فاتحة الكتاب
1 - الاسترقاق في الأزمان القديمة
2 - الكلام على الاسترقاق في القرون الوسطى
3 - الاسترقاق في الأزمان الحديثة
4 - الاسترقاق في الديانة النصرانية
5 - الاسترقاق عند أهل الإسلام
6 - الكلام على الرق في مصر من حيث العرف والأخلاق
الملحقات
فاتحة الكتاب
1 - الاسترقاق في الأزمان القديمة
अज्ञात पृष्ठ
2 - الكلام على الاسترقاق في القرون الوسطى
3 - الاسترقاق في الأزمان الحديثة
4 - الاسترقاق في الديانة النصرانية
5 - الاسترقاق عند أهل الإسلام
6 - الكلام على الرق في مصر من حيث العرف والأخلاق
الملحقات
الرق في الإسلام
الرق في الإسلام
رد مسلم على الكردينال لافيجري
تأليف
अज्ञात पृष्ठ
أحمد شفيق
ترجمة
أحمد زكي
مقدمة الطبعة الثانية
بقلم أحمد شفيق
طبعت هذه الترجمة أول مرة سنة 1892، وكان المؤلف عند تأليف هذه الرسالة بالفرنسية سنة 1891 (أحمد شفيق بك السكرتير الخاص لسعادة ناظر الخارجية) والمترجم حضرة (أحمد زكي بك مترجم مجلس النظار).
وقد وردت بحاشية الكتاب تفسيرات لبعض ما ورد في صلبه وتعليقات عليه، معظمها بقلم المترجم، وبعضها مقيد بزمنه، وقد أبقيت عليها هنا في هذه الطبعة، حتى يعلم القارئ اتجاه التأليف والترجمة في ذلك الحين، ولفائدة بعض هذه التعليقات من الوجهة التاريخية.
وقد دعاني إلى إعادة طبع هذه الترجمة، نفادها من زمن بعيد، وورود طلبات من الكثيرين بإعادة طبعها، ولأن هذه المسألة «الرق في الإسلام» لم يتناولها البحث - فيما أعلم - طوال هذه المدة مع الحاجة إليها من الوجهات الدينية والاجتماعية والسياسية.
وتصدر هذه الطبعة بعد أن تغيرت الحالة من وجهة الاسترقاق، فعند تأليفها كان الرق منتشرا في السودان وفي مواضع أخرى، وكان هناك قلم خاص في القاهرة لتحرير الرقيق، وقد أصبح الآن غير موجود لانتهاء عهد الاسترقاق.
مقدمة المترجم
अज्ञात पृष्ठ
بقلم أحمد زكي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وأهله ونسله والمقتدين بسنته من ذوي ملته في قوله وفعله.
وبعد، فإن الكردينال لافيجري قد طبق الأرض ذكره، واشتهر في الخافقين أمره، وجرت على لسان البرق خطاباته، واستفاضت في الجرائد والصحائف كتاباته، لأنه تصدى - كما يقول - للأخذ بناصر الأرقاء، ولكنه تطرف وتغالى، فقادته الغاية العمياء إلى الطعن على الديانة الحنيفية الغراء، فعدل عن واجب الاعتدال في جادة الجدال، ولذلك انبرى للرد عليه كثيرون من حلفاء هذا الدين المبين، وأتوه بهذا اليقين، ولكن الذي فاز بقصب السبق في هذا المضمار، وحاز الفضل والفخار، هو حضرة المحقق البارع أحمد بك شفيق، كاتم أسرار سعادة ناظر الخارجية المصرية، فإنه أجاد في الكلام على الرق عند جميع الأمم، وفي جميع الأديان، ثم انتقل من هذه التوطئة إلى بيان الاسترقاق في الإسلام، ليظهر فضل الدين المحمدي في هذا المقام، فينجلي الصبح لذي عينين، إذ بضدها تتميز الأشياء، وحينئذ يحكم العاقل الخبير، والناقد البصير، بأن جناب الكردينال جنح إلى الاعتداء بدلا من الاعتدال، ولما أتم المؤلف هذه الرسالة خطب بها على الجمعية الجغرافية الخديوية في جلسات متوالية، ونالت من الإعجاب والاستحسان ما نالت، ولذلك طلب إلي كثير من الكبراء وأهل الفضل أن أنقلها إلى اللغة العربية ليعم نفعها، وتكمل فائدتها، فرجوت حضرة مؤلفها أن يجعل لي قسطا من الفضل في هذا العمل، فتفضل بالإجابة، فاستخرت الله في هذه الخدمة