إنه كان (١١٤) يسير بنا (١١٥) الأبردين (١١٦) ويخفض (١١٧) بنا في القرب (١١٨)، ويتخذ اللّيل جملا، يعجل الرحيل من المنزل القفر، ويطيل اللّبث في الموضع الخصب، فلم نزل على أحسن حالة نعرفها من ربنا حتى انتهينا إلى إفريقية، فنزلنا بها حيث يسمعون صهيل الخيل ورغاء الإبل وقعقعة السلاح، فأقمنا أياما نجمّ كراعنا ونصلح سلاحنا، ثم دعوناهم إلى الإسلام والدخول فيه، فأبعدوا منه، وسألناهم الجزية عن صغار أو الصلح (١١٩)، فكانت هذه أبعد، وأقامت رسلنا تختلف إليهم ثلاث عشرة ليلة تأتيهم (١٢٠) فلما يئس (١٢١) منهم قام خطيبا، فذكر الله ﷿ وأثنى عليه، ثم ذكر فضل الجهاد. فقاتلناهم أشد قتال، واستشهد الله ﷻ رجالا من المسلمين، فبتنا وباتوا، وللمسلمين دوي كدوي النّحل، وبات المشركون في ملاهيهم وخمورهم. فلمّا أصبحنا زحف بعضنا إلى بعض، فأفرغ الله تعالى علينا صبره، وأنزل علينا نصره، ففتحناها من آخر النهار».
وتمادى على خطبته في مثل هذا المعنى، وكان أول مقام قامه فانتهى ذلك إلى أبيه الزبير، فأقبل مسرعا وهو يقول: «غفر الله لأمير المؤمنين عرض هذا الغلام لهذا المقام بين أظهر الناس وهو حديث السن!» فلما دخل المسجد رآه قائما، فرمى بنفسه في آخر الناس، ثم سأل الله ﷿ تسديده وتثبيته، فلم يزل عبد الله موفقا في خطبته حتى فرغ، فعجب الناس لشأنه، وهنّئ بذلك الزبير، فقال