रूसो: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
روسو: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
كان روسو مقتنعا بأن هوبز تحديدا تجاهل الرأفة أو التعاطف الطبيعي عند البشر؛ لأنه كان لديه انطباع خاطئ عن حبهم لذاتهم. فقد تخيل أنه لكي يحافظ الأفراد على حياتهم، فإنهم كانوا مضطرين إلى مقاومة محاولات الآخرين القضاء عليها؛ ولهذا كان من المستحيل في الحالة الطبيعية لأي إنسان أن يكون متعاطفا وآمنا في الوقت نفسه. لكن بالنسبة إلى روسو، في المقابل، لا يتعارض اهتمام المرء بذاته على النحو الملائم مع اهتمامه برفاهية الآخرين، على العكس من ذلك، فقد اعتقد روسو أن الرغبة التي لا تعرف الرأفة والتعاطف في التمتع بالأمن على حساب أي إنسان آخر تتسبب في نشأة مشاعر الغرور والازدراء التي تحيل الغرباء إلى أعداء. لاحظ روسو أن ماندفيل، الذي تشابهت نظريته عن الطبيعة البشرية في كتابه «قصة النحل» الصادر عام 1714 مع نظرية هوبز، اتفق مع هذا التصور، على عكس هوبز (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). ولم يكن تصوره عن حب الذات يعني اهتمام المرء بذاته على النحو الملائم بل الخيلاء، وهو شعور نسبي ومصطنع يثير في المجتمع لدى الأفراد رغبة في إعلاء ذواتهم على الآخرين، ويعتبر، كما يشير روسو في حاشية أخرى مهمة (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى)، مصدرا «للشعور بالفخر» الذي نسبه هوبز بشكل جوهري وخاطئ للطبيعة البشرية عامة.
وبينما يرعى البشر والحيوان على حد سواء أنفسهم في حالتهم الطبيعية أو غير المتحضرة ويتعاطفون مع الآخرين من بني جنسهم، فإن الأشخاص المنحرفين أخلاقيا وحسب هم الذين يرعون أنفسهم بالنظر إلى الآخرين متمنين أن يكونوا مثلهم أو أفضل منهم. في الحالة الطبيعية الحقة، لم يكن للخيلاء وجود. وكان حب الذات والرأفة اللذان تشاركنا فيهما بقية المخلوقات كافيين لضمان بقائنا. وباستبعاده الخيلاء من تعريفه للطبيعة البشرية في «الخطاب» الثاني، انفصل روسو عن تقليد قائم على التخمين الذي كان سائدا في بدايات الفلسفة الحديثة والمتعلق بالدوافع التي تجعل البشر ينزعون إلى الاجتماع. إن الهيمنة المزعومة للعواطف الأنانية على العقل البشري، من ناحية، وتعرضها لتحكم محمود بطرق تدعم الصالح العام، من ناحية أخرى، كانت فرضية آمن بها أتباع باسكال من بين فلاسفة اللذة الأوغسطينيين، وكذا هيوم وغيره من فلاسفة الأخلاق المحسوبين على حركة التنوير الاسكتلندية، بهدف جعل فكرة «التجارة المسالمة» ممكنة، وبهذا يجعلون في نهاية المطاف السبب وراء ثروة الشعوب هو السعي وراء الرفاهية. وعلى نفس هذا النسق جاء تحول علم اللاهوت في القرن السابع عشر إلى علم النفس الاجتماعي في القرن الثامن عشر لدعم روح الرأسمالية، وخلع مصداقية على المؤسسات التي ترعاها. لكن مثل هذه الحجج كانت، بحسب تفسير روسو، مغلوطة بالمرة بسبب عزوها لفكرة مصطبغة بصبغة اجتماعية بالفعل عن حب الذات لأفراد لم يكن لهم أصلا أن يتأثروا بها. في الجنة كما صورت في «خطاب عن اللامساواة»، لم يعان الإنسان من أي إغراءات من شأنها أن تؤدي إلى سقوطه وصعوده اللاحق.