الوطنية، غيرة على هذا الدين القويم، وشمرت عن ساعد الاجتهاد، فعربتها بغاية العناية، حتى جاءت بحمد الله تعالى مثالا للترجمة التي يحافظ فيها على المعنى تمام المحافظة مع مراعاة القواعد الإنشائية العربية والأساليب القولية الكلامية التي تجعلها أهلا للقبول عند الناطقين بالضاد في جميع البلاد، ثم حليتها بفوائد علمية وحواش تاريخية جغرافية؛ لكي يكون المطلع عليها في غنى عن الرجوع إلى غيرها مما يدخل في دائرة بحثها، وقد راجعت الأصول وأمهات الكتب، فنقلت منها الأحاديث الشريفة بشرح بعضها، وكذلك فعلت ببعض الآيات القرآنية الكريمة، وأكملت القصص والحوادث التاريخية من مصادرها المعول عليها الموثوق بها، وفوق ذلك، فقد لاحظت بنفسي طبع هذه الرسالة على هذا الشكل الفائق الأنيق، والأسلوب الشائق الرقيق، فمزجت بين الحروف المختلفة المقدار كلما رأيت ذلك واجبا لتنبيه القراء، واستلفات الأنظار، وفصلت الفقرات عن بعضها فصلا يسهل به التمييز بين المواضيع ، جاريا في ذلك على النمط الذي اصطلح عليه أهل أوربا من إتقان الطبع وإحكام الوضع.
فاتحة الكتاب
اتفق لي في أول يوليو سنة 1888 أن حضرت بكنيسة
1
سان سولبيس
2
في مدينة باريس، وسمعت نيافة
अज्ञात पृष्ठ
3
الكردينال
4
لافيجري
5
وهو يخطب بها على أهل تلك المدينة ويصف فظائع النخاسة بأفريقيا الوسطى، ويسوق لهم الحديث على الاسترقاق، وبساطته في البلاد الإسلامية، ولم يكتف نيافته بإدانة المتدينين بالدين المحمدي بهذا الأمر، بل نسب قبائحه إلى نصوص الشريعة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام.
ولما كانت هذه التهم لا أساس لها، ولا برهان ينهض عليها، وقد بثها في لوندرة وبروسل
6
دعاني حب الحقيقة إلى البحث عن هذا الموضوع في الكتب الدينية المعتبرة لدينا، المعول عليها عندنا، فأتاح لي الجد - بفضله تعالى - إقامة الحجة وإيراد الدليل على أن القرآن الشريف فوق كونه لم يعتبر الرقيق بمنزلة الحيوان، فقد جاء بكثير من النصوص والوصايا التي تفرض على المسلمين أن يحسنوا رعايته والعناية بشأنه، وأن تكون معاملتهم له بالحسنى والمرحمة، وهو أمر يجهله إلى الآن عامة الأوروپاويين، حتى القاطنين منهم بديار المشرق، اللهم إلا ما ندر، فإنه بديه أن مجرد السكنى في بلد من البلاد لا توقف الإنسان تمام الإيقاف على كنه شرائعها، بل يعوزه أيضا أن يكون عارفا حق المعرفة بلغة أهليها، ولا ريب في أن علماء المشرقيات المتوفرة فيهم هذه الصفات، هم أقل من القليل.
وأتعشم في وجه الله الكريم أن يجعل نتيجة بحثي تميط اللثام عن حقيقة هذه المسألة الخطيرة التي كثر اهتمام الحكومات والأفراد بها في هذه الأيام. •••
अज्ञात पृष्ठ
قبل الخوص في هذا الموضوع ينبغي لنا أن نأتي بالإيجاز وبوجه العموم على ذكر الاسترقاق عند الأمم:
الرق هو حرمان الشخص من حريته الطبيعية وصيرورته ملكا للغير.
7
قالوا: إن الاسترقاق ظهر منذ كان الاجتماع الإنساني، وهو قول في غاية الإصابة والسداد، فإنه ظهر حقيقة عندما وقعت الاجتماعات البشرية الأولى، أيام كان حجاب الجهالة مسدولا على عالم الفطرة، والذي أوجب حصول هذا الفعل هو أمر يسهل بسطه وإيراده ، وذلك أنه لما كان العمل من أصعب الضرورات وأشقاها أخذ الإنسان في البحث عما يخلصه من عنائه ومكابدته، فإذا بطلبته بين يديه عند الهيئة الاجتماعية، فإن القوي ألزم الضعيف بالاشتغال، ومن ذلك نشأ الاسترقاق.
