महात्मा गांधी की महान आत्मा
روح عظيم المهاتما غاندي
शैलियों
ولم يتعلم في المدرسة كثيرا من الدروس الدينية، ولكنه كان يتلقاها في البيت والمعبد ويعي منها كل ما يلقى إليه.
ومات أبوه وهو في السابعة عشرة من عمره، فكفله أخوه الأكبر، وكان أيضا أخا جديرا بقديس ... فإنه توسم النجابة في أخيه الصغير فنسي أثرته ورشح هذا الأخ الصغير للقيام على رئاسة الأسرة، والترقي إلى مركز في الوزارات الإقليمية كمركز أبيه، ولا يهيئه لهذا المركز في عصره إلا تعليم كتعليم الجامعات في الهند والأقطار الأجنبية، فأشار على كبراء الأسرة بإعداد موهانداس لهذا التعليم.
وكان أمامه جامعتان: إحداهما جامعة بافنجار والأخرى جامعة بومباي، وهي أكبر نفقة مما يطيق، فاختار كلية ساملداس في الجامعة الأولى. وقال: إنه غرق في علومها فنقل إلى بيته بعد نهاية السنة الأولى، فنصحه برهمي صديق للأسرة بالسفر إلى البلاد الإنجليزية لدرس القانون، ومال هو إلى الطب ... فذكره أخوه أن أباهما كان يمقت تشريح الجثث، وأن وظيفة الطبيب لا ترشحه لولاية الوزارة، فجنح إلى الدراسة القانونية إكراما لذكرى أبيه.
وهنا قامت في وجهه العقبة الكبرى؛ لأن إيغال فتى مثله فيما وراء البحار مستنكر في شريعة الجينيين، ولم يكن في الهند كلها سيدة أشد تحرجا من مخالفة عقيدتها من السيدة «بوتلباي» والدة غاندي، فضلا عن تحرج أهله وسائر أقربائه.
إلا أن غاندي الذي شب في صباه وديعا مطواعا قد شب كذلك قوي العزيمة لا ينثني عن رأي عقد النية عليه، فلم تنفع حيلة من حيل آله في إقناعه، واستطاع كاهن الأسرة أن يجد للأمر مخرجا يرضي الأم ويرضي فتاها، فقال لهم: إن النذر باجتناب المحرمات في بلاد الغربة كاف إذا وثقت الأسرة من رعاية الفتى لنذره. وكانت الأم تعرف وليدها وتطمئن إلى صدقه في وعده، فأقسم بين أيديهم لا يقاربن امرأة ولا يذوقن خمرا ولا يأكلن لحما أو طعاما محرما ... ومع هذا لم يسلم الفتى من غضب المتشددين من كهان عشيرته، فاستدعاه رئيسهم في بومباي وهو يهم بركوب الباخرة إلى البلاد الإنجليزية، ونبهه إلى الخطر على عقيدته من معاشرة الأوروبيين في بيوتهم؛ لأنهم يشربون الخمر ويأكلون اللحوم، ولا يتورعون عن مقاربة النساء. فلم يحفل غاندي بتنبيهه، وأصر على السفر في حينه، فأعلن الكاهن عقوقه وحظر على أبناء العشيرة أن يذهبوا لتوديعه.
ويمتحن مهاتما المستقبل في هذه الرحلة بالفتنة الكبرى.
فالنزعة المادية طاغية، والإباحة الخلقية فاشية، وفلسفة العصر في أواخر القرن التاسع عشر - بين الجيل الجديد خاصة - أن اللهو حق له بل فريضة عليه. وقد أوشك غاندي أن يطلب هذا الحق ويدين بهذه الفريضة، فتدرب على الرقص وتعلم العزف على بعض الآلات الموسيقية، وصحب رفاقه إلى السهرات وراض نفسه على أدب المغازلة، ثم أحس أنه يتكلف ولا يخف بطبعه إلى استجابة هذه الفتنة. وشاءت المصادفة أن تقترن فلسفة العصر بفلسفة أخرى في البيئات التي تعنيه، وتستحوذ على هواه إذ كانت نهاية القرن التاسع عشر أيضا فترة الاستشراق، والتوفر على دراسة أطوار الشرق القديم والشرق الحديث: فكثر بين علماء الغرب من يدرس اللغة الهندية ومأثورات البرهمية والبوذية، إما استجابة لدواعي الاستعمار، أو استجابة لنوازع الروح وامتعاضا من غواية المادة ولجاجة الإلحاد التي أفسدت على بعض العقول معنى الحياة. وكانت هذه الشواغل القليلة أقرب إلى سليقة غاندي وأقمن منه بالتلبية والإصغاء، فاتصل بالأندية الصوفية، واطلع في اللغة الإنجليزية على آداب قومه التي فاته أن يطلع عليها في اللغة السنسكريتية، وعاد من طريق أوروبة الحديثة إلى تاريخ وطنه القديم.
ونال إجازة الحقوق بعد ثلاث سنوات، فرجع إلى وطنه وهو أطيب ما يكون قلبا بلقاء أمه ووفاء نذره، ولكنه سمع - أول ما سمع - بنعي تلك الأم التي ماتت في غيبته، وكتموا نبأ موتها عنه إشفاقا عليه من صدمته وسوء وقعه في طمأنينة نفسه وانتظام دراسته، فاستفاد يقينه من هذه الصدمة المفاجئة فائدة لم يطلبها ولم تقع في حسابه؛ لأن وفاءه لذكراها قد ضاعف حفاظه على نذرها، واجتمعت الأمومتان: أمومة الجسد، وأمومة الوطن في أمومة واحدة، وهي أمومة العقيدة الروحية.
وزاول غاندي صناعة المحاماة زهاء سنتين في وطنه، فكانت أول تجربة له فيها إخفاقا تاما؛ لأنه حصر عن الكلام، ولم ينجح فيها بعد تكرار التجربة ولا رضي عن عمله في هذه الصناعة؛ لأنه أخذ نفسه بالصدق في قبول دعاواه، وأنف من اقتناص أصحاب القضايا بالحيلة ومعونة السماسرة. فما هو إلا أن دعي إلى أفريقية الجنوبية حتى بادر إلى قبول الدعوة ووصل إلى بريتوريا في سنة 1893، وهو لا يعلم بما يضمره له الغيب في هذه الرحلة المفاجئة فقد كانت مفرق الطريق في حياته وفي حياة بلاده على الإجمال.
سافر غاندي إلى أفريقية الجنوبية بدعوة من بعض الشركات الإسلامية التي كانت تتجر على شواطئ المحيط الهندي من أقصاه إلى أقصاه، ولم يدع للمحاماة، بل لمساعدة المحامين الكبار من الإنجليز؛ لأن المحامي الإنجليزي هو الوكيل القضائي الذي يسمع له صوت في محاكم أفريقية الجنوبية.
अज्ञात पृष्ठ