ومع ذلك، افترض روسو أيضا أن البشر كان لديهم قدرة فريدة على تغيير طبيعتهم. وبينما أن غيره من الأجناس الأخرى من الحيوانات منحها الله بشكل طبيعي الغرائز والقدرات التي تحتاج إليها للبقاء، نجد أن البشر في المقابل أحرار قادرون على الاختيار. وتمييزا لنا عن المخلوقات المنساقة دوما وراء غرائزها، فإننا نتمتع بإرادة حرة، وبالتالي نحظى على الأقل بإمكانية تحمل مسئولية تحديد كيف نعيش حياتنا. لقد رفض هوبز بالفعل هذا التصور العتيق للحرية الذي أحياه روسو بتمييزه بين السلوك القهري والمتعمد. في رأي هوبز، ليست الحيوانات أسيرة شهواتها؛ لأن تلك الشهوات شجعتها على الحركة بدلا من أن تكبحها، ومن ثم كانت السبب الذي يدفع سلوكها، لا الكابح الذي يثبط من عزيمتها. ولقد ظن أيضا أن فكرة حرية الإرادة سخيفة، ما دامت الأجسام وحسب يمكن أن تكون حرة أو مقيدة، أما الإرادة، بما أنها ليست عرضة لأي حركة، فلا يمكن أن تعاني من أي عائق خارجي يمكن أن يعطلها عن الحركة (ليفايثن، الفصل الحادي والعشرون). لكن روسو - المدين في هذه النقطة إلى تقليد الفلسفة الكلاسيكية الذي سعى هوبز للإطاحة به - كان مقتنعا بأن الطبيعة مارست قيدا داخليا على السلوك الحيواني، وأن أسلافنا، لأنهم كانوا قادرين دوما على إشباع دوافعهم الطبيعية بعدة سبل متنوعة؛ لم يكونوا مقيدين بالغرائز التي كانت تدفع وتسيطر على كل المخلوقات الأخرى (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). وكان كل فرد ليس معاقا ذهنيا من جنسنا حرا في الأساس في أن يحكم نفسه.
ظن روسو أنه نظرا لأن البشر في حالتهم الطبيعية كانوا قادرين على تمييز أنفسهم عن غيرهم من الحيوانات، لا لأنهم وهبوا أي خصال خاصة أو مميزة من البداية، فلا بد أن أسلافنا كانت لديهم دوما ميزة تسمو بهم على غيرهم من المخلوقات بكافة أنواعها. افترض بوفندورف أن الضعف البدني للبشر وجبنهم لا بد أنهما جمعا بينهم في الأساس، وهو بذلك يناقض تصور هوبز الخاص بحالة الحرب الفطرية. ورغم ذلك، افترض روسو أن تخمين بوفندورف مغلوط شأنه شأن تخمين هوبز. لم يكن المجتمع البشري ضروريا لتفادي الحرب أو التغلب على الضعف، وإقامة هذا المجتمع لم تكن ممكنة إلا بالإرادة الحرة، والقدرة البشرية - لا الحيوانية - على الاختيار، بحسب زعمه. كانت إقامة المجتمع اختيارية لا ضرورية، حيث نبعت من لاحتمية الطبيعة البشرية، ولم تكن مفروضة على البشر بفعل الطبيعة. ولا بد أن أسلافنا كانوا قادرين على اتخاذ القرار بأنفسهم، حتى في حالتهم الطبيعية، فيما يتعلق بأفضل وسيلة للتعامل مع كل موقف. فكان نظامهم الغذائي المرن يتألف من الفاكهة أو اللحوم، وكان بإمكانهم العدو برفقة الحيوانات البرية، وتسلق الأشجار في الوقت نفسه، وكان بإمكانهم الاختيار بين مواجهة الخطر والفرار منه (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). في «خطاب عن اللامساواة» كتب روسو تعليقا على الهمجي أن «روحية نفسه تتجلى تحديدا في وعيه بهذه الحرية» (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
