أخرجى أيتها النَّفس الطّيبَة إِلَى رضوَان الله وجنته فقد أعد الله لَك من الْكَرَامَة مَا هُوَ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَلَا يزالون يُبَشِّرُونَهُ ويحفون بِهِ فهم ألطف وأرأف من الوالدة بِوَلَدِهَا ثمَّ يسلون روحه من تَحت كل ظفر ومفصل وَيَمُوت الأول فَالْأول ويهون عَلَيْهِ وكنتم تَرَوْنَهُ عديدا حَتَّى تبلغ ذقنه قَالَ فلهى أَشد كَرَاهِيَة لِلْخُرُوجِ من الْجَسَد من الْوَلَد حِين يخرج من الرَّحِم فيبتدرها كل ملك مِنْهُم أَيهمْ يقبضهَا فيتولى قبضهَا ملك الْمَوْت ثمَّ تَلا رَسُول ﴿قل يتوفاكم ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم ثمَّ إِلَى ربكُم ترجعون﴾ فيتلقاها بأكفان بيض ثمَّ يحتضنها إِلَيْهِ فَهُوَ أَشد لُزُوما لَهَا من الْمَرْأَة إِذا ولدتها ثمَّ يفوح مِنْهَا ريح أطيب من الْمسك فيستنشقون رِيحهَا ويتباشرون بهَا وَيَقُولُونَ مرْحَبًا بِالروحِ الطّيبَة وَالروح الطّيب اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ روحا وعَلى جَسَد خرجت مِنْهُ قَالَ فيصعدون بهَا وَللَّه ﷿ خلق فِي الْهَوَاء لَا يعلم عددتهم إِلَّا هُوَ فيفوح لَهُم مِنْهَا ريح أطيب من الْمسك فيصلون عَلَيْهَا ويتباشرون وَيفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء فيصلى عَلَيْهَا كل ملك فِي كل سَمَاء تمر بهم حَتَّى ينتهى بهَا بَين يدى الْملك الْجَبَّار فَيَقُول الْجَبَّار ﷻ مرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة ويجسد خرجت مِنْهُ وَإِذا قَالَ الرب ﷿ للشَّيْء مرْحَبًا وَحب لَهُ كل شَيْء وَيذْهب عَنهُ كل ضيق ثمَّ يَقُول لهَذِهِ النَّفس الطّيبَة أدخلوها الْجنَّة وأروها مقعدها من الْجنَّة وأعرضوا عَلَيْهَا مَا أَعدَدْت لَهَا من الْكَرَامَة وَالنَّعِيم ثمَّ اذْهَبُوا بهَا إِلَى الأَرْض فإنى قضيت أَنى مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لهى أَشد كَرَاهِيَة لِلْخُرُوجِ مِنْهَا حِين كَانَت تخرج من الْجَسَد وَتقول أَيْن تذهبون بى إِلَى ذَلِك الْجَسَد الَّذِي كنت فِيهِ قَالَ فَيَقُولُونَ إِنَّا مأمورون بِهَذَا فَلَا بُد لَك مِنْهُ فيهبطون بِهِ على قدر فراغهم من غسله وأكفانه فَيدْخلُونَ ذَلِك الرّوح بَين جسده وأكفانه
فَدلَّ هَذَا الحَدِيث أَن الرّوح تُعَاد بَين الْجَسَد والأكفان وَهَذَا عود غير التَّعَلُّق الَّذِي كَانَ لَهَا فِي الدُّنْيَا بِالْبدنِ وَهُوَ نوع آخر وَغير تعلقهَا بِهِ حَال النّوم وَغير تعلقهَا بِهِ وهى فِي مقرها بل هُوَ عود خَاص للمساءلة
قَالَ شيخ الْإِسْلَام الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المتواترة تدل على عود الرّوح إِلَى الْبدن وَقت السُّؤَال وسؤال الْبدن بِلَا روح قَول قَالَه طَائِفَة من النَّاس وَأنْكرهُ الْجُمْهُور وقابلهم آخَرُونَ فَقَالُوا السُّؤَال للروح بِلَا بدن وَهَذَا قَالَه ابْن مرّة وَابْن حزم وَكِلَاهُمَا غلط وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ترده وَلَو كَانَ ذَلِك على الرّوح فَقَط لم يكن للقبر بِالروحِ اخْتِصَاص
1 / 50