रिसाला तदमुरिय्या
التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع
प्रकाशक
المطبعة السلفية،القاهرة
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٣٩٩ هـ
प्रकाशक स्थान
مصر
الذُّلُّ وَالسُّكُوتُ لَا يُنَاسِبُ حَالَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نَاحِيَةِ مَنْ يَدْعُوهُ وَيَسْأَلُهُ بَلْ يُنَاسِبُ حَالَهُ الْإِطْرَاقُ، وَغَضُّ بَصَرِهِ أَمَامَهُ.
وَلَيْسَ نَهْيُ الْمُصَلِّي عَنْ رَفْعِ بَصَرِهِ فِي الصَّلَاةِ رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ جُهَّالِ الْجَهْمِيَّة، فَإِنَّ الْجَهْمِيَّة عِنْدَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَقَعْرِ الْبَحْرِ، فَالْجَمِيعُ سَوَاءٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْهَ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ إلَى جِهَةٍ وَيُؤْمَرُ بِرَدِّهِ إلَى أُخْرَى، لِأَنَّ هَذِهِ وَهَذِهِ عِنْدَ الْجَهْمِيَّة سَوَاءٌ.
أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ النَّهْيُ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ شَامِلًا لِجَمِيعِ أَحْوَالِ الْعَبْدِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء﴾ [البقرة: ١٤٤]، فَلَيْسَ الْعَبْدُ يُنْهَى عَنْ رَفْعِ بَصَرِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا نُهِيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْخُشُوعِ؛ لِأَنَّ خَفْضَ الْبَصَرِ مِنْ تَمَامِ الْخُشُوعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ [القمر: ٧]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥].
أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلَهٌ، لَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَفْعِهِ إلَى السَّمَاءِ وَرَدِّهِ إلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَنْهَى النَّاسَ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، أَوْ يَقْصِدُوا بِقُلُوبِهِمْ التَّوَجُّهَ إلَى الْعُلُوِّ، لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ سَائِر الْأَحْكَامِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا فِي قَوْلِ سَلَفِ الْأُمَّةِ حَرْفٌ وَاحِدٌ يُذْكَرُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ اللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاءِ، أَوْ أَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا محايث لَهُ
1 / 33