रूसो: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
روسو: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
ورغم أن النمو الفكري والأخلاقي لإميل يراد منه اندماجه في المجتمع وارتباطه بالناس، فهو يحقق ذلك بطريقة تلقائية عن قصد ومصممة دوما بحيث تكون متوافقة مع ميوله الطبيعية. فهو لا يعيد قط صياغة شخصيته أو يعده لهوية جديدة كجزء من كل أعظم منه شخصيا، على النحو الذي اشترطته رواية روسو للمواطنة والسيادة الشعبية في «العقد الاجتماعي». على العكس من ذلك، فهو يظل مخلصا للفكرة المحورية الواردة في «رسائل أخلاقية» التي خطها روسو عام 1757 لصوفي دوديتو، أخت زوج السيدة دبينيه التي كان مفتونا بها آنذاك، وكان بالنسبة إليها مرشدا روحيا ومعلما فيما يتعلق بمسائل الحب. خط روسو ست «رسائل أخلاقية» وحسب لصوفي، تقوم إلى حد كبير على نموذج البحث الروحي لديكارت في كتابه «مقال عن المنهج». ولو أن روسو كان قد أسهب في هذه الرسائل وأعاد تجميعها، لصارت مكتملة شأنها شأن نص «إميل». وبما أنها موجهة إلى امرأة وبحثها عن السعادة، فهي لا تكاد تمت بصلة للجوانب الإيجابية والسلبية المتعلقة بالهوية المدنية، حيث تشير بدلا من ذلك إلى مجال الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي الذي يركز على الفرد المنفرد. قال روسو في الرسالة السادسة من هذه الرسائل: «لنبدأ بأن نصبح أنفسنا مجددا، بالتركيز وحسب على أنفسنا. لنسع إلى معرفة أنفسنا على طبيعتها كما هي، وفصل أنفسنا عن أي شيء خلافنا؛ وذلك لأن هذا الفهم للنفس البشرية وطبيعة وجود المرء ينير الطريق إلى معرفة البشرية» (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع).
قدر لذلك أيضا أن يكون الخط الإرشادي لتربية إميل، بحسب طبيعته الخاصة، لكنه ليس الفكرة المحورية ل «العقد الاجتماعي». أما بالنسبة إلى خطة روسو للتربية المدنية، فيتعين على القراء الرجوع إلى أعمال أخرى لروسو، خاصة «خطاب عن الاقتصاد السياسي» و«حكومة بولندا» اللذين تأثر فيهما بشدة بمؤلف أفلاطون «الجمهورية». في عمل «إميل» نفسه، أثنى روسو على مؤلف «الجمهورية» باعتباره «أجمل أطروحة كتبت عن التربية» (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية)، ولو أنه أعلن صراحة أن فكرة التربية العامة تراوده، وزعم أن «العبقري النبيل» يجب أن يلام بسبب «الاختلاط المدني» في مؤلفه «الجمهورية» الذي أدى إلى إرباك الجنسين بإشراكهما في أنشطة بدنية واحدة دون أي تمييز، طالبا من النساء أن يلعبن دور الرجال؛ لأنه بعد إقصائهن من ألفة الحياة المنزلية، لم يعد يعرف الدور الذي يجب أن يلعبنه (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). وبالمقارنة ب «إميل»، يعنى «خطاب عن الاقتصاد السياسي» و«حكومة بولندا» أساسا بشئون التربية العامة؛ ومن ثم فهما، على خلاف «إميل»، يحاكيان إلى حد كبير الصورة الموجودة في مؤلف «الجمهورية». في «خطاب عن الاقتصاد السياسي»، تكلم روسو عن فن حث الناس على حب واجباتهم والقوانين، وتعليم المواطنين الصلاح بضرب أمثال لهم خاصة بالفضيلة المدنية والوطنية (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى). وفي هذا العمل، وباسم التربية المدنية التي تفرضها الحكومة، نجد أن تنشئة الشباب على المساواة تعتبر واحدة من أهم مهام الدولة؛ وذلك لأن «المواطنين لا يمكن تشكيلهم بين ليلة وضحاها، ولكي يمسوا رجالا من الضروري تربيتهم وهم أطفال»، بحسب تعليق روسو (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى). في الفصل الرابع من «حكومة بولندا»، وصف روسو عدم حاجة الأطفال منذ لحظة ولادتهم لرؤية أي شيء إلا وطنهم بحيث يختلط اللبن الذي يرضعونه من أمهاتهم بعشق لا ينمحي لبلدهم والذي سيظلون مرتبطين به حتى الموت (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى). تحدث هنا روسو عن التدريبات البدنية التي تمارس على الملأ ومن الجنسين على حد سواء ، مع وجود جوائز للمتميزين تتحدد من خلال هتاف المتفرجين (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى). إن الإشارات المرجعية لأفلاطون في شتى أعمال روسو أكثر من أي إشارات لشخصية أخرى فيما خلا بلوتارك والإنجيل، وفي تلك الأجزاء المكرسة للتربية المدنية، إضافة إلى «رسالة إلى السيد دالمبير عن المسرح»، يتجلى بشدة أثر مؤلف «الجمهورية»؛ أفلاطون على فلسفته.