علاوة على ذلك، لا بد أن الجنس البشري كان دوما مميزا عن غيره من الأجناس بطريقة أخرى وهي أننا وحدنا نتحلى بسمة «الاستعداد للكمال»، وهو اصطلاح قدمه روسو هنا لفلسفة التاريخ وتاريخ الفكر السياسي. في حالته الأصلية، كل إنسان لا بد أنه كان لديه القدرة لا على تغيير خصاله الأساسية وحسب، بل وتحسينها أيضا. وفور تبني عادات لا يمكن أن يشاركه إياها الحيوانات الأخرى، استطاع الإنسان أن يجعل من هذه العادات سمة دائمة من سمات شخصيته، وفي رأي روسو، لأن البشر كانوا قادرين تحديدا على الارتقاء بأنفسهم بشكل تدريجي التماسا للكمال باعتبارهم كائنات أخلاقية لا انطلاقا من كونهم مختلفين وحسب عن غيرهم من الكائنات، فمن الممكن أنهم قد شهدوا «تاريخا» من التغيير. وبعد ألف سنة، ظل كل كائن بخلاف الإنسان يتسم بالغرائز والأنماط الحياتية نفسها التي تحلى بها جيله الأول، بحسب تعبير روسو (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى)، مقترحا بالفعل الأطروحة البيولوجية التي مفادها أن علم تطور السلالات يستعرض وحسب تاريخ التطور الفردي للكائنات. لكن الإنسان، نظرا لامتلاكه ملكة تطوير الذات، قادر على تحسين طبيعته ومحاولة إيصالها للكمال، وبالمثل فهو يتميز عن الحيوانات من حيث امتلاكه للملكة نفسها التي تجعله يتخذ خطوات رجعية تؤدي به إلى إفساد الذات.
بذا انتهى روسو إلى أن خصلتي الحرية والاستعداد للكمال المنقوصتين الداخليتين جعلتا التطور التاريخي للجنس البشري ممكنا. وإذ افترض روسو أنه لا بد أننا بطبيعتنا كنا أكثر «شبها» بالحيوانات مما تصور هوبز وبوفندورف ولوك، فقد زعم أيضا أن الفارق بين الرجل الهمجي والمتحضر أكبر من عدة جوانب من الفارق بين الهمج والحيوانات الأخرى (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى)، وهو الزعم الذي تناوله بإسهاب بطريقة تتعارض مع الأفكار الخاصة بالموضوع نفسه التي قدمها بوفون في مؤلفه الضخم «التاريخ الطبيعي»، الذي بدأ يظهر على الساحة عام 1749. في «خطاب عن اللامساواة» أسهب روسو في الثناء على هذا العمل العلمي والأدبي المبدع؛ حيث استقى منه العديد من الرؤى التي ألهمته أفكارا خاصة بتاريخ الحياة الطبيعية، والهوية التكاثرية والتوارثية للأجناس ككل، وخاصة أنماط التطور في الطبيعة. وما من عمل حظي بمثل هذا الاهتمام العظيم من روسو في خطابه كهذا المؤلف، ولم يعجب روسو بأي من معاصريه كما أعجب ببوفون. وحقيقة الأمر أن «الخطاب» الثاني نظر إليه إلى حد كبير على أنه مجموعة من التخمينات في سياق التاريخ البشري والمدني، على غرار رواية بوفون، في سياق التاريخ الطبيعي، لأصول الأرض ومولد الحيوانات ونموها وتحللها (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
شكل 3-2: بورتريه لبوفون.
