180

रिसाला फी लाहुत वा सियासा

رسالة في اللاهوت والسياسة

शैलियों

وعلى العكس من ذلك، أعتقد أن بولس لم يكتب الاستنتاجات الطويلة والحجج الموجودة في «الرسالة إلى أهل رومية» بفضل وحي يعلو على الطبيعة. وهكذا، فإن طرق حديث الحواريين وأسلوبهم في المناقشة - كما هو واضح في الرسائل - يدل بوضوح تام على أن هذه الكتابات لم تصدر عن وحي وبتفويض إلهي، بل هي مجرد أحكام شخصية وطبيعية لمؤلفيها، ولا تتضمن إلا نصائح أخوية مقترنة بتعبيرات مجاملة مهذبة (وهذا مناقض تماما للطريقة التي يعبر بها النبي عن سلطته) كما هي الحال في ذلك الاعتذار الذي يقدمه بولس (رسالة إلى أهل رومية، 15: 15): «لقد اجترأت قليلا فيما قلت لكم أيها الأخوة.» ونستطيع أن ننتهي إلى الاستنتاج نفسه إذا عرفنا أننا لا نجد في أي موضع ما يدل على أن الحواريين قد تلقوا أمرا بالكتابة، بل تلقوا فقط أمرا بالتبشير في كل مكان يذهبون إليه، وبتأييد أقوالهم بالآيات؛ إذ كان حضورهم ضروريا، وكذلك ما يقومون به من آيات لهداية الناس إلى الدين ولتثبيتهم عليه، كما يصرح بذلك بولس نفسه في «الرسالة إلى أهل رومية» (1: 11): «لأني أتشوق أن أراكم لأفيدكم شيئا من المواهب الروحية لتأييدكم.» ومع ذلك، قد يعترض معترض بأن بإمكاننا أن نستنتج بالطريقة نفسها أن تبشير الحواريين نفسه ليست له صفة النبوة، فعندما كانوا يرحلون للتبشير هنا وهناك، لم يقوموا بذلك بتفويض خاص، كما كانت الحال عند الأنبياء، فنحن نقرأ في العهد القديم أن يونس ذهب إلى نينوى للتبشير، ونقرأ في الوقت نفسه أنه بعث إليهم صراحة، وأوحي إليه بما كان عليه أن يبشر به. كذلك يروى لنا بالتفصيل عن موسى أنه رحل إلى مصر بوصفه رسولا لله، كما يروى لنا ما كان يتعين عليه أن يقوله للإسرائيليين والملك فرعون، وما هي الآيات التي يمكنه بها إقناعهم. كذلك تلقى أشعيا وإرميا وحزقيال أمرا صريحا بالتبشير للإسرائيليين. وأخيرا، لم يبشر الأنبياء بشيء إلا بما تلقوه من الله كما يشهد بذلك الكتاب، وذلك بخلاف الحواريين الذين كانوا يذهبون هنا وهناك للتبشير، دون أن نرى في العهد القديم أنهم قد تلقوا شيئا مشابها أو على الأقل لا نرى ذلك إلا نادرا للغاية. بل إننا نجد على العكس؛ إذ تشير بعض النصوص صراحة إلى أنهم اختاروا بأنفسهم وبمحض إرادتهم الأماكن التي بشروا فيها كما هو واضح في المناقشة التي وصلت إلى النزاع بين بولس وبرنابا (انظر: أعمال الرسل، 15: 37، 38 ... إلخ).

8

ونرى أيضا أنهم قد حاولوا الذهاب إلى مكان وأخفقوا في ذلك، كما يشهد بذلك بولس نفسه (رسالة إلى أهل رومية، 1: 13): «... كثيرا ما قصدت أن آتيكم فمنعت إلى الآن.» وفي الإصحاح 15 الآية 22: «وكذلك منعت مرارا كثيرة من القدوم إليكم.» وفي الإصحاح الأخير من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثة، الآية 12: «أما بولس الأخ فأخبركم أني سألته كثيرا أن يأتيكم مع الإخوة فلم يرد أن يأتي الآن البتة لكنه سيأتي إذا تيسر له الوقت ... إلخ.» من هذه اللغة، ومن المناقشة التي دارت بين الحواريين، ومن عدم وجود نصوص تشهد بأنهم كانوا يرحلون للتبشير بتفويض من الله، كما كان يفعل الأنبياء؛ من هذا كله نستنتج أن الحواريين قد قاموا بالتبشير بوصفهم معلمين لا بوصفهم أنبياء. ومع ذلك، فإن حل المشكلة ميسور لو فحصنا الرسالة المختلفة التي اضطلع بها كل من الحواريين وأنبياء العهد القديم، فهؤلاء الأخيرون لم يدعوا للتبشير وللتنبؤ كل الأمم، بل بعض الأمم بعينها؛ لذلك كان لا بد لكل نبي من تفويض صريح خاص به. وعلى العكس دعا الحواريون للتبشير للجميع على السواء، ولهداية الناس جميعا إلى الدين (الجديد). وحيثما تولوا كانوا ينفذون تفويض المسيح، ولم يكونوا في حاجة إلى أن توحى لهم موضوعات التبشير قبل أن يرحلوا وهم تلامذة المسيح الذين قال لهم المعلم: «فإذا أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بماذا تتكلمون فإنكم ستعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به» (انظر: متى، 10: 19-20). نستطيع أن نستنتج أن الحواريين عرفوا بوحي خاص ما بشروا به جهرا وأيدوه في الوقت نفسه بالآيات (انظر ما بيناه في الفصل الثاني). أما ما اكتفوا بالدعوة إليه، دون تأييده بآيات، ودون كتابة أو جهر به، فقد كتبوه أو قالوه لأنهم كانوا يعرفونه

