धर्मों के प्रसार की विधि पर एक निबंध
رسالة في بيان كيفية انتشار الأديان
शैलियों
إلا أن الديانة النصرانية لم تعم وتنتشر في المملكة الرومانية إلا في عهد الإمبراطور ثيودوروس، الذي قام في أواخر الربع الرابع من القرن الرابع للمسيح ونهج في نصرة دين النصرانية منهجا لم يسبقه إليه أحد ولا سمع بمثله في تاريخ الأديان، حيث أصدر أوامره إلى جميع الممالك الرومانية - وهي إذ ذاك إفريقيا وغالبا «فرنسا» وبريطانيا وإيطاليا والبلاد الواقعة بين إيطاليا والبحر الأسود والأرخبيل وتركيا ومصر والولايات الآسيوية إلى حدود الفرس - بإجبار كل من لم يتدين بالدين المسيحي على التدين به، وذبح من يمتنع عن ذلك، وتخريب المعابد والهياكل غير المسيحية، حتى كانت تساق الناس إلى الذبح سوق الغنم في جميع الممالك الرومانية، وفي جملتها مصر التي أصابها النصيب الأوفر من هذه النكبة النكباء يومئذ،
14
فكان في جملة ما احترق وهدم من الهياكل هيكل الإسكندرية،
15
الذي احترقت معه وقتئذ مكتبة الإسكندرية الشهيرة،
16
التي نسب حرقها أبو الفرج الملطي وغيره من مؤرخي المسيحيين إلى الفاتح الذائع الصيت عمرو بن العاص افتراء وبهتانا، ونقل عنه ذلك بعض مؤرخي العرب عن غير روية ولا تحقيق، ومنذ ذلك الحين تم قيام الدين المسيحي، فانتشر في كل المملكة الرومانية، وما زال بعد ذلك مؤيدا بالسيف بسبب الانشقاق والافتراق، معضدا بقوة السلطان التي استمرت أجيالا عديدة في أيدي أرباب الكهنوت، وهكذا إلى عهد غير بعيد عهد الحرية الحديثة الذي ابتدأ سنة 1789 مسيحية عقيب الثورة الفرنساوية الشهيرة، ولو أردنا تعداد الملوك الذين جردوا في غضون ذلك سيف القوة في سبيل تأييد النصرانية تارة والمذاهب المنشقة عنها أخرى لخرج بنا الكلام عن الموضوع الجوهري الذي نحن بصدده الآن.
مع أنه كان ينبغي للدين المسيحي في قرونه الثلاثة الأولى التي ذكرنا كيفية بطء انتشاره فيها أن يعم في أطراف المعمور، بالنظر لحاجة الشعوب يومئذ إلى الشرائع الإلهية، وظهور الرومان في مظهر الترقي المدني الذي يأبى صاحبه الإذعان لسفاسف العبادات الوثنية، خصوصا وأن المبشرين بالدين النصراني كانوا منبثين في الأرض يجاهدون بالنفس والمال توصلا لهذه الغاية كل الجهاد، ولعل اختلاف «الرسل» الذي أدى إلى الانشقاق واختلاف التأويل إذ ذاك، هو كان المانع من تغلب الشريعة العيسوية على الشرائع الفاسدة الوثنية، والله بذلك أعلم.
وبالإجمال فإن الدين المسيحي تأيد وامتد بقوة السيف، ومن قال بأنه قام بالتبشير فإنما يريد تمويه الحقيقة لا لداع موجب؛ إذ من العبث أن يقال إن شريعة يستمر أهلها أجيالا ثلاثة تحت طائلة الاضطهاد والتنكيل، ثم يظهرون ظهورا واحدا ويتغلبون على مئات الملايين من المقاومين دون الاعتضاد بسيف المنعة وقوة السلطان، مع أن قيام الدين المسيحي على الصفة المذكورة آنفا من القضايا المسلمة الظاهرة التي أفعمت بذكرها تواريخ الإفرنج، فلا سبيل لإنكارها بوجه من الوجوه؛ إذ لو كان التبشير وحده دون القوة هو الذي نشر النصرانية بين ثلاثمائة مليون من البشر في الأربعة أجيال الأولى من تاريخ الدعوة المسيحية، فينبغي أن يكون النصارى على تلك النسبة ألفا ومائتي مليون؛ إذ التبشير ما زال مستمرا منذ الدعوة إلى الآن، بل زادت وسائله تسهيلا منذ قرنين زيادة فائقة الحد، فالمبشر يمكنه بسبب كثرة وسائط الاختلاط العمومي واتساع نطاق الاستعمار الغربي أن يجول أطراف الكرة الأرضية معززا بروح القوة من دول المغرب، متبعا بالأساطيل الماخرة في البحار لحماية هؤلاء المبشرين في أي قطر احتلوه من الأقطار، فلو كان التبشير وحده هو العامل الوحيد في تعميم الدين المسيحي لرأينا من نتائجه الآن ما يبهر العقول، والحال أن ذلك لم يفد في هذين القرنين إلا في بعض المستعمرات الإفريقية وجزائر المحيط بين برابرة الأقوام، الذين قام بينهم التبشير على دعائم قوة الاستبداد والقسوة، مما ترتب عليه إهراق كثير من الدماء البريئة كما جرى في أوغندا من عهد غير بعيد، أي سنة 1892ب.م مما ذاع ذكره على ألسنة الجرائد في الخافقين، وما خلا ذلك فالمبشرون منتشرون في أنحاء المشرق انتشار الشرايين في الجسم وهم معززون بالقوة والمال، متشبثون من رسائل الترغيب بما لا نهاية بعده، ومع هذا فعملهم كله عقيم واجتهادهم أو جهادهم لم يوصلهم لأدنى غرض مما يرمون إليه،
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة .
अज्ञात पृष्ठ