وأبو حنيفة لو تعقب رأيه * * * أمسى يفند رأيه تفنيدا قال أبو محمد رحمه الله : فهذا اعتقاد كل طائفة في صاحبها ، وأما الحقيقة في بيان الألفاظ التي سألوا عنها ، فالواجب قبل كل شيء أن يعلموا ما معنى الجلالة ، وما معنى الفضل ، وما معنى الورع ، وما معنى العلم ، وما معنى الفقه ، ونحن نحتسب الأجر من الله عز وجل في بيان ذلك بحول الله عز وجل ، فنقول وبالله عز وجل نتأيد :
أما الجلالة : فلا تخلو هذه اللفظة من أن تكون يراد بها جلالة الحال في الدنيا ، أو جلالة الحال عند الله عز وجل ، ولا سبيل إلى وجه ثالث .
فأما جلالة الدنيا فبلا شك يعلم كل ذي عقل أن جعفر بن سليمان ، وعبد الله بن ربيع الحارثي أميري المدينة ، ومحمد بن عبد العزيز قاضيها في زمان مالك كانوا أجل في الدنيا من مالك ؛ لأنه كان أمرهم عليه نافذا .
وكذلك بلا شك كان موسى بن عيسى أمير الكوفة ، وابن أبي ليلى قاضيها في بعض أيام أبي حنيفة أجل في الدنيا من أبي حنيفة ؛ لأن أمرهما كان عليه نافذا .
وكذلك كان السري بن الحكم ، ولهيعة بن عيسى أمير مصر وقاضيها في أيام الشافعي أجل في الدنيا من الشافعي ؛ لأن أمرهما كان عليه نافذا .
وكذلك كان محمد بن عبد الله بن طاهر ، وإسماعيل بن إسحاق أمير بغداد وقاضيها في بعض أيام داود أجل في الدنيا من داود ؛ لأن أمرهما كان عليه نافذا قبل أن يحميه الموفق بن إسماعيل ، إذ وقع بينهما ما قد عرف .
قال أبو محمد رحمه الله : وهذه جلالة ليس فضيلة ، فإن كان يريد هذا القائل جلالة المرء بكثرة أتباعه ، فأتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أكثر من أتباع أبي حنيفة ، وأتباع هشام بن الحكم رئيس الرافضة أكثر من أتباع الشافعي ، وأتباع عبد الله بن يزيد الإباضي أكثر من أتباع مالك ، وأتباع سليمان بن جرير الزبيدي أكثر من أتباع أحمد ، فصح أنه لا معنى لكثرة الأتباع ولا فضيلة في ذلك .
وقد كان الشافعي مدة أقلهم أتباعا ، ثم هو اليوم أكثره أتباعا ، وكان للأوزاعي أتباع كثير ، ثم لم يبق له تابع ، فلو كانت كثرة الأتباع فضيلة لما ثبتت الفضائل على حال ، ولكانت تبطل وتزيد ، وهذا جنون ممن ظنه ؛ لأن الفضيلة مستقرة بموت المرء ، لا تنقص أبدا .
قال أبو محمد رحمه الله : وأما الجلالة عند الله عز وجل فأمر لا يعلمه أحد من ولد آدم اليوم ، ولا مذ مات النبي ص ، وإنما علم من الله ما جاء به الفضل فيمن جاء به من الصحابة رضي الله عنهم .
ومن قطع بغير نص على أن فلانا أجل عند الله من فلان بظنه فهو فاسق كاذب على الله عز وجل ، عظيم الجرم ، ملعون من الله تعالى ، قال الله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين } هود آية 71 .
ولا خلاف بين الأمة كلها في أن الكاذب على الله عز وجل والقائل عليه بظنه ظالم ، فهو ملعون بنص القرآن .
पृष्ठ 8