81
وأن الأنبياء كان يمكن أن يجهلوا، بل وجهلوا بالفعل، تلك الموضوعات النظرية الخالصة التي لا تتعلق بالإحسان وبالحياة العملية. وأخيرا إن آراء الأنبياء كانت متعارضة فيما بينها؛ لذلك، فلا جدوى على الإطلاق من أن نلتمس لديهم معرفة بالأشياء الطبيعية والروحية. والنتيجة التي ننتهي إليها إذن، هي أننا لسنا ملزمين بالإيمان بالأنبياء إلا فيما يتعلق بغاية الوحي وجوهره، أما فيما عدا ذلك فيستطيع كل فرد أن يؤمن بما يشاء بحرية تامة. مثال ذلك أن وحي قابيل لا يعلمنا سوى أن الله قد حذره وطلب منه أن يعيش حياة أفضل، وهذا وحده هو هدف الوحي وجوهره، وليس تعليم حرية الإرادة أو أية نظرية فلسفية. ومع أن حرية الإرادة متضمنة بوضوح تام في هذا التبكيت وفي طريقة التصريح به، فإنه يجوز لنا أن نصدر حكما مخالفا لأن هذه الكلمات وهذه الطريقة في التعبير قد تكيفت حسب فهم قابيل وحده.
82
وكذلك لا يعلمنا وحي ميخا إلا أن الله أوحى إليه بالنهاية الحقيقية لمعركة أخآب ضد آرام، ومن ثم، كان هذا وحده هو ما يجب أن نؤمن به. ولا تهمنا مطلقا أية زيادة على ذلك فيما يتعلق بروح الله الحقيقية أو الباطلة أو جيش السماء الذي يعسكر على جانبي الله، وكذلك باقي ملابسات الوحي؛ وعلى ذلك، فليحكم كل إنسان على هذه الأمور بما يتفق مع عقله. وفيما يتعلق بالحجج التي يبرهن بها الله لأيوب على أن كل شيء واقع تحت قدرته - لو كان هذا الوحي قد بلغ إلى أيوب حقيقة وكان كاتبه قد أراد أن يروي قصة دون أن يعبر عن أفكاره بالصور
83 (كما يعتقد البعض) - ينبغي أن نقول ما يأتي: إن هذه الحجج قد وضعت على مستوى فهم أيوب لإقناعه هو وليست حججا عامة لإقناع جميع الناس. ونقول الشيء نفسه عن الأسباب التي لجأ إليها المسيح لإقناع الفريسيين بعصيانهم وبجهلهم، ولدعوة تلاميذه للحياة الحقة، فقد كيف أسبابه طبقا لآراء كل فرد ومبادئه. فعندما يقول مثلا للفريسيين (انظر: متى، 22: 26): «فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على نفسه، فكيف تثبت مملكته؟» لم يكن يريد إلا إقناعهم بمبادئهم الخاصة، ولم يكن هدفه هو أن يعرفهم أن هناك شياطين ومملكة للشياطين. كذلك عندما يقول لتلامذته (متى، 18: 10): «واحذروا أن تحتقروا أحد هؤلاء الصغار فإني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات ... إلخ.» كان كل ما أراد أن يقوله هو أنه لا ينبغي أن يكونوا مغرورين أو أن يحتقروا أحدا، ولم يكن هدفه هو أن يعلمهم شيئا مما يتضمنه أسلوبه الذي اتبعه ليحسن إقناع تلامذته. وهذا بعينه هو ما ينبغي أن يقال بشأن أساليب الحواريين والآيات التي استعملوها، وهو موضوع لا نجد فائدة هنا من إطالة الحديث فيه؛ ذلك لأنني سأحيد عن الإيجاز الذي أحاول أن ألتزم به إذا كان علي أن أحصي جميع نصوص الكتاب التي كتبت لإنسان واحد؛ أي التي تكيفت حسب فهم شخص معين وبالتالي لا يمكنني تقديمها على أنها تعاليم إلهية
84
دون أن يكون في ذلك خسارة كبيرة للفلسفة. يكفي إذن عرضي لبعض النقاط القليلة ذات الأهمية العامة، ويمكن للقارئ الفاحص أن يختبر بقية النصوص بنفسه. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن هذه الملاحظات التي ذكرناها من قبل في موضوع الأنبياء والنبوة هي وحدها التي تؤدي مباشرة إلى الغاية التي أرمي إليها، وهي التمييز بين الفلسفة واللاهوت، فإني، نظرا إلى انسياقي إلى الحديث عن هذا الموضوع بوجه عام، أرى من المفيد أن أبحث أيضا فيما إذا كانت هبة النبوة خاصة بالعبرانيين وحدهم أو أنها عامة لكل الأمم، ثم أبحث بعد ذلك فيما يجب أن نعتقده بشأن رسالة العبرانيين، وهذا هو موضوع الفصل القادم.
الفصل الثالث
رسالة العبرانيين وهل كانت هبة النبوة وقفا
عليهم؟
अज्ञात पृष्ठ