فقد كان كل إنسان أيام الثورة الفرنسية يلبس المعتقد الجديد ثوبا عقليا مختلفا باختلاف رغائبه، فرأت الأمم فيها إلغاء ما كابدته من سلسلة مراتب واستبداد ديني وظلم سياسي، وظن الكاتب - مثل غوتيه - والفلاسفة - مثل كانت - أنهم اكتشفوا فيها انتصار العقل، وأتى الأجانب - مثل هومبولت - بلاد فرنسة ليستنشقوا فيها نسيم الحرية ويشاهدوا جنازة الظلم والاستبداد.
غير أن هذه الأوهام لم تدم طويلا، فقد انكشف الغطاء بسرعة عن حقيقة تلك الرواية المحزنة. (2) انقضاء العهد السابق، اجتماع مجلس النواب
تتكون الثورات في عالم الفكر قبل أن تنشب، والثورة الفرنسية التي أعدتها الأسباب المذكورة آنفا بدأت تظهر في أيام لويس السادس عشر حين كان أبناء الطبقة الوسطى يكثرون من طلب الإصلاح.
واطلع لويس السادس عشر على ما في الإصلاح من فوائد، ولكنه عجز، لضعفه، عن إلزام الأشراف والإكيروس بالإصلاح، كما أنه عجز عن تأييد وزرائه المصلحين كمالزرب وتورغو.
أوجبت المجاعات شقاء الناس وزيادة الضرائب فدعي الأعيان؛ ليعالجوا الأزمة المالية فرفضوا المساواة في الضرائب، ولم يسلموا إلا بإصلاح زهيد لم يرض پرلمان باريس أن يسجله فانفض، وشاطرته پرلمانات الولايات رأيه فانفضت أيضا، هنالك استصرخت هذه الپرلمانات الرأي العام على مطالبة الحكومة بدعوة مجلس النواب الذي لم يجتمع منذ قرنين.
وافقت الحكومة الرأي العام على ذلك، فانتخب الناخبون، وعددهم خمسة ملايين، منهم 100000 ناخب من الإكليروس و150000 ناخب من الأشراف، 1200 نائب، ومن هؤلاء النواب 587 كانوا يمثلون الطبقة الثالثة، ومنهم 300 كانوا يمثلون الإكليروس.
وقد بدت اختلافات روحية بين أولئك النواب منذ الاجتماعات الأولى، فلما ستر نواب الأشراف والإكليروس - في الاجتماع الأول - رؤوسهم أمام الملك على حسب امتيازاتهم وأراد نواب الطبقة الثالثة تقليدهم احتج أولئك على هؤلاء، ولما دعا نواب الطبقة الثالثة نواب الأشراف والإكليروس المجتمعين في ردهتين بعيدتين إلى اجتماع مشترك لكي يفحصوا وثائق النيابة رفض الأشراف ذلك، فعندئذ اعتبر نواب الطبقة الثالثة أنفسهم ممثلين ل 95 في المئة من مجموع الأمة بناء على اقتراح الشماس سيابس، وهكذا لاحت بوادر الفتنة. (3) المجلس التأسيسي
أخذ مجلس النواب يقول ويفعل قول الآمر الناهي وفعله منذ البداءة، ثم ادعى أن وضع الضرائب من خصائصه، فاعتدى بذلك على حقوق الملك.
وقد كانت مقاومة لويس السادس عشر ضعيفة، فاكتفى بإغلاق ردهة مجلس النواب، فاجتمع النواب في ردهة (جودوپوم ) حيث أقسموا أنهم لا يتفرقون قبل أن يسنوا دستورا للمملكة، ثم انضم إليهم أكثر نواب الإكليروس، وقد نقض الملك قرار المجلس فأمر النواب بالانصراف، وعندما دعا رئيس الحجاب المركيز (دو دروبريزي) النواب إلى العمل بأمر الملك صرح رئيس المجلس «بأن الأمة وهي مجتمعة لا تتلقى أمرا من أحد»، وخاطب ميرابو رسول الملك قائلا: «إن المجلس الذي اجتمع بأمر الأمة لا تفضه إلا قوة الحراب» حينئذ أذعن الملك، وفي اليوم التاسع من يونيه سمى النواب مجلسهم المجلس التأسيسي، وهكذا اعترف الملك بسلطة جديدة كانت مجهولة في الماضي، أي بسلطة الأمة التي يمثلها نوابها، فطويت بذلك صحيفة الملكية المطلقة.
ولما أحس لويس السادس عشر أنه في خطر دائم أقام في أطراف فرساي كتائب من مرتزقة الأجانب، فطلب إليه المجلس أن يسرحها، فامتنع وعزل نيكر، وأقام في مكانه المرشال دوبروغلي المشتهر بحزمه، وعند ذلك قام كاميل ديمولان وغيره من الخطباء يعظون الجماعة ويدعونها إلى الدفاع عن الحرية، ثم قرعوا النواقيس تهييجا للناس، وجندوا 12000 جندي، واستولوا على مستودع البندقيات والمدافع، وساقوا عصابات مسلحة في 14 من يوليه إلى الباستيل فسلم هذا الحصن بعد دفاع استمر بضع ساعات.
अज्ञात पृष्ठ