रिसाला इला अहल थुघ्र
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
अन्वेषक
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
प्रकाशक
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
संस्करण संख्या
١٤١٣هـ
प्रकाशक स्थान
المملكة العربية السعودية
शैलियों
दर्शनशास्त्र और धर्म
الإجماع الحادي والعشرون
وأجمعوا على أن الإنسان غير غني عن ربه ﷿ في سائر أوقاته، وعلى الرغبة إليه في المعونة على سائر ما أمر به ممتثلين لما أمرهم به في قوله ﷿: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ١ فلم يفرق بين العبادة وبين الاستعانة٢.
الإجماع الثاني والعشرون
وأجمعوا على أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما علم الله ﷿ أنه لا يفعله٣ وقد نص على ذلك تعالى فيما حكاه عن الخضر في قوله لموسى ﵉ لما لم يصبر معه ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ ٤ ولم ينكر موسى قوله، ولا رد عليه ما ذكره٥.
_________
١ سورة الفاتحة آية (٥) .
٢ لم يفرق الله ﷿ بين العبادة والاستعانة، لأن العبادة لا تكون إلا لله، والاستعانة لا تكون إلا بالله، والعبد في جميع أحواله وأوقاته محتاج إلى ربه وعونه ومدده، ولا تقع العبادة من العبد إلا بعون الله له وتوفيقه إياه.
وقد قال ابن جرير في قوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ "وإياك ربنا نستعين على عبادتنا إياك، وطاعتنا لك، وفي أمورنا كلها لا أحد سواك، وساق بسنده إلى ابن عباس أنه قال: "إياك ربنا نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها". (انظر تفسير الطبري ١/١٦٢) .
وقال ابن كثير في الآية: "الأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله ﷿، وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ". (انظر تفسير ابن كثير ١/٤١) .
٣ سبق أن نص الأشعري على أن الله سبق في علمه ما يكون في ملكه وأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ، واستدل هنا بقصة الخضر وموسى على ذلك. (انظر ما سبق ذكره في الإجماع السادس عشر وما بعده) .
٤ سورة الكهف آية: (٧٥) .
والمراد بالصبر المنفي عنه في الآية هو: نفي حقيقة قدرته على الصبر لا نفي أسباب الصبر وآلاته فإنها ثابتة له. (انظر شرح الطحاوية ص٣٨٠) .
٥ الخضر عبد من عباد الله تعالى كان موجودًا في زمن موسى بن عمران، وقد ذكر أبو حيان أنه كان نبيًا، وقال: إن هذا رأي الجمهور. (انظر تفسير البحر المحيط ٦/١٤٧) .
والذي يعنينا هنا في موضوع الخضر أن نناقش ما ذهب إليه المتصوفة من ادعاء أئمتهم معرفة علم الغيب استنادًا إلى ما وقع من الخضر مع موسى، وقصتهما معروفة في القرآن، وكذلك سنتكلم عن حياته وهل هو حي أو مات؟.
والواقع الذي تشهد له النصوص أن الخضر كان على علم علمه الله إياه وهذا العلم جاءه من طريق علام الغيوب سبحانه، ولولا ذلك ما عرف شيئًا، وعليه نقول: إنه لم يشاهد غيبًا، ولم يطلع على اللوح المحفوظ، كما ذهب إليه من يقول بذلك، وقد ذكر الله عن الخضر قوله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ وهذا دليل في غاية الوضوح، كما أن موسى ﵇ كان على علم من ربه لا يعلمه الخضر أيضًا، فكل منهما كان يعلم علمًا من قبل الله ﷿ ليس عند الآخر، وقد قال الخضر نفسه لموسى ﵇ "يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من علمه علمكه لا أعلمه". (الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٢٧ ج٤/١٢٦، وكتاب التفسير ٥/٢٣٠) .
وبهذا يظهر أن الخضر وموسى اشتركا في أن كلًا منهما على علم لا يعلمه الآخر، فما يقال في موسى يقال في الخضر ولا يزاد.
وأما اختلاف الناس في حياته فقد قال به الكثيرون من المتصوفة، والحق أنه مات. قال أبو حيان: "الجمهور على أن الخضر مات، ونقل عن أبي الخضر المرسي أنه قال: أما خضر موسى بن عمران فليس بحي؛ لأنه لو كان حيًا للزمه المجيء إلى النبي ﷺ والإيمان به واتباعه". (انظر البحر المحيط ٦/١٤٧) .
ونقل القاسمي عن ابن تيمية أنه قال في بعض فتاويه: "وكذلك الذين يرون الخضر أحيانا هو جني رأوه، وقد رآه غير واحد ممن أعرفه وقال "انني" وكان ذلك جنيًا لبس على المسلمين الذين رأوه، وإلا فالخضر الذي كان مع موسى ﵇ مات، ولو كان حيًا على عهد رسول الله ﷺ لوجب عليه أن يأتي إلى النبي ﷺ ويؤمن به ويجاهد معه، فإن الله فرض على كل نبي أدرك محمدًا أن يؤمن به ويجاهد معه كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ (انظر محاسن التأويل للقاسمي ١١/٤٠٩٤، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية ١/٢٧، ٢٨) .
وقال ابن حجر: "... وأخرج النقاش أخبارًا كثيرة تدل على بقائه لا تقوم بشيء منها حجة. قاله ابن عطية، قال: ولو كان باقيًا لكان له في ابتداء الإسلام ظهور، ولم يثبت شيئًا من ذلك". ثم ساق ابن حجر الروايات الواردة في بقائه وحكم عليها بالضعف. (انظر فتح الباري ٦/٤٣٤) كما كتب ابن حجر رسالة خاصة في هذا الموضوع بعنوان "الزهر النضر في نبأ الخضر" وختمها بقوله: "وأقوى الأدلة على عدم بقائه عدم مجيئه إلى رسول الله ﷺ، وانفراده بالتعمير من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي". (انظر رسالته هذه ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ٢/٢٣٤) .
ونقل صديق حسن خان أقوال العلماء السابقين في ذلك فقال: "قال النووي: قال الأكثرون: هو حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه بين الصوفية ...
وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث: إنه مات قبل القضاء مائة سنة من الهجرة..
وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: وأما رواية اجتماعه مع النبي ﷺ وتعزيته لأهل البيت، فلا يصح من طرقها شيء...
كما نقل عن أبي الحسين بن المناوي مثل ذلك، وعقب على هذه الأقوال بقوله: "والحق ما ذكرناه عن البخاري وأضرابه في ذلك، ولا حجة في قول أحد كائنًا من كان إلا الله سبحانه ورسوله ﷺ ولم يرد في ذلك نص مقطوع به ولا حديث مرفوع إليه ﷺ حتى يعتمد عليه ويصار إليه، وظاهر الكتاب والسنة نفي الخلد وطول التعمير لأحد من البشر وهما قاضيان على غيرهما، ولا يقضي غيرهما عليهما". (انظر فتح البيان ٥/٤٩٢) .
1 / 146