185

रोकंबोल

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

शैलियों

فابتسمت النورية ابتسام الأبالسة وسألت: من أخبرك يا سيدتي بجميع هذه الأمور؟ - الشفالييه دي فولون. - أيعلم أن ابنة الكونت لم تمت؟ - إنه لا يعلم شيئا من هذه الأسرار ما خلا أن داغوبير الحداد عهد إليه منذ ستة أعوام بتربية هذه الفتاة التي يعشقها ولدي لوسيان.

فأطرقت النورية هنيهة مفكرة، ثم قالت: ألا يمكن لسيدتي أن تستغني عن خدمتي يومين؟ - ماذا تفعلين في خلالهما؟ - أعلم إذا كانت الفتاة هي حقيقة ابنة الكونت دي مازير. - أتذهبين إلى الدير؟ - بل إلى دكان الحداد. - بأية حجة؟ - إن الحجج كثيرة. - ولكن بماذا تستعينين على كشف هذه الخبآت؟ - بتضلعي في فن التنجيم. - ولكنها فنون خرافة، إذا صدقت الظواهر فيها مرة كذبت ألفا.

فابتسمت النورية وقالت: أكذبت فيك مرة يا سيدتي؟ - هو ذاك، وقد يكون صدق ما تنبأت لي عنه من قبيل الاتفاق، وما كنت أحسبك ممن يعتقدون بهذه الترهات. - كيف لا أعتقد بها وقد تركت بما دلتني عليه ولدي.

فدهشت الكونتس وقالت: أنت لك ولد وأنا لا أعلم؟ - نعم، وإنما كتمت عنك أمره؛ إذ لم أجد مجالا لرواية خبره، لا سيما وأني عولت على الابتعاد عنه دهرا طويلا. - لقد أدهشتني بهذا الخبر، فأين ولدته؟ وأين تركته؟ وكيف عولت على الابتعاد عنه؟ - إني ولدته سفاحا فوق قمة في قرية يوجيفال، وعهدت بتربيته إلى امرأة صاحبة حانة تدعى مدام فيبار، أما السبب في ابتعادي عنه فهو اتصالي بك والتصاقي بخدمتك، وهذا التنجيم الذي تعلمته في بلادي منذ الحداثة. - وما كشف لك التنجيم؟ - إني نظرت في يد ولدي بعد ولادته فذعرت لتلك الظواهر، وأيقنت أنه سيكون له في هذا الوجود أعظم شأن، وسيجري فيما يمر به من أدوار الحياة شوطين؛ شوطا يكون فيه رسول جهنم على الأرض، وشوطا يكون فيه من ملائكة الله ولذلك سميته روكامبول. - ما معنى هذا الاسم الغريب؟ - إنه في لغتنا النورية يراد به الملكان، وهما ملاك الخير وملاك الشر، وقد جمع هذان النقيضان بولدي فإنه في بدء أمره ستكون راؤه رعبا، وواوه وزرا، وكافه كفرا، وألفه إثما، وميمه معرة، وباؤه بلية، ولامه لؤما، ثم ينقلب بعد تفاقم شره فتصبح الراء رحمة، والواو ورعا، والكاف كمالا، والألف إحسانا، والميم مبرة، والباء بركة، واللام لواذا، فبينما هو حليف الأبالسة إذا هو من رسل الله؛ ولذلك أردت الابتعاد عنه حذرا من بطشه إلى أن يفرغ من شوطه الأول ويعيش عيش الأبرار فأنضم إليه إذا فسح في الأجل. - أهو الآن في شوطه الأول؟ - إنه يتمرن عليه.

فابتسمت الكونتس وقالت لها: لا جرم أن الحية لا تلد إلا الحية يا تنوان.

فأجابتها أم روكامبول بمثل ابتسامتها وقالت: والطير لا يقع إلا على شكله يا كونتس.

فلم تظهر الكونتس استياء من هذا التلميح لما كان يصل بين المرأتين من الأسرار، وعادت إلى حديثها الأول فقالت: إذن ستذهبين غدا إلى دكان هذا الحداد. - بل أذهب الليلة، فلا أبقي إلى الغد ما أقدر أن أفعله الآن. - ولكن ألا تخافين أن تجتازي الغابة في ظلام الليل؟

فضحكت تنوان ضحك الأبالسة وقالت: إن من لا يخاف الله، فلا يخاف الإنسان. - ولكن المسافة لا تزيد عن ساعتين، فإذا ذهبت الآن فأين تبيتين بقية الليل؟ - ولكني سأذهب بعد ساعتين فأصل عند الفجر. - إذن مري السائق يعد لك المركبة. - بل إني أعدها بنفسي، وسأركب المركبة المعدة لنقل الخضر وأسوقها أنا، فلا أحب أن يعلم أحد أين أسير. - افعلي ما بدا لك، فقد عودتني ألا أعترضك فيما تريدين. - وأنا أرجو ألا تندمي لثقتك بي؛ لأني كما أخلصت لنفسي أخلصت لك.

ثم تركتها وانصرفت إلى الإصطبل، فأعدت العلف للجواد وعادت إلى غرفتها وتأهبت للرحيل.

16

अज्ञात पृष्ठ