ثم جاءت الحروب، وتولدت الأطماع، فبثت الاسترقاق في جميع أجزاء العالم، وعند معظم الأمم، وصار الناس لا يقتلون العدو، بل يبقون عليه ليعمل لهم. هذا، واعلم أن طبيعة الأقاليم - وهي من أقوى العوامل في إنماء الجمعيات البشرية - كان لها تأثير عظيم في زيادة الاسترقاق واتساع نطاقه، حتى إنه ما لبث أن بلغ عدد الأمم التي على البساطة والفطرة في جميع بلاد المشرق مبلغا عظيما، ودرجة قاصية، وانتشارا زائدا، فإن ثمن الرقيق كان زهيدا، وعمله مفيدا بالنظر إلى ما صارت إليه الصناعة والتجارة من التقدم والأهمية، ولقد كان الحال على خلاف هذا المنوال عند أمم الشمال، فإن تغذية الرقيق عندهم كانت تكلفهم مصرفا جسيما، ولم يكن لعمله كبير جدوى ولا فائدة، فلهذا كان الاسترقاق في بلاد الشمال منذ العصور الخوالي أقل انتشارا منه في جهات الجنوب من المعمورة، وهذا يدلنا على أن الاسترقاق هو من الأمور الاقتصادية التدبيرية المترتبة على العمل والاشتغال.
ولنبحث الآن في حالة الرقيق عند الأمم المختلفة واحدة واحدة.
هوامش
الفصل الأول
الاسترقاق في الأزمان القديمة
الفرع الأول: الاسترقاق عند قدماء المصريين
अज्ञात पृष्ठ
كان الرقيق في مصر عبارة عن آلة للعمل، وكان أيضا من الأشياء المعدة لمشاهد الزينة، ومظاهر الأبهة، فكان الأرقاء بقصور الملوك، وبيت الكهان، ودار المقاتلين. ثم إن الفاقة جعلت لسائر الأفراد سبيلا إلى امتلاك الأرقاء أيضا، وكان الاسترقاق عبارة عن الحق في إعدام الحياة والإبقاء عليها، وكان الأسارى على العموم أرقاء للدولة، يقومون بالأعمال والأشغال التي تستلزمها حاجات القطر، أو التي تدعو إليها موجبات زخرفته وتحسين هيئته، وفيما عدا هذه التشديدات الخاصة بالاستخدام في الصالح العام قد تحسنت حالة الرقيق وتلطفت كثيرا، فكان يجوز رفع الأمة إلى مقام الزوجة، ثم إن الأخلاق والعادات كانت تقضي بالشفقة على الرقيق والدفاع عنه، بل إن الشريعة كانت تجعل حوله سياجا يقيه من البغي والأذى، فقد نصت على أن من قتل الرقيق يقتل فيه.
1
الفرع الثاني: الاسترقاق عند الهنود
قد حددت شريعة مانو
2
بطريقة شرعية دينية درجة السودرا (هو الرجل من الطبقة الدنيئة المستخدمة) مع البرهمي، بل ومع سائر الناس، فقد ورد بها «أنه إذا اشترى البرهمي رجلا سودرا، بل وإذا لم يشتره، فإنه يجوز له أن يجبره على خدمته بصفة كونه رقيقا (دارا)، لأن مثل هذا الإنسان ما خلقه واجب الوجود إلا ليخدم البراهمة».
ثم إن السودرا وإن أطلق سيده سراحه، لا تفارقه صفة الخدمة، لأنه من ذا الذي يمكنه أن يزيل عنه حالة طبيعية مرتبطة به!