وهذه الأعمال أيضا، علاوة على «رسائل من الجبل»، هي التي تدلل بوضوح على أثر كتاب «القوانين» لأفلاطون عليه. فعندما لاحظ روسو في الرسالة الثامنة في «رسائل من الجبل» أن الشعب الحر قد يكون لديه قادة لا سادة في طاعته للقوانين الحكيمة (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث)، أو عندما تحدث في «خطاب عن الاقتصاد السياسي» عن العمل القانوني السامي الرائع الذي يدين له البشر فيما يتعلق بالعدالة والحرية (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى)، فقد كان يشير لمفهوم أفلاطون للقانون الذي تأثر به روسو أكثر من أي شيء. وحكم القانون في فلسفته يمثل للمواطنين ما يمثله إلى حد كبير الرب للذين يحبونه، وما تمثله الدولة لرعاياها. إنه وجود مشرف روحاني يرى أن سلطته مفروضة من الخارج وفي الوقت نفسه محسوسة بأعمق ما يكون داخل الروح البشرية. لقد أضاف روسو لهذا المفهوم الأفلاطوني ثم المسيحي لاحقا للمبدأ المقدس الخاص بالالتزام بالنظام الملزم من الداخل، بعد الحرية وعنصرا محوريا من الإرادة، وهو الذي شكل لب نظريته عن الإرادة العامة، واستلهم منه كانط الكثير في فكرته عن الاستقلال الذاتي وفلسفته الأخلاقية ككل. ولكن في «إميل»، الذي يرسم الخطوط العامة للتربية الطبيعية وحسب، تشكل تلك الخصائص المتعلقة بالحياة العامة والمشاركة المدنية جزءا مهما من حجة روسو.
وككثير جدا من أعماله الرئيسية، صيغت «إميل» بقدر كبير كدحض لوجهات نظر بديلة حول الموضوع نفسه. فإذا كان قسم «عقيدة كاهن سافوي» يعمد إلى دحض آراء لوك وهلفتيوس، فإن الحجة الأكثر شمولا للعمل بأكمله عن التربية عامة تتصدى لأفكار هذين الكاتبين؛ فيما يتعلق بهلفتيوس، مرة أخرى كتابه «عن الروح»، وفي حالة لوك كتابه «آراء في التربية» الصادر عام 1693. تعلن الصفحة الأولى من مقدمة كتاب «إميل» عن حداثة الموضوع الذي سيعمد روسو إلى تناوله بعد عمل لوك (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية)، وبعدها يزخر نصه بالإشارات المرجعية والتلميحات لكتاب لوك، وأهمها على الإطلاق تلك الواردة في الكتاب الثاني ومفادها أن «مجادلة الأطفال هي مبدأ لوك الأساسي». إن هذا الأمر، بحسب ما ورد في «آراء في التربية» (آراء في التربية)، يجب أن يكون متناسبا وحسب مع قدرات الأطفال، لكن روسو حكم على فكرة المجادلة مع الأطفال للوك بأسرها بالسخافة؛ حيث إنه ما من شيء أخطر من تشكيل العقول غير الناضجة، ولا سيما من الولادة حتى البلوغ، وما من شيء أكثر غباء من تعريض الأطفال إلى منطق الحوار العقلاني المرهق (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية).