ورغم ذلك، اختلف روسو مع بوفون في النقطة التي قد يبدو التاريخ الطبيعي والبشري عندها أنهما يتلاقيان، وقد قام بهذا في المقام الأول بتبنيه منظورا خاصا بقابلية جنسنا للتغير التي رآها ملائمة جدا مع وصف بوفون للمخلوقات الأخرى، والتي أعرض بوفون نفسه عن مدها عند دراسته للبشر. بحسب بوفون، ولا سيما في المجلدات الثاني والثالث والرابع من مؤلفه «التاريخ الطبيعي»، شقت الطبيعة فجوة يتعذر تجاوزها بين عالمي الحيوانات والإنسان، وهو شق نوعي في تسلسل الكائنات أو «سلم الارتقاء الطبيعي» الذي ضمن تفوق البشر على الحيوانات كلها، نظرا لامتلاكنا لعقل أو روح. في عام 1766، قدر لبوفون، سيرا في المقام الأول على نهج إدوارد تايسون، عالم التشريح الإنجليزي في القرن السابع عشر، وضع هذه الأطروحة فيما يتعلق بقردة الشمبانزي التي أسماها هو وتايسون «أورانجوتان» (وهو اصطلاح بلغة الملايو يعني «إنسان الغاب»). وصار هذا الاصطلاح اسما عاما لأغلب القردة العليا، حتى تم تمييز هذين الجنسين الأفريقي والآسيوي، على التوالي، على نحو ملائم في سبعينيات القرن الثامن عشر. وبينما اعتبر تايسون وبوفون أن قردة الأورانجوتان تشبهنا نحن البشر بقدر كبير جسمانيا في شكلها الخارجي، أصرا على أنها يستحيل أن تنتمي للجنس البشري ما دامت تفتقر بشكل واضح إلى القدرات البشرية الخاصة بالتفكير والكلام. لكن روسو، حتى في تأييده أن طبيعة الإنسان روحية بشكل متفرد، عارض أطروحة بوفون وتطبيقها على قردة الأورانجوتان في «الخطاب» الثاني؛ حيث زعم أن تنوع أنواع البشر في شتى أنحاء العالم يوحي بأنه على مدار فترة زمنية طويلة من التطور، ربما شهد جنسنا تحولات أكثر دراماتيكية عن «الجنين الأول» له من تلك التي حدثت بسبب التغيرات المعاصرة للمناخ أو النظام الغذائي (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
وبما أن اللغة لم تكن فطرية لدى البشر بقدر ما كانت قدرة إعمال العقل التي عبرت عنها اللغة، لم يكن بوسعنا، كما فعل تايسون ومن بعده بوفون، الإشارة إلى لغات البشر المتحضرين باعتبارها دليلا على دونية قردة الأورانجوتان عن البشر. إن هذا الخطأ، بحسب تصور روسو له، أشبه إلى حد كبير بالخطأ الذي وقع فيه كل من هوبز وبوفندورف ولوك وكوندياك عندما أشاروا بشكل خاطئ إلى أن السلوك المعقد في المجتمع دليل على الطبيعة البشرية. وزعم روسو أنه سواء أكانت قردة الأورانجوتان بشرا بدائيين أم جنسا آخر أمر لا يتسنى التدليل عليه إلا بالتجربة، الأمر الذي كان يعني، وفقا لتعريف بوفون للأجناس القابلة للحياة، إجراء اختبار خصوبة السلالة، إن وجدت، الناجمة عن المخالطة الجنسية بين رجل أو امرأة مع مثل هذا المخلوق (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). أشار روسو إلى أنه من الواضح أن القردة لم تكن أفرادا في جنسنا، ويرجع ذلك إلى حد كبير لافتقارها للملكة البشرية الخاصة بوجود استعداد لديها للكمال. ولكن روسو، كما أوضح في رده على شارل بونيه المنادي بالمذهب الطبيعي، الذي انتقد هذه النقطة تحديدا لديه، حسب على الأقل أنه من الجائز أن تلك القردة تتمتع بتلك الملكة (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
شكل 3-3: شكل رقم 1 من كتاب إدوارد تايسون المعنون «أورانجوتان، أو هومو سيلفيستريس: أو تشريح شامبنزي قزم» (لندن، 1699).
अज्ञात पृष्ठ