وسألها الخليفة عبد الملك بن مروان: ما رأى توبة فيك حين هويك؟ قالت: ما رآه الناس فيك حين ولوك.
والشاعرة أم الورد التي سخرت من زوجها وقالت: والله لا يمسكني بضم ولا بتقبيل ولا بشم.
والشاعرة رابعة العدوية، اغتصبوها وهي طفلة في سوق الإماء، هجرت الرجال وأجسادهم، وعاشت مع الشعر وحبها لرمز العدل، والله:
قد هجرت الخلق جمعا أرتجي
منك وصلا فهو أقصى منيتي
تتألق مريم الشاعرة وهي تنشد أبياتها، وأبيات غيرها من الشاعرات، يشرئب عنقها الطويل وهي واقفة خلف الميكروفون، تتألق تحت الأضواء، يضمر لها الرجال والنساء الكراهية والإعجاب، يرمقونها بحسد، عيناها تتجاوزان رءوسهم، ترتفع فوق الأنوثة والذكورة وحدود الأشياء، يقولون عنها مزدوجة الجنس متعددة الهويات، يفتشون في حياتها عن شيء يخدش الحياء، أو فضيحة تمس الكبرياء، يغتابونها من خلف ظهرها، يكيلون الثناء في حضورها، لا تهتم بالمديح أو الهجاء، تستمد قيمتها من نفسها، ولا يعرف رأسها الانحناء. •••
فوق رمال الصحراء في ليلة دافئة، قال رستم للفتاة وهي بين ذراعيه: عاوز أعترف لك بشيء لم أعترف به لنفسي. لم تر في عينيه مثل هذه الدموع، قلبه كان ينوء بإثم ثقيل، في العاشرة من عمره كان راقدا في السرير، إلى جواره خالته، زوجها كان في السجن بتهمة قلب نظام الحكم بالقوة والعنف، لم يحمل زوجها في حياته آلة قتل، كان يحمل القلم ويكتب قصائد شعر، أحد أبياته قال فيه: نحن شعب من العبيد، نسعى وراء لقمة الخبز، في ظل صاحب الجلالة، الجالس فوق العرش مدى الحياة. همست خالته في أذنه، أنت جميل يا رستم، لم تكن أمه موجودة بالبيت، قال أبوه إنها تركته من أجل رجل آخر، وقالت خالته إن العكس هو الصحيح، طلق أبوه أمه بسبب امرأة أخرى، لم يعرف رستم الحقيقة وهو طفل، تحوطه خالته بذراعيها الحانيتين، يبكي فوق صدرها على أمه الغائبة، وهي تبكي فوق صدره على زوجها المحبوس، تمسح دموعه بشفتيها وهي تقبله في خديه، تهبط شفتاها إلى فمه تلثمه وتهمس، أنت جميل يا رستم، ينام فوق صدرها وهي تهدهده، يغمض عينيه متظاهرا بالنوم، مستسلما لذراعيها، مستشعرا لذة تلامس الجسد بالجسد، يدرك على نحو غامض أنها من جنس آخر، ربما هي الأنثى وهو الذكر، ربما تكون اللذة آثمة عقابها النار بعد الموت، لم تكن فكرة الموت تطرأ له وهو طفل، فما بال وجود نار بعد الموت، ينام في حضنها حتى الصباح، تعد له الفطور واللبن الحليب، يشربه وهو مطرق الرأس، لا يقوى على النظر في عينيها، يراها الشيطان الذي أخرج آدم من الجنة، في الليل تبدو له كالملاك الطاهر، تسري الحرارة من جسدها إليه، تهمس في أذنه: أنت جميل والله يحب الجمال ... تقترن اللذة بالجمال بالحب بالله وخالته، ماتت بعد عام واحد من موت زوجها في السجن، ارتدت ملابس الحداد السوداء، بدت له امرأة غريبة لا يعرفها، لم تعد تحوطه بذراعيها في الليل، ولم يعد يشعر باللذة مع امرأة غيرها، يستعيدها بعد موتها عن طريق الخيال، كانت حبه الأول والأخير، انحفرت صورتها في وجدانه، مع صوتها الهامس في أذنه. - وأنت ما ذكريات طفولتك؟ - لم تكن لي طفولة. - أنت محظوظة. - ليه؟ - ليس عندك ذكرى مؤلمة تشوه لذة الحب، والرجل في حياتك إنسان من البشر، لكن المرأة في حياتي مجرد وسيلة لاستعادة لذة قديمة في الطفولة. - غياب الطفولة يعني غياب الجذور، يعني شجرة معلقة في الهواء تذروها الرياح. - أو هووه! أنت من تلميذات سيجموند فرويد! الطفولة ليست كل شيء، أعظم المبدعين في العالم لم تكن لهم طفولة، لم تكن لهم أسرة، لا أب ولا أم ولا شيء، تنشأ الإرادة الإبداعية من الحرمان وليس من الشبع، أنا أعاني من الشبع وفقر الروح.
يدور الحوار بينهما داخل حلقة مفرغة، ينتهي دائما بكلمة غامضة، مثل الروح، تحس به بعيدا عنها، رغم وجوده معها في الفراش، كأنما هو روح بغير جسد، غير قابل للإمساك به، وإن مدت ذراعها وأمسكت به يظل بعيدا عنها، يزيد البعد من شوقها إليه، تتأجج شهوتها لجسده حين لا يكون جسدا، تفكر في هذا التناقض وهي بين ذراعيه، تريد أن تعيش الحب دون أن تفكر، تريد أن ينفصل عقلها عن جسدها من دون جدوى، ربما كانت تنشد امتلاكه من خلال الحب، أو تنشد تحرير نفسها من فكرة الامتلاك، رغم استحالة الشيء، أصبح رستم في حياتها ضرورة لا تستطيع الاستغناء عنه، رغم ضرورة الاستغناء، تضعف إرادتها مع كل قطيعة وابتعاد، تعود إليه أكثر خضوعا وأكثر حبا، وأكثر غضبا منه ومن نفسها، وأكثر كراهية له ولنفسها.
وقالت جمالات: هذا الحب مريض يا عزيزتي، اخلعي هذا الرستم من حياتك، اخلعيه كما تخلعين الحذاء، اجعليه حذاء في قدمك ليجري وراءك، ولا تجعليه تاجا فوق رأسك ليلوي عنقك.
إن جاءها صوته عبر أسلاك التليفون فسوف تتلاشى نصائح جمالات في الفضاء، مثل أوراق الشجر في الخريف تذروها الرياح، ويعود إليها صوت مريم الشاعرة، لحظة الحب في ضوء القمر تساوي ألف عام ... وفي المستشفى النفسي تقول لها كارمن: الحب مثل الحياة لا يعرف إلا الأمل، ولا يكف عن ولادة الحياة من جديد. لم تكن كارمن تطيق كلمة الولادة، تقول: النساء يفكرون في الولادة طول الوقت، أعني ولادة الأطفال، تخاف الواحدة منهن كلمة عاقر كالموت، وأخطر منها كلمة عانس، تجري النساء وراء الرجال ليس بسبب الحب، ولكن من شدة الخوف، ليس له علاج إلا ...
अज्ञात पृष्ठ