9 (معرفة طبيعية)، انظر في هذا الموضوع الرسالة الأولى إلى أهل كورنثة (14: 6).

10

ولا داعي هنا إلى التوقف عند الملاحظة القائلة: إن كل الرسائل تبدأ بذكر الحواري من حيث هو حواري، فقد أعطي الحواريون المقدرة على التنبؤ، وكذلك السلطة المطلوبة بالتبشير، كما سأبين ذلك الآن. وبهذا المعنى نقول: إنهم كتبوا رسائلهم بوصفهم حواريين؛ ولهذا السبب ذاته ذكر كل منهم في أول رسالته صفته كحواري. ومن الجائز أنهم أرادوا أن يجتذبوا ذهن القارئ ويسترعوا انتباهه بطريقة أيسر، فأرادوا أن يشهدوا على أنهم هؤلاء الذين يعرفهم جميع المؤمنين بتبشيرهم، وهم الذين أثبتوا بشواهد واضحة أنهم يبشرون بالدين الصحيح وبطريق الخلاص. والواقع أن كل ما قالوه في رسائلهم عن الرسالة التي يضطلع بها الحواريون، أو عن الروح القدس الإلهية التي كانت فيهم، يرتبط - فيما أعلم - بتبشيرهم، باستثناء الفقرات التي استخدم فيها التعبير: «روح الله» أو «الروح القدس» بمعنى الفكر الصائب المستقيم المستوحى من الله ... إلخ (وقد شرحنا ذلك في الفصل الأول). يقول بولس مثلا في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثة (7: 40): «غير أنها تكون أكثر غبطة إن بقيت على ما هي عليه بحسب مشورتي وأظن أني أنا أيضا في روح الله.» فهو يقصد في هذا النص بروح الله فكره الخاص، كما يفيد السياق، فهو يريد أن يقول: إني أحكم على الأرملة التي لا تريد أن تتزوج من جديد بأنها سعيدة طبقا لرأيي الخاص، أنا الذي قررت أن أعيش عزبا وأعتقد أني سعيد بذلك. وهناك نصوص أخرى كثيرة تفيد المعنى نفسه لا داعي لذكرها. ولكن لما كان علينا أن نسلم بأن رسائل الحواريين قد كتبت بوحي من النور الطبيعي وحده، فعلينا الآن أن نرى كيف استطاع الحواريون بالمعرفة الطبيعية وحدها أن يبشروا بما لا يدخل في نطاقها. على أننا إذا أخذنا في اعتبارنا النظرية التي عرضناها في الفصل السابق من هذه الرسالة (عن تفسير الكتاب) اختفت كل الصعوبات، فمع أن مضمون التوراة يتعدى دائما حدود فهمنا إلا أننا نستطيع أن نعمل على توضيحه ونحن مطمئنون، بشرط ألا نسلم بمبادئ سوى تلك التي نستخلصها من الكتاب نفسه، وبالطريقة نفسها كان الحواريون يستطيعون أن يستخلصوا نتائج عديدة مما رأوه وسمعوه وعرفوه بالوحي، وأن يبلغوه للناس إذا شاءوا.

11

وفضلا عن ذلك، فمع أن الدين كما بشر به الحواريون - أي مجرد رواية سيرة المسيح - لا ينتمي إلى مجال العقل، فإن كلا منهم قادر بالنور الفطري على إدراك جوهر الدين الذي يتألف أساسا، كما تتألف عقيدة المسيح كلها،

12 ⋆

من تعاليم خلقية. وأخيرا، لم يكن الحواريون في حاجة إلى نور يعلو على الطبيعة ليكيفوا الدين - بعد أن أثبتوا صدقه من قبل بالآيات - حسب فهم الناس حتى يسهل على كل نفس قبوله، كما لم يكونوا في حاجة إليه لتبكيت الناس. وقد كان هذا وذاك هما غاية الرسائل؛ أعني أنها كانت ترمي إلى دعوة الناس وتحذيرهم بالطريقة التي يراها كل حواري أصلح ليثبتهم على الدين. ويجب أن نتذكر هنا ما قلناه من قبل، من أن الحواريين لم تكن لديهم فحسب القدرة على التبشير بسيرة المسيح بوصفهم أنبياء أي بتأييدها بالآيات، بل كانت لديهم أيضا السلطة المطلوبة للدعوة والتحذير بالطريقة التي يراها كل حواري أصلح له.

अज्ञात पृष्ठ