شكل 5-3: صفحة العنوان والصورة صدر عمل روسو «إميل» (1762).
أصر روسو في كل من «إميل» و«إلواز الجديدة» على أن «الطبيعة تريد للأطفال أن يمروا بمرحلة الطفولة قبل أن يمسوا رجالا. فمعرفة الخير والشر، وإدراك علة واجبات البشر ليس من شأن الأطفال» (الأعمال الكاملة، المجلد الثاني؛ الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية؛ جولي أو إلواز الجديدة). لاحظ لوك (آراء في التربية) أن عادة السخاء يمكن غرسها في الأطفال بتنظيم تعاملاتهم لضمان أن التجربة تقنعهم بأن أكثر الناس سخاء هم أفضلهم دوما (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). ولكن في «إميل»، أوضح روسو أنهم يكونون أدرى بذلك من خلال المعرفة المباشرة. وربما بدمج ثلاثة أحداث مختلفة معا حدثت له ما بين عامي 1735 و1742، في كل من شامبري وليون وباريس، عندما عمل معلما لمجموعة من الصغار الجامحين الذين أحالت أفعالهم حياته إلى جحيم، علق روسو أنه تعلم بنفسه وبشكل مؤلم أن الوسيلة الوحيدة لحمل الأطفال على تنفيذ أوامر الكبار هي عدم فرض أو تحريم شيء عليهم، وتفادي تقديم النصح والإرشاد لهم، وتجنب إصابتهم بالملل بدروس عقيمة (الأعمال الكاملة ، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). وهذه نصائح مختلفة نوعا ما مستخلصة من أفكار واعية بجد ومراعية لشعور الآخرين بشكل فيه وعي ذاتي، وهي التي طرحها روسو في اثنتين من مذكراته كتبهما في شبابه لجون بونو دي مابلي، والد أحد تلاميذه البشعين وشقيق كل من المؤرخ مابلي وكوندياك (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع)؛ ولكن في منتصف عمره، وبعد أن هجر أطفاله ولم يعد مثقلا بمثل هذه المسئوليات الكبيرة، أصبح روسو قادرا على الحديث بحرية أكبر. رأى لوك أنه من المنطقي ملء غرفة الطفل بالأشياء التي يمكن استخدامها في تعليمه القراءة بينما يتخيل أنه يلهو ويلعب وحسب، على سبيل المثال بلصق أحرف على النرد (آراء في التربية). للأسف أنه نسي أن رغبة الطفل في التعلم، فور أن يتم إلهامها له، يمكن أن تحل محل اللعب بالنرد، بحسب بيان روسو (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). وأضاف في الكتاب الثاني قائلا: «إنني أبعد ما أكون عن افتراض أن الأطفال يجب ألا يجادلوا أبدا.» على العكس، فهم يمكن أن يجادلوا على نحو مفيد في الأمور التي تكون ذات اهتمام فوري وملموس لهم. ولكن من الخطأ حملهم على المجادلة على غرار رؤية لوك بشأن ما لا يفهمونه أو ما لا يمسهم بأي طريقة، كسعادتهم المستقبلية أو سعادتهم في الكبر أو التقدير الذي سينالونه. بالنسبة إلى العقول غير الناضجة التي تفتقر للتبصر، هذه المخاوف غريبة وغير ذات أهمية ولا تستحق الاهتمام (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية).
