रोकंबोल
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
शैलियों
فلما رأى سريز استوقفها، وبعد السلام سألها عن وجهتها فقالت: إني ذاهبة إلى أم ليون لأخبرها بأننا سنذهب غدا إلى منتزه بلفيل، فهل لك أن تكون معنا؟ - ذلك ما أتوق إليه، لا سيما وأني أجد فرصة مناسبة لتأنيب ليون. - على أي شيء تريد أن تؤنبه؟ - على صداقة عقدها من عهد قريب مع رجل لا يستأهل المودة، ويجب أن يحذر منه. - من هو هذا الرجل؟ - هو رجل صناعته عمل الأقفال يدعى روسينيول، وهو فاسد الأخلاق، قبيح السيرة، بذيء السمعة، وقد ساءني التحام الصداقة بينهما، وبلوغها إلى حد أصبحا فيه لا يفترقان، فرأيت أن من واجباتي أن أردع ليون عن معاشرته، وأن أظهر له ما لم يعلمه من فساد أخلاقه، وبعد ذلك فله الخيار بالميل إليه أو بالبعد عنه. - عجبا! إني لا أعرف هذا الرجل، وأنت تقول إنه من أصدقاء ليون. - نعم، وإن السبب في ذلك هو الصداقة بينهما حديثة العهد، وقلبي يحدثني أنها ستكون سيئة العاقبة، وما استوقفتك إلا لما أرجوه من مشاركتك إياي بنصيحته على تجنب معاشرته وتحذيره منه، فاجتهدي أن تردعيه، وأنا سأبذل مجهودي، ثم ودعها وذهب في شأنه، فواصلت سريز سيرها إلى منزل أم خطيبها، وفي الوقت نفسه كان يسير في الشارع رجل كهل يناهز الخمسين، قصير القامة، نحيل الجسم، مجعد الجبين، فاتر العينين، وكان لابسا ثوبا أزرق، وعلى سترته زر أحمر يشير إلى أنه متقلد وسام جوقة الشرف.
ولم يكن هذا الرجل سوى بيرابو والد هرمين، فإنه كان عائدا إلى منزله ليوافي فرناند الذي كان قد دعاه إلى الطعام - كما تقدم البيان - وقد اتفق أنه تقابل وجها لوجه مع سريز، فلم يكد يراها حتى اختلجت أعضاؤه واضطرب فؤاده، فوقف في البدء ينظر إليها بتدله، وقد اندلع لسانه، وجحظت عيناه، ثم رأى أنها لم تلتفت إليه، ولم تعره جانب الانتباه، فسار في إثرها يقفوها.
ولم يكن ذلك أول ما اتفق لهذا الكهل؛ فإنه كان ينفق أكثر ساعات فراغه متجولا في الشوارع يتعقب الحسان من بنات الهوى، فلم يكن يخيب منه أمل، ولا تضيع له أمنية؛ ليساره وكثرة إنفاقه، مما زاد من جرأته، ولكنه ساء فاله بسريز، ولقي منها ما غير معهوده، وألجمه ما رآه بها من الاحتشام بالتهجم عليها بالحديث، فاندفع يمشي في إثرها بأقدام مضطربة، وقد أعاد جمالها إلى قلبه دم الشباب.
ولم تعلم سريز أنها متبوعة حتى بلغت إلى شارع مقفر ورأته وراءها، فأسرعت في مشيها فاقتدى بها، فهلع قلبها وضاعفت سرعة سيرها حتى وصلت إلى منزل أم خطيبها، فدخلت وقد عاد سكونها، وأقامت عندها مدة طويلة تزيد على الساعتين.
ثم خرجت من عندها، وعندما وصلت إلى الشارع رأته واقفا على الرصيف، وعلى وجهه ملامح السأم من الانتظار، فلم تجد حيلة في الرجوع، ولا بدا من مواصلة السير، فمشت ولم تسر بضع خطوات حتى أدركها واستوقفها وهو يقول: سيدتي ...
فالتفتت إليه سريز وقالت له بلطف: لست يا سيدي من اللواتي تعهدهن، ولم تسبق لي عادة أن أحادث في الشوارع من يتبع خطاي، فخير لك أن تمضي في شأنك.
ثم تركته وهو لا يدري بماذا يجيب، ومضت فجعل يتبعها على مسافة بعيدة بحيث يراها ولا تراه، فلم تزل تسير حتى وصلت إلى منزلها فدخلت مسرعة، والتفتت وراءها فلم تره فاطمأنت، وصعدت السلم وهي تغني.
أما بيرابو فإنه رآها دخلت، ولكنه لم يعلم إذا كان المنزل منزلها، فلبث زمنا طويلا ينتظر إلى أن أعياه الانتظار، فذهب إلى البواب وأعطاه ذهبا كما فعلت باكارا في سؤالها عن فرناند، ثم سأله عن سريز فقال له البواب: اسمح لي يا سيدي أن أقول لك إنك تنفق وقتك ومالك عبثا؛ فإن هذه الفتاة شريفة. - ولكني كثير الأموال. - لا يجديك مالك نفعا، ولو أنفقت منه الملايين؛ لأنها ابنة طاهرة، وفوق ذلك فإنها مخطوبة، ولو كان لك شأن مع أختها لكنت أحادثك بعكس ما تسمع. - من هي أختها؟ - هي ابنة بغي كثيرة الجمال، لها قصر شاهق ومركبات. - وما اسمها؟ - باكارا. - أين منزلها؟ - بشارع مونسي. - حسنا. وتركه وانصرف، وهو مشتت الفكر مضطرب البال، وقد أصيب بذلك الداء العضال الذي ليس له دواء، وهو حب الشيوخ، فأحب سريز حبا ليس فوقه حب، ومضى وهو ينظم في أفكاره الجهنمية طرق غوايتها إلى أن وصل إلى منزله، وهو على ما وصفناه من القلق والاضطراب. (6) بيرابو
فعندما رأته امرأته وابنته صاحتا صيحة انذهال وقلق، وقالت له امرأته: بالله قل ماذا أصابك؟ وماذا اعتراك فإن هيئتك تحمل على الخوف؟
قال بيرابو وهو يرتعش: لست في شيء مما تتوهمين، وليس بي ما يحمل على الرعب. - إذن فما علة هذا الارتعاش؟ - بينما كنت مارا في الشارع، وإذا بمركبة قد جمحت جيادها كادت تصدمني لو لم تحل بيننا المقادير، وقد نجوت والحمد لله من هذا الخطر، فهلم بنا إلى الطعام. ثم قدم ذراعه إلى هرمين، وذهبوا جميعهم إلى المائدة.
अज्ञात पृष्ठ