ثم قيل في تلك الشريعة:
إذا اضطهد السودرا أحد البراهمة فلا مندوحة عن قتله البتة، وإذا وجه رجل من الطبقة الدنيئة سبابا فاحشا إلى أحد الدويدياس (أي أولئك الذين تتألف منهم الطبقات العليا الثلاث؛ وهم البراهمة وكشاترياس وفيزياس) فجزاؤه سل لسانه، لأنه ناتج من القسم الأسفل من برهمة، وإذا ذكر أحدهم باسمه وبطبقته على هيئة يؤخذ منها الازدراء، فجزاؤه أن يوضع في فمه خنجر طوله عشر أصابع، بعد إحمائه بالنار إحماء شديدا، فإذا ساقه عدم الحزم وقلة التبصر إلى بذل النصائح والمواعظ للبراهمة فيما يتعلق بواجباتهم، فعلى الملك أن يأمر بوضع الزيت المغلي في فيه وفي أذنه. إذا سرق البرهمي من السودرا عوقب بالغرامة، أما إذا سرق السودرا من البرهمي فجزاؤه أن يحرق، وإذا تجاسر السودرا على ضرب أحد القضاة فليعلق بسفود
3
अज्ञात पृष्ठ
وليشو حيا، فإذا ارتكب البرهمي مثل هذه الجريمة فليغرم.
وقد تقرر في الشرائع البرهمية تقسيم جميع الأشخاص الملزمين بالخدمة إلى قسمين؛ وهما الخادمون والأرقاء، فالأعمال الطاهرة من خصائص الخادمين، والأعمال النجسة على عواتق الأرقاء.
الفرع الثالث: في الاسترقاق عند الآشوريين والأمم الإيرانية
من نظر إلى تاريخ مملكة آشور
4
في الأحقاب السوالف علم أن الاسترقاق كان عريقا بها متأصلا فيها، فقد كانت القصور مغتصة بالنساء والأرقاء المخصصين للجمال والزينة.
أما مملكة الفرس التي امتد سلطانها إلى حدود آسيا المعروفة في وقتها، فقد استجمعت جميع أنواع الاستخدام المعروفة عند كثير من الأمم المختلفة، فكان الأرقاء الرعاة، والأرقاء الخاصون بحاجات الزينة، والثروة واليسار، وكان في معبد أنايتس
5
بأرمينيا وهيكل كومانة بكبدوكيه
6
अज्ञात पृष्ठ
أرقاء قد أعدوا لعمل الخبائث المستقبحة المنكرة التي قضت بها خرافات القوم.
وقد أوجد العرف والاصطلاح في بعض البلاد أوقات للأرقاء يتفرغون فيها لأنفسهم طلبا للراحة، بل قد اجتهد واضعو الشرائع عندهم في تقليل إجحاف الموالي بمواليهم وتخفيف وطأة مظالمهم عليهم؛ قال هيرودوت:
7 «لا يجوز لأي فارسي أن يعاقب عبده على ذنب واحد قد اقترفه بعقاب بالغ في الشدة والصرامة.» ولكن إذا عاد العبد لارتكاب هذا الذنب بعد ما أصابه من العقاب، فلمولاه حينئذ أن يعدمه الحياة، أو أن يعاقبه بجميع ما يتصور من أنواع العذاب.
الفرع الرابع: في الاسترقاق عند الصينيين
قد أرخت الأيام سدالها، وألقت الليالي ستارها، على مبدأ ظهور الاستعباد بهاتيك البلاد،
8
فلقد كان الاستخدام للمنفعه العمومية موجودا بها قبل التاريخ المسيحي بأجيال طوال، يقوم به المحكوم عليهم والأسارى، ثم امتزجت أخلاق القوم بهذه العادة، فاستعملوا الاسترقاق، وكانوا يجلبون الرقيق من الخارج، أو يأخذونهم من ذات الصين، كما كانت تفعل الدولة نفسها. أما من الخارج فبواسطة الحروب والأسلاب، إذ كانوا يوزعون الغنائم من أناس وأشياء على كبار الضباط، أو يأتون بأثمانهم لخزينة الدولة، وأما في نفس البلد فبسبب الفاقة والاحتياج، لأن الفقير كان يضطر لبيع نفسه أو لبيع أولاده.
فكان هناك عائلات مستعبدة بسبب الشدة، وأرقاء قد بيعوا بالثمن، وكان للمولى على رقيقه التصرف المطلق؛ يبيعه كما اشتراه، بل ويبيع أولاده.