لقد كان لوك بالطبع وغيره من التربويين على حق، حين وصف التمارين البدنية لتقوية أجسام الأطفال، التي ينبغي ألا تفسدها الملابس الضيقة والأحزمة والملابس المميزة لطريقة اللبس الفرنسية على وجه الخصوص، والتي تعد مقيدة بشكل غير صحي، لا للأطفال وحسب، بل للرجال الراشدين أيضا. «اعتبر جسمي كله وجها»، كان هذا هو التعليق الجذاب الذي نسبه لوك لفيلسوف سكوثي خرج عاريا في الثلج عندما سأله رجل من أثينا كيف يمكنه أن يعرض أي شيء من جسده غير وجهه للبرودة القارصة (آراء في التربية). ولكن، لم لا يترك لوك إذن أقدام الأطفال تعاني من الأخطار الطبيعية للحرارة العالية (آراء في التربية)؟ اقترح روسو أنه يمكن أن يرد على لوك قائلا: «إذا أردت أن يكون جسم الإنسان كله وجها، فلم تلومني لأنني أريده أن يكون كله أقداما؟» (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). لقد كان «لوك الحكيم»، بعد أن درس الطب، على حق أيضا عندما أوصى بعدم إعطاء الأطفال أدوية إلا فيما ندر (آراء في التربية). لكنه كان ينبغي أن يتوسع في حجته بقدر أكبر، وأن يشير إلى أن الأطباء لا ينبغي استدعاؤهم مطلقا ما لم تكن حياة مريضهم في خطر شديد؛ لأنه حينئذ فقط لا يمكن أن يؤذي هؤلاء الأطباء المحترفون مريضهم بما هو شر من الموت الذي هو مشرف عليه بالفعل (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية).
رغم أن فلسفة لوك التربوية ككل تستحق الإعجاب في بعض تفاصيلها، فقد كانت قائمة على افتراض خطأ، بحسب روسو؛ لأنه تعامل مع الأطفال وكأنهم راشدون غير ناضجين ويعيشون فترة إعداد لرشدهم، مصقلين مهاراتهم ومتعلمين أعمالا من شأنها تأهيلهم لمستقبلهم كنبلاء، ولا سيما مسك الحسابات (آراء في التربية) الذي برع فيه لوك نفسه براعة لا يضارعه فيها أحد من أبرز مفكري الحضارة الغربية. لكن أن يكون المرء نبيلا يعني أن يكون «ألعوبة في يد الرأي العام» متزلفا ومنافقا، بحسب تعليق روسو الذي أضاف في الصفحة الأولى من الكتاب الخامس أنه «لا يحظى بشرف تنشئة رجل نبيل»، وسيتوخى لذلك الحذر لئلا يحاكي لوك في تلك النقطة. وكأنه تقريبا يتنبأ بما سيقوله ماركس في «الأيديولوجية الألمانية» حيث شكا من كون الرجال فقط صيادين أو صيادي أسماك أو رعاة أو نقادا، حاج روسو، على العكس من لوك، أنه لا يريد لتلميذه أن يكون مطرزا أو عامل تذهيب أو موسيقيا أو ممثلا أو كاتبا، ولو أن غايته أساسا تمييز المهن المفيدة والمحفزة أخلاقيا من الفاسدة والمهينة لا الاحتجاج، على غرار ماركس ، على التقسيم القسري للعمل بصفة عامة (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). إن منهج لوك المشوب بالكثير من الخرافات والتحيز والخطأ، بحسب ملاحظة روسو، هو تحقيق الغاية المطلقة من التربية أولا، بداية من تكوين فكرة عن الرب والاطلاع على التاريخ في الإنجيل، وبصفة عامة تدعيم الجانب الروحاني للطبيعة البشرية، وبعدها فقط يمكن الانتقال إلى الجانب المادي (آراء في التربية). ولتكوين فكرة مناسبة عن الروح، يجب أن يتم البدء بالأجساد، ولكن لوك في فلسفته التربوية الموغلة في اللامادية، تمكن وحسب من إرساء أسس المادية (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية).
