم ينصبوا المقصلة نصبا مستمرا مثلهم، استبدلوا بها نفيا قل أن يبقى من يكون عرضة له على قيد الحياة، فكان المنفيون يساقون إلى روشفور في أقفاص من حديد معرضين لتقلبات الجو ثم يكدسون في السفن.
ولما اطلع المديرون على النهضة الكاثوليكية، وخيل إليهم أن الكهنة يأتمرون بهم نفوا في سنة واحدة 1448 قسيسا، وقتلوا عددا كبيرا منهم رميا بالرصاص؛ فأحيوا بذلك دور الهول.
وقد أصاب ظلم حكومة الديركتوار فروع الإدارة، ولا سيما المالية، فلما احتاجت هذه الحكومة إلى ستمئة مليون فرنك حملت النواب على الموافقة على ضريبة زائدة لم ترجع عليها إلا باثني عشر مليون فرنك، ثم أعادة الكرة فأمرت بعقد قرض إجباري قدره مئة مليون فرنك، فنشأ عن ذلك إغلاق المصانع ووقف الأشغال وتسريح العمال، ولم تنل من هذا القرض، الذي أثقل كاهل الناس، سوى أربعين مليون فرنك، ثم جعلت المجلس يوافق على قانون الرهائن الذي يأمر باعتبار بعض الرجال في كل كورة مسؤولين عما يقع فيها من الجرائم.
ولا يخفى ما ينشأ عن مثل ذلك النظام من الغيظ والأحقاد، ففي سنة 1799 رفعت أربع عشرة مديرية راية العصيان، واستعدت ست وأربعون مديرية للتمرد، ولو طال عمر حكومة الديركتوار لانفرط عقد المجتمع الفرنسي انفراطا تاما.
وهكذا تدرجت فرنسة إلى الانحلال، فتداعت فيها أركان الإدارة والمالية، وأصبح دخل بيت مالها تافها، وصار ضباطها ودائنوها لا يصلون إلى حقوقهم.
وكان منظر فرنسة، عند السائحين في ذلك الحين، منظر بلاد خربتها الحرب وهجرها سكانها، وكان الجولان فيها متعذرا؛ لكثرة ما انهار من جسورها وأبنيتها، وأصبح اللصوص يقطعون طرقها المقفرة فصار جوب مديرياتها لا يخلو من خطر إلا باشتراء تذاكر السلامة من رؤسائهم، وعم الخراب الصناعة والتجارة أيضا؛ فأغلقت في ليون وحدها أبواب 13000 مصنع من 15000 مصنع، وأضحت ليل وهاڤر وبوردو ومرسيلية مدنا مقفرة، ولم يخل مكان في فرنسة من البؤس والجوع.
ولم يكن فساد الأخلاق في فرنسة أقل من ذلك، فكان حب النفائس والترف والولائم والزينة والرياش سمة المجتمع الفرنسي الجديد المؤلف من الفلاحين وملتزمي الميرة والماليين الذين اغتنوا من النهب والسلب، وخدعت مظاهر الترف في باريس كثيرا من المؤرخين فنسوا أن البؤس والترف سارا في ذلك الدور معا.
अज्ञात पृष्ठ