والظاهر أن الاسترقاق كان في بلاد الصين قليل الشدة والصعوبة، فإن الشرائع والعرف والأخلاق كانت تساعد على تلطيف حاله، فقد أصدر الإمبراطور كوانجون (وهو الذي كان عائشا بعد المسيح بخمسة وثلاثين سنة) أمرين اثنين بوقاية حياة الرقيق وشخصه، ضمنهما عبارات تشف عن كمال المروءة، وتشعر بمقام الإنسانية ودرجاتها العالية، فقد قيل فيهما: «إن الإنسان هو أفضل وأشرف المخلوقات التي في السماء والتي في الأرض ، فمن قتل رقيقه فليس له من سبيل في إخفاء جرمه، ومن أخذت به الجراءة فكوى رقيقه بالنار حوكم على ذلك بمقتضى الشريعة، ومن كواه سيده بالنار دخل في عداد الوطنيين الأحرار.» ولقد كان بعض الأرقاء يصادفه الحظ، ويقبل عليه الدهر، فتسمو به المناصب إلى أن يكون موضع الثقة من مولاه، بل ويجد في بعض المكاسب طريقة ينال بها حريته، ويتخلص من ربقة الرق، ولهذا كان الاسترقاق قليلا عند أمة الصينيين، التي امتازت بجودة الفطانة، وسلامة الفكر، وأصالة الرأي.
الفرع الخامس: في الاسترقاق عند العبرانيين
अज्ञात पृष्ठ
وجد الاسترقاق عند هذه الأمة منذ الأزمان القديمة جدا، وكان الأرقاء في زمن أنبياء بني إسرائيل معدودين من أصول الثروة وأسباب الغنى عند أولئك الرؤساء، الذين كان دأبهم الحل والترحال والضرب في أطراف البلاد، وكان مقام الأرقاء كمقام الماشية، ولكن كما أن صاحب الدابة لا يرضى بتحميلها فوق طاقاتها، وكما أن صاحب الناقة لا يجهدها أكثر مما في استطاعتها، كذلك كان شأن السيد الحكيم المتبصر، فإنه ما كان يلزم رقيقه بعمل يزيد عن الحد، وكان للأرقاء عندهم بعض الحقوق، فكان لهم أن يستريحوا سبعة أسابيع في السنة، ولا يجوز للرجل أن يضرب عبده ضربا مبرحا مرهقا، ومن فعل ذلك أوخذ بعقاب فيه بعض الشدة، وكذلك من بتر الرقيق أو كسر له عضوا أو سنا. ولهذا يصح القول بأن العبرانيين كانوا يعاملون الأرقاء معاملتهم أنفسهم، وكان كثيرا ما يتفق للمولى أن يميز إحدى إمائه، فيتخذها حليلة له، بل الأغرب من ذلك أن العبد الذكر كان يتاح له في بعض الأحيان أن يتزوج ببنت مولاه، وذلك حينما لا يكون للمولى أولاد ذكور، وفوق ذلك، فإن العبرانيين كانوا يتسرون غالبا بجواريهم.
وخلاصة القول أن الاسترقاق عند العبرانيين، وعند غيرهم من سائر أمم المشرق كان مقرونا بالتلطف والتعطف، اللذين لا يرى لهما مثيل في بلاد اليونان، ولا في مدينة رومة، وفضلا عن ذلك فقد ورد بشريعة سيدنا موسى عليه السلام أن العبد إذا استحق القصاص فلا يصدر الحكم عليه إلا من القاضي دون سواه، فكان في ذلك احتياط دقيق ورحمة بأولئك المساكين؛ لئلا يكونوا عرضة لقساوة الموالي، وغرضا لسهام أهوائهم.
9
الفرع السادس: في الاسترقاق عند الإغريق
10
كان الاسترقاق أمرا شائعا في جميع بلاد اليونان، ولم يكن في الفلاسفة الكثيرين الذين تفتخر بهم هذه البلاد من أنكر الاسترقاق أو اعتبره مخالفا للعدالة والآداب ومكارم الأخلاق، بل إن أرسطو نفسه أيد صحته، وأثبت مشروعيته، معتمدا في رأيه على اختلاف السلائل البشرية وتنوع أصناف بني آدم، وقد عرف الرقيق بأنه «آلة ذات روح أو متاع قائمة به الحياة.»
11
ثم قسم الجنس البشري إلى قسمين؛ وهما: «الأحرار والأرقاء بالطبع».
وكان اليونان يقسمون الرقيق إلى صنفين متباينين؛ فالصنف الأول سكان الأقطار التي افتتحوها، وغلبوا أهلها على أمرهم، وكان هؤلاء الأرقاء تابعين لأرضهم، ومعتبرين كجزء منها، والصنف الثاني أرقاء البيع والشراء، وهؤلاء كان للموالي عليهم حق السيادة المطلقة.
