بصر بها في المنبت وكأنها حظوة نبال، فوقعت الحظوة بها في البال، فجعل يتعهدها على انفراد، ويحمل إليها ريًا في الشعوب ليصل بها إلى المراد. ويخاف أن يصل إليها غيره فتسنح له بشر طيره. وهي في شقب بين جبلين جارة نبع أعيا الثقلين. حتى إذا علم أنها تصلح لما رجاه، عمد لعودها بالكرزن فنجاه. وما برح إليها ينغل، والسفن مرارًا ينفل، حتى نال البغية وثوبه شبارق، وقد خرق كله خارق. فجذل بها يستأنس مناه، وأيقن أنه ظفر بغناه. ومظعها ماء لحائها زمانًا وأشعرها من الندى الساقط أمانًا، ثم أنحى بعد ذلك عليها الطريدة، فجاءت من ذات الأوتاد فريدة. ثم قرن بها مربوعًا فكانت للأجل ينبوعًا، واتخذ لها سهامًا صيغة، تظل يده بها الأنفس مريغة. وحملها بعد وذهب فاتخذ لها بيتًا من صفيح لعله يظفر بغير السفيح. فهو في دجى ليست بالمنجلية، صاحب نفس بالأهوال متخلية، قد دمر وما تدميره؟ إنما ذلك ليحسن عذيره. يخاف أن تجد ريحه قمر واردة، فترجع من الجزع وهي الشاردة. وله في ذلك المنهل جارة، إذا شحط عنها فالشحط تجارة. يسمع لها كشيشًا في الحندس وفحيحًا، ويردد من الخيفة والفرق نحيحًا. بعدًا لها في الأرض من مجاورة؛ يروعه في الظلم زمالها، ولا تحدي للظعن حمالها. تأكل في مشتاها ترابًا، وتهتبل في المصيف آرابًا، تنفخ كدأب الملهوف، إن ذلك لتر من الهوف.
وعنده قيان رمد، وهن لما كره حقًا عمد، يشربن دمه ولا يسقينه، وينفين عنه المهجع ولا يقينه، وكيف يهجع البائس على حذاره؟ أم كيف يئوب إلى أهله باعتذاره؟ حتى إذا الحقب وردن، وسوس فدعا ربه يسأله أن يكشف كربه، ويشبع من الوشيق سلقعًا لا يعرف غير الصيد شبعًا. فرمى والله رزقه، فصادف نضيه فريصًا خرقه. وذعرت الوحش الظامئة فانصرفت عن عين طامية. فكر بين المدرك أجله، والصادر ولم يقض منهله. وربما أحسسن بالقانص فنفرن، خائفات من التلف وما تغمرن.
وهذا القصص قائم به الشاهد من الشعر الأول. ولا ريب أنه يفعل إلى اليوم، إذ كان خلقًا للصعاليك، وما حظره عليهم الإسلام ولا تبعهم فيه ملامٌ. قال " صخر الغي " يصف حمارين:
ولا عِلْجانِ ينتابان رَوضًا ... نضيرًا نبتُه، عُمًّا تؤاما
كلا العلجين أَصعَرُ صَيعَريٌّ ... تخالُ نَسِيلَ مَتنيه الثَّغَاما
فباتا يأْمُلان مياهَ بَدْرٍ ... وخافا رامِيًا عنه فخاما
فَرَاغا ناجِيَين وقام يرمي ... فآبَتْ نَبلهُ قِصَدًا حُطامًا
كأَنهما إِذا علَوا وَجِينًا ... ومقطَعَ حَرَّةٍ بعثا رِجَاما
يُثيرانِ الجنادِلَ كابِياتٍ ... إِذا جارا معًا وإذا استقاما
فباتا يحُييان الليلَ حتى ... أَضاءَ الصبحُ منبلجًا وقاما
فإِمَّا ينجوا من خوفِ أَرضٍ ... فقد لَقيا حُتوفَهما لزاما
وقد لَقِيا مع الإِشراقِ خَيْلًا ... تسوفُ الوحشَ تحسَبُها خياما
بكلِّ مُقلِّصٍ ذكَرٍ عَنُودٍ ... يَبُذُّ يدَ العَشَنَّقِ واللجاما
فشامَتْ في صدورِهما رماحًا ... من الخَطِّيِّ أُشرِبَت السماما
وقال " امرؤ القيس ":
رُبَّ رامٍ من بني ثُعَلٍ ... مُخرِجٍ كفَّيْه من سُتَرِهْ
عارضٍ زوراءَ من نَشَمٍ ... غيرَ باناةٍ على وتَرِه
فأَتتْه الوحشُ واردةً ... فتَمتَّى القَزْعُ في يَسَرِه
فرمَاها في فرائصِها ... من إِزاءِ الحوضِ أَو عُقُرِه
بِرَهيشٍ من كِنانتِه ... كتلظِّى الجمرِ في شَرَرِه
راشه من ريش ناهضةٍ ... ثم أَمهاه على حَجَرِه
فهْو لا تَنمِى رمِيَّتُه ... مالَهُ، لا عُدَّ من نَفَرِه
وقال " الرعي " وذكر صائدًا:
وفي بيتِ الصفيح أَخو عيال ... قليلُ المالِ يغتبقُ السَّمَارا
يَبِيتُ الحَيَّةُ النضناضُ منه ... مكانَ الحِبِّ يستمعُ السِّرارا
فصادَفَ سَهْمُه أَحجارَ قُفٍّ ... كسَرْنَ الفُوقَ منه والغِرارا
1 / 13