وزعمت أنه كان يواجه الأسد ولا يحفل به ويكره أن تمر به الضبع.
وقد كانت الشجاعة مسلم له، ولا أعرف معنى دعواك في أمر الضبع وقد روى عنه بعض أصحاب الأخبار أنه سئل عن امرأة تزوجها فقال: وجدتها ضبعًا طرطبة.
أفعنيت هذا الحديث أم تعتقد أنه كان يتطير بالضبع؟ وحاشى لله، قال رسول الله ﷺ: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " وقد جاء في بعض الحديث: " إن تكن الطيرة في شيء، ففي المرأة والدابة والدار " وكانت العقلاء من العرب في الجاهلية تعيب الطيرة وأهلها. وروى أصحاب الأخبار أن " النابغة الذبياني، وزبان بن سيار " خرجا في صفر فلقيتهما جرادة فتطير " النابغة " فرجع، ومضى " زبان " لوجهه فأصاب خيرًا. ولقيه، فقال:
يُلاحِظُ طيْرَه أَبدًا زيادٌ ... لِتُخبرَه، وما فيها خبيرُ
أقامَ كأَن لُقمانُ بنَ عادٍ ... أَشارَ له بِحكمتهِ مُشيرُ
بَلى شيءٌ يُوافِقُ بعضَ شيءٍ أحايينًا وباطِلهُ كثيرُ وقال آخر:
طال الثَّواءُ بمَأْرِبٍ ... ومكثتُ فيها غيرَ رائم
فلئن هلكتُ فُربَّ با ... كِيَةٍ وقاعِدَةٍ وقائمْ
ومُشَقِّقاتٍ للجيوبِ عَ ... ليَّ كالبقَرِ الحوائمْ
مَن مبلغ عمرَو بنَ لأْيٍ ... حيث كان من الأَقاومِ
لا يَمنعَنَّكُ من بقاءِ ال ... خيرِ تَعقادُ التمائم
فلقد غدوتُ وكنتُ لا ... أَغدو على واقٍ وحاتِمْ
فإِذا الأَشائمُ كالأَيا ... مِن والأَيامنُ كالأَشائمْ
وكذاك لا خيرٌ ولا ... شرٌّ على أَحدٍ بدائمْ
قد خُطَّ ذلك في السُّطو ... رِ الأَوَّليَّاتِ القدائمْ
أم تزعم أن " عليًا " ﵁، كان يبغض الضبع لحمقها ولما تحكيه العرب عنها، وقد جاء في الحديث عن " علي " أنه قال: لا أكون كالضبع تشع اللدم ثم يدخل عليها فتصاد ".
ومن أحاديث الأعراب أن الضبع وردت غديرًا فوجدت فيه تودية فجعلت تشرب وتقول: يا حبذا طعم اللبن. فلم يزل ذلك دأبها حتى انشق بطنها من الكظة.
والتودية عويد صغير يشد على خلق الناقة إذا صرت. وبعض الناس يروي في قصيدة " سحيم " هذا البيت:
وما ضَرَّني أَنْ كانت أُمِّي وليدةً ... تَصُرُّ وتَبْرِي لِلِّقَاحِ التواديَا
و" علي " ﵇، كان أفضل من أن يبغض على الحمق، إذ كان غريزة لا يصل إليها الدواء. أم ترى أنه أبغضها لما يقال إنها تفعل بالقتلى إذا خاست جيفهم مما يكنى عنه؟ وعلى ذلك فسروا قول الأول:
فلو ماتَ منهم مَن قَتلنا لأَصبحَتْ ... ضِباعٌ بأَكنافِ الشريفِ عَرائِسا
وذكرت أنه كان لا يستحل أن ينظر إلى ريحان لا يملكه.
وما الذي منعه من ذلك؟ هل ينقص الريحان وهو لزيد، أن ينظر إليه عمرو، أو يدرك صاحبه من عيب؟ ولو صح هذا فيه، لوجب في الشجر المزهر كله وأصناف الأنوار والثمار. ولعلك تريد بهذا القول المبالغة، كما يقول القائل إذا نهاك عن الرجل وأذيته: لاتؤذه ولا تنظرن إليه؛ وإنما ذلك مبالغة في النهي.
ودل كلامك على أنه لو رأى بني إسرائيل يأكلون لحمًا لم ينههم عنه ولو أنه لحم يعقوب.
وبنو إسرائيل لعظم " يعقوب " في نفوسهم يضيفون اسم الله إليه فيقولون: إله إسرائيل كان يفعل كذا، وإله يعقوب يفعل كذا. و" يعقوب " هو إسرائيل، فكيف يقدمون على أكل لحمه وهو عندهم من الشرف بحيث هو؟ و" علي " كان يغضب للمرأة الذمية أن تهتضم، فكيف كان يصبر على أكل لحم - قد حرم أكله - من نبي عند الله كريم؟ وإذا أجزت لهم أن يأكلوا لحم " يعقوب " فما الذي " يمنع إسحاق وإيراهيم " ﵉؟ وقولك إنه كان يأتيه النهر وهو في " يثرب " قاعد في بيته. فهذا، علم خالقك، كذب حنبريت. ما روى أنه كان بيثرب نهر قط.
وهذه أخبار " أيي كرب " مع أهل " المدينة " في سالف الزمن، ليس فيها ذكر نهر إلى اليوم.
غير أن ما قلت له مساغ في وجه من القياس، وهو أن تريد كان: يأتيه ماء النهر، كما قال تعالى: " واسأل القرية " أي أهل القرية؛ وكما قال الراجز:
كأَن قَزًّا تحته وبَزًّا ... أَو فُرُشًا مَحْشُوَّةً إِوَزًّا
أي: ريش إوز.
1 / 44