وأغلب الأرقاء كانوا من الفريق الثاني، وما كان للمرأة التي تباع أو تؤسر أن تمتنع عن الافتراش لسيدها، وكانوا يقولون بحرية من يولد من مثل هذه المخالطة، ولكن ذلك كان وصمة عليهم، وموضع معرة تدنسهم، وسببا في سقوط اعتبارهم عن غيرهم.
अज्ञात पृष्ठ
وكان الاسترقاق للعهد الأول بالتلصص في البحار، فكانوا يختطفون سكان السواحل لاسترقاقهم، ثم صارت المستعمرات اليونانية في آسيا الصغرى أسواقا عظيمة تباع فيها العبيد وتشرى، بل كانت أثينة
12
نفسها من أهم هذه الأسواق، ولم يكن لها من يزاحمها في هذه التجارة إلا بعض أسواق قديمة لقربها من موارد الرقيق، وذلك مثل قبرص وساموس، وخصوصا صاقس،
13
بل قيل إن سكان هذه الجزيرة هم أول من اتجر بالأرقاء والإماء.
وكان العبيد يعملون لمواليهم أو لأنفسهم، فإذا عملوا لأنفسهم كان عليهم أن يدفعوا لأسيادهم مبلغا معينا في كل يوم على سبيل جعالة يجعلونها لهم، بل يظهر أنه كان يوجد كثير من بني يونان ممن اشتروا العبدان، وخصصوهم للإجارة ليس إلا - ولعمري إن ذلك من أفضل الوجوه وأحسن الطرق في استعمال المال واستغلاله.
وكان العبيد قائمين في أثينة بخدمة المنازل أيضا ، ولم يكن في هذه المدينة رجل عضه الفقر وأخنى عليه الدهر حتى أحرمه من امتلاك عبد واحد على الأقل، يشغله في القيام بلوازم منزله.
وكان حق المولى على عبده لا يختلف في شيء من الأشياء عن حقه على سائر مملوكاته، فكان يجوز له رهنه
14
على أن حالة العبد عند اليونان لم تكن في الشدة والمقاساة مثلها عند أمة الرومان، وذلك فيما خلا مدينة إسبرطه؛
अज्ञात पृष्ठ
15
فقد قال المؤرخ پلوترك:
16 «إن الحر فيها كان أكثر الأحرار حرية، وإن الرقيق أكثر الأرقاء استرقاقا.»
وكان المولى منهم يعاقب عبده بالجلد بالسوط، وبالطحن على الرحى، وكان يكوي الآبق أو الوارد من البلاد المتبربرة
17
بالحديد المحمي على جبهته، على أن حياة الرقيق وشخصه كانا في كنف القانون ورعايته، فما كان يجوز إعدامه الحياة إلا بعد صدور الحكم القانوني عليه.
وقد كان يوجد بأثينة أناس من العتقى، ولكنهم ما كانوا يكتسبون الحقوق الوطنية، فكان مقامهم كالأغراب المتوطنين في البلاد ليس إلا، بل كانوا ملزمين بالولاء لمواليهم مدى الحياة، وأن يقوموا لهم بواجبات مفروضة، وكان هناك أرقاء عموميون تشتريهم الدولة للقيام ببعض الشئون، فمنهم فريق كان يناط به حفظ المدينة وخفارتها، فكان الواجب عليهم المحافظة على استتباب الأمن وتوطيد دعائم الراحة في الاجتماعات العمومية.
الفرع السابع: في الاسترقاق عند الرومانيين
إن العادة التي جرى عليها السلف في الأزمان القديمة من استعباد الأسارى كانت بالطبع متبعة أيضا عند الرومانيين، فكان العمل برومة
18
अज्ञात पृष्ठ
في مبدأ الأمر موكولا إلى العاملين الأحرار، ولذلك انبثت روح الشهامة والرجولية في جميع سكان هذه المدينة الشهيرة في مبادئ تاريخها، على أن هذه الحالة لم تبق على ما هي عليه، بل زالت بالمرة لاتساع نطاق المدينة، وتطرق وجوه الزخرف والبهرجة إليها، فكثر عدد الرقيق، ثم ازدادت لما توسعت رومة في الفتوحات وغزو البلاد، فوضع البطارقة
19
والأغنياء أيديهم على العبيد واستعملوهم في حراثة أراضيهم، ولم تلبث الصنائع والفنون الميكانيكية أن وقعت أيضا في أيدي الرقيق.