علاوة على ذلك، كان روسو مقتنعا، فيما يتعلق بموضوع التربية الطبيعية، بأن كتاب «عن الروح» لهلفتيوس شكل أكثر النماذج المعاصرة سوءا لهذه المادية. وفي رسالة خطها لجون-أنطوان كومباريه في سبتمبر 1762 (المراسلات الكاملة، الرسالة رقم 2147)، وفي ملاحظة في أولى رسائله في «رسائل من الجبل» (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث)، زعم روسو أنه كان يعتزم أصلا الهجوم على هذا العمل المشهور، لكنه تخلى عن انتقاداته بعد ذلك كي لا يربط اسمه بمهاجمي الكتاب. وتوحي المخطوطات المتبقية لرواية «إميل» بأن أغلب عدائه لهلفتيوس ربما نبع من إعادة قراءته للنص في خريف وشتاء عام 1759-1760 أكثر مما نشأ من اطلاعه الأول عليه الذي تم قبلها بعام. ولكن، علاوة على الإشارات الضمنية الواضحة بشكل جلي لكتاب «عن الروح» التي تظهر في قسم «عقيدة كاهن سافوي»، هناك اعتراضات صريحة على الفلسفة الحسية لهلفتيوس في مسودة رواية «إميل» التي خطت في أوائل عام 1759، والمعروفة ب «مخطوطة فافر»، والتي لا توجد بالنص النهائي، إضافة إلى العديد من التعليقات الهامشية، التي لها الغرض نفسه، في نسخته لكتاب هلفتيوس الموجودة حاليا بالمكتبة الوطنية في باريس (الأعمال الكاملة، المجلد الرابع؛ إميل، أو عن التربية). وينصب تركيز كل هذه الفقرات على فكرة أن «الحس هو مصدر الحكم» أو اشتقاقاتها، المذكورة في الصفحات الافتتاحية للمقالة الأولى لكتاب «عن الروح»، التي اعتبرها روسو مغلوطة بالكلية في الخلط ما بين الانطباع السلبي والفوري عن الأشياء والإدراك المفسر بفاعلية لعلاقاتها.
في الجزء الخامس من «إلواز الجديدة»، حيث قدم روسو المعالجة الأكمل لموضوع التربية في كتاباته الناضجة بخلاف «إميل»، هاجم روسو كتاب «عن الروح» أيضا لزعمه أن العبقرية ناتجة وحسب عن الظروف، على أساس أن هذا الزعم يفترض أن عقولنا لا تعدو كونها صلصالا طيعا. ومن خلال تبادل للآراء بين سان-برو وجولي، من ناحية، وولمار زوج جولي من ناحية أخرى، وضع روسو المقابلة بين فلسفته التربوية وفلسفة هلفتيوس التربوية، بحسب فهمه لها، في أكثر أشكالها حدة. فقد أصر وولمار، متحيزا إلى حد كبير لهلفتيوس، على أنه في غياب الرذيلة أو الخطأ في الطبيعة، فإن أي تشوه في شخصية الإنسان لا يمكن أن يرجع إلا للتربية غير القويمة، وهي الفكرة التي أرفق روسو لها تعليقا بمخطوطته، شاكا في أن مؤلف كتاب «عن الروح»، لو كان بحث المسألة بعناية، لكان من الممكن حقا أن يفترض أن كل البشر يكونون متماثلين عقليا عند الولادة، ولا يختلفون إلا في تنشئتهم. إذا كانت أوجه الاختلاف بيننا ترجع دوما وبالكلية لأثر التربية، بحسب تأكيد سان-برو، لكان من الضروري وحسب أن نغرس في الأطفال وحسب تلك السمات التي يريد معلموهم لهم أن يتحلوا بها (الأعمال الكاملة، المجلد الثاني؛ جولي أو إلواز الجديدة). ولما اتفق مع زعم جولي بأن الطفولة لها طبائعها ومشاعرها التي لا يجب التعجيل بها قبل الأوان، احتج سان-برو، على خلاف وولمار، بأن كل طفل يولد بشخصية ومواهب تختص به وحده دون غيره. لقد كانت المقولة المأثورة «التربية بمقدورها فعل كل شيء»، التي صارت عام 1773 عنوانا لفصل من فصول كتاب «عن الإنسان» لهلفتيوس المنشور بعد وفاته، والتي أثارت أيضا اعتراضات ديدرو على أسس مختلفة بعض الشيء، غير متفقة بالنسبة إلى روسو مع أي فهم ملائم لطبيعة نمو الإنسان، وذاتيته، وحريته.
अज्ञात पृष्ठ