تعرفت الفتاة أكثر على حياة جمالات الأخرى منذ شاركتها الشقة، جعلتها تطلع على مفكرتها الخاصة، كانت تمنحها الثقة، تعاملها كابنتها أو أختها الصغرى، تقدم لها النصائح في أمور الحب، بدت لها دائرة معارف في أمور الجنس، تشرح أدق الخفايا في شخصية الرجل، ترسم فوق الورق ما يشبه التشريح العلمي لأعضاء الذكورة والأنوثة، وتحكي تجاربها بدقة بعد أن تنتشي بالنبيذ، تتغنى بعمر الخيام وأبي نواس ورجوع الشيخ إلى صباه.
هي ابنة الشيخ الإمام الجمالي، الداعية الإسلامي الكبير، اشتهر اسمه بعد معاهدة كامب ديفيد الأولى، أصبح نجما في أجهزة الإعلام، امتلك العمارات والعقارات، ثم تغيرت الأحوال بعد أحداث الاغتيالات ومقتل السياح الأجانب، إذ تم القبض عليه بتهمة الشذوذ الجنسي والفساد السياسي، مات في السجن من الكمد، توزعت أملاكه على زوجاته القديمات والجديدات وأبنائه الذكور، لم يعرف عددهم بالضبط ... كانت جمالات ابنته الوحيدة من الزوجة الأولى، تنازلت عن حقوقها خوفا من إخوتها الذكور، ماتت أمها قبل أن تحصل على وظيفتها في الصحافة، لم يكن معها شهادة عليا، أصبح عليها أن تشق طريقها بالسلاح الوحيد الذي تملكه، الأنوثة الفياضة وحجاب الفضيلة.
تحول مكتبها في المجلة إلى مكان للترفيه وقتل الوقت، ترشف القهوة المحوجة بالحبهان، تصنعها هي بنفسها على بابور سبيرتو تخرجه من درج مكتبها السفلي، مع الكنكة وبرطمان البن البرازيلي، وعلبة سجائر كليوباترة. في السنوات الأخيرة ظهرت الشيشة في الركن بجوار المكتبة، تمتلئ غرفتها بالدخان ورائحة البن والبودرة، تتراكم أعقاب السجائر في الطفاية فوق مكتبها، شفتاها مطبوعتان باللون الأحمر فوق كل عقب، لا يكف الزوار عن الدخول والخروج، أصدقاء وصديقات، معجبون وعشاق، وبعض العشيقات من النساء، إن أصبحت وحدها تقرأ الصحف والمجلات، أو تفتح الراديو أو التلفزيون الصغير المعلق على الرف بالجدار، أو تطل من نافذتها العالية على الكوبري وميدان التحرير.
كانت جمالات تكتب عمودا أسبوعيا بعنوان: «يا رب العالمين»، يكتبه لها بهي الدين برعم، يدخل في مفكرتها الخاصة تحت حرف الباء، يرتدي بدلة أنيقة صيف شتاء، بشرته بيضاء لم تلمسها الشمس، قامته قصيرة مربعة، عيناه ضيقتان غائرتان، أنفه طويل مدبب، قدماه صغيرتان داخل حذاء أنيق من الطراز الحديث ذي البوز الطويل المدبب.
يمتلك بهي الدين برعم باب «النقد الأدبي» في الجريدة، ينتفض جسده حين يرن التليفون المحمول في جيبه، ينهض مسرعا إلى الركن البعيد، يده اليسرى مرفوعة فوقه أذنه اليسرى، يهمس كلمات في الجهاز الصغير المختفي في بطن يده، أذنه اليمنى ناحية المكتب حيث تجلس جمالات، عينه اليمنى ترى النظرة الخبيثة في عينيها، وضحكتها تتصاعد في الجو مع دوائر الدخان: بتكلم مين يا بهي يا واد شقي!
لم ترث جمالات الفساد عن أبيها، كانت تحن إلى الفضيلة لو امتلكت الدوافع، تعاني الفتور وغياب الحماس، مع الحنين إلى الشبق واللذة المفقودة، تدور حياتها حول محور واحد، الرجل، مثل النساء المكبوتات، الواقعات في براثن الحب المستحيل، الأسيرات الأبديات داخل قبضة الرجل الحمش، الغيور الفظ، الذي لا يقبل الشريك.
الرجل بالنسبة لها ليس جسدا تشتهيه ليلة أو عددا من الليالي المنتهية، بل هو الكون اللامتناهي، الأكتاف القوية تحت حشو البدلة المتين، الصدور العريضة يطل شعرها الأسود الغزير من فتحة القميص، الانتصابة تحت السروال أسفل البطن، الصوت الخشن يدغدغ الأذن بعبارات الفاحشة المبدعة، الأصابع ذات المفاصل البارزة الزاحفة فوق الجسد، والعيون السود أو الزرق أو الخضر أو العسلية، المليئة بالفجر، بالفضيلة، بالغضب، بالرضا، بالترغيب، بالترهيب.
ما أكثر ما عرفت جمالات من أنواع الرجال، تقول إن ما يجذبها في الرجل هو الإنسان وليس القضيب، لا تفرق بين الرجال على أساس الطبقة أو المهنة أو العائلة، لا تفرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى، عرفت رئيس التحرير كما عرفت سائق سيارته، عرفت الأمير كما عرفت الجرسون في مطعم الفول، ورثت عن أمها وجدتها فنون المخادع والجماع، تعلمت على يد البلانة إعداد الفراش والحمام، دهان الأجساد وتدليك المناطق الحساسة، وأكثر الحركات إثارة وخلاعة، وكيف يهيج الذكر ويضيع عقله، وماذا تقول ومتى، وكيف تخرج الأصوات من فمها وأنفها، بعبارات عامية وسوقية، أو كلمات راقية فصحى. ضاجعت جمالات الرجال من الطبقة العليا والسفلى، وخبراء أجانب، ورؤساء مؤسسات، وأزواج النساء المرموقات في العلم أو الأدب، أو الزوجات المحصنات في البيوت، وشباب الجامعة العاطلين، وتلاميذ الثانوي المتمردين، وعمالا وفلاحين وجنودا من فئات الشعب العامل.
تضحك جمالات وهي تقارن بين طريقة الوزير في الجماع وطريقة الجرسون في المطعم، أراد الوزير المرعوب أمام الرئيس أن يطفئ النور، كان يخاف الضوء ويخجل من جسده العاري، وانكماش عضوه من طول الكبت، ويخشى على محفظته المملوءة بالنقد، بخلاف الجرسون الذي خلع ملابسه في الضوء، ألقى بالفانلة والسروال على الأرض، مطبوع فوقهما الحرف الأول من اسم طويل تظهر حروفه في الضوء، الحرف وراء الحرف، م. ا. ك. د. و. ن. ا. ل. د. تضيء كلها لتصبح «ماكدونالد» ثم تنطفئ وتعم الظلمة.
تقول جمالات: الرجال الساعون إلى الحكم ضعفاء في الفراش، مترددون، غير واثقين في أنفسهم، أما الرجال الفقراء الزاهدون في السلطة فإنهم يتمتعون بقوة وسخونة عارمة، ويبذلون أقصى جهدهم لإمتاع النساء.
अज्ञात पृष्ठ