وكانت وجوه الاسترقاق برومة متعددة، فإنه فضلا عن استرقاق الأمم المغلوبة بالحرب واستعبادها كان هناك صنف آخر، وهم العبيد بالولادة؛ أي الذين يولدون من الأرقاء. وصنف ثالث من الأحرار الذين قضت عليهم بعض نصوص القانون بالوقوع تحت نير العبودية،
20
ولا حاجة للقول بأن الحرب كانت من أعظم موارد الاسترقاق عند الرومانيين، ولذلك كان النخاسون يرافقون الجيوش عادة، وكثيرا ما كان يتفق بيع آلاف من الأسارى بأثمان بخسة، وذلك عقب فوز عظيم في وقعة مهمة، وكانوا يسرقون الأطفال ليبيعوهم، والنساء ليتخذوهن لقضاء الفاحشة وارتكاب الفجور.
وكان الرومانيون يعتبرون هذه التجارة مخلة بالشرف مسقطة للاعتبار، ولكنها كانت تجارة رابحة ناجحة، وكان الذين يتعاطونها يحصلون على أموال طائلة، وثروة وافرة؛ فمنهم النخاس تورانيوس الذي كان في أيام أغسطس متمتعا بشهرة فائقة وصيت بعيد.
وكانت العادة في رومة بيع الرقيق بالمزاد، فكانوا يوقفونهم على حجر مرتفع، بحيث يتيسر لكل واحد أن يراهم، ويمسهم بيده ولو لم يكن له رغبة في الشراء، وكانت العادة أن المشتري يطلب رؤية الأرقاء عراة تماما، لأن بائعي الرقيق كانوا يستعملون وجوها كثيرة من المكر لإخفاء عيوب الرقيق الجثمانية، كما يفعل اليوم الجمبازجية
21
في الخيول.
अज्ञात पृष्ठ
وكانت أثمان العبيد المتعلمين المتأدبين غالية جدا، ومثلهم المعدون لتشخيص الروايات، ولا تسل عن المغالاة في دفع الأثمان الزائدة لمشتري الجواري الحسان البارعات في الجمال اللاتي يجعلن لمقتنيهن حظا كبيرا في الاستحصال على كثير المال، بسبب تعرضهن للفسق والفجور، وفي عهد الدولة كان القوم يدفعون المبالغ الباهظة للاستحصال على بنات ذات دلال، وذلك حيثما ازداد فساد الأخلاق واختلت قواعد الآداب وانتشرت الزخرف فيهم إلى ما تجاوز الحدود.
وكانت رومة شبيهة ببلاد اليونان في تقسيم الأرقاء على أنواع؛ فمنهم الأرقاء العموميون،
22
ومنهم الأرقاء الخصوصيون؛ فأفراد الفريق الأول كانوا ملكا للحكومة، وكانت حالتهم أفضل وأحسن من حالة إخوانهم بكثير، فكان عليهم العناية بشأن المباني العمومية، بل ومساعدة القضاة والكهنة في القيام بواجبات وظائفهم، وكانوا يستخدمون فوق ذلك سجانين وجلادين (سيافين) وملاحين وأمثال ذلك من الوظائف، وأما أفراد الفريق الثاني فكان عليهم أن يقوموا بكافة شئون الخدمة في دور مواليهم ، كأن يكونوا بوابين وخدامين وطهاة
23
ومستخدمين لقضاء الحاجات وما أشبه ذلك.
ولم يكن في نظر القانون إلا كشيء من الأشياء، فليس له ملكية ولا عائلة ولا صفة شخصية.
وقد سبق لنا القول بأن الولادة قد تكون سببا في الاسترقاق، ولذلك كان القانون يبيح للسيد استرقاق من تلده أمته، والمقرر في الشريعة الرومانية أنه فيما عدا النكاح تكون حالة الولد شبيهة بحالة أمه حين وضعها له، بمعنى أنها إذا كانت حرة في ذلك الوقت فالولد يكون حرا، وإذا كانت رقيقة فالولد يكون رقيقا أيضا مهما كانت حالتها في أثناء الحمل، على أن هذه الشدة قد تلطفت فيما بعد وتقرر أنه يكفي في حرية المولود أن تكون أمه نالت حريتها أثناء الحمل
24 (انظر فتاوى بوستينيانوس).
وكان حق العقوبة من نتائج سلطة الموالي على أرقائهم، فكان الأرقاء الذين يأتون بهفوة يجازون عليها بالشدة، وفي بعض الأحيان بقساوة فائقة عن الحد لم يسمع لها بمثيل، فكان أخف العقوبات وألطفها عندهم استعمال الرقيق في مشاق الحراثة والزراعة، وهو مكبل بالسلاسل مثقل بالأغلال معرض لأقسى أنواع العذاب، وأما العقوبة بالجلد بالسياط فكانت في غاية القسوة ونهاية الشدة، حتى إنها كانت تنتهي بالهلاك في أغلب الأوقات، وكانوا يعاقبون الرقيق أيضا بتعليقه من يديه وربط الأثقال في رجليه.
अज्ञात पृष्ठ
وما زال الأرقاء يقاسون أنواع العذاب، ويعانون أصناف الأوصاب، حتى آل الأمر بواضعي الشرائع للنظر إليهم بعين الشفقة والمرحمة، وتدوين الأحكام القاضية برعايتهم، وحسن معاملتهم، وأول قانون في هذا المعنى هو قانون پترونيا، وفيه أنه يحرم على الموالي إلزام أرقائهم بمقاتلة الوحوش الضارية والحيوانات الكاسرة، على أنه قد تدون فيه أن الرقيق الذي يأتي جرما يستوجب هذا الجزاء يجوز لسيده أن يعاقبه به بعد التصريح من القاضي. وقد أصدر أنطونان
25
أمرا حصر فيه ما يسمونه بحق الحياة والممات الذي يعتبره المفتي جايوس
26
من حقوق الأمم والملل، فقال أنطونان: «إذا قتل المولى عبده بغير حق وجبت معاقبته كأنه قتل عبدا لغيره.»
27
وقد تقرر في هذا الأمر أيضا نهي الموالي عن سوء معاملة أرقائهم، ثم صدر أمر من كلوديوس تدون فيه أنه «إذا قتل السيد عبده عد مرتكبا لجناية القتل».
هوامش
الفصل الثاني
الكلام على الاسترقاق في القرون الوسطى
अज्ञात पृष्ठ
إن قوانين الأمم المتبربرة
1
تشابه قوانين الرومانيين في كونها تعتبر الرقيق كشيء من الأشياء، فإنها تجعله بمنزله الفرس والثور وغيرهما من الحيوانات المستخدمة الأهلية، فكان المولى في شرعهم يتصرف بعبده كما يتصرف بما عنده من الأشياء ذات القيمة، وكان يجوز له قتله، لأنه شيء من الأشياء التي تملكها يمينه، وهم فروع:
الفرع الأول: الاسترقاق عند الغاليين
2
كانت أعمال الحراثة والفلاحة في عصر سيسرون
3
من موجبات الهوان والاحتقار ودواعي الذل والصغار، ولذلك كان الأرقاء هم المنوطين بحرث الأرض والزراعة والحصد.
الفرع الثاني: الاسترقاق عند الجرمانيين
4
अज्ञात पृष्ठ
كانت هذه الأمة منهمكة في لعب القمار انهماكا لا حد له كما رواه المؤرخ تاسيتوس،
5
حتى كان كثيرا ما يخرج الولوع به بعضهم إلى الشطط، فيقامرون على نسائهم وأولادهم، بل وعلى حريتهم الشخصية.
أما الأرقاء الذين يحتكمهم الجرمانيون بطريقة الشراء أو الميراث، فكانوا يكلفون بخدمة المنازل، بل كان لكل واحد منهم مسكن خاص به يديره كيفما شاء، وكان المولى يفرض عليه مقدارا من القمح أو الماشية أو الملابس كأنه من مؤاجريه، وفي ذلك كان ينحصر الاستعباد عندهم.
الفرع الثالث: الاسترقاق عند الإفرنج
6
وصل الاسترقاق عندهم إلى نهاية الشدة والقسوة؛ فإن القانون السالي
7
جعل من مبدأ الأمر بين الأرقاء والأحرار من الموانع والحواجز أسوارا كثيرة، فكان التناكح بينهما غير جائز مطلقا؛ إذ في صريح القانون عندهم أنه «إذا تزوج أحد الأهالي برقيقة أجنبية وقع في الرق والاستعباد»، وكذلك المرأة الحرة التي تتزوج برقيق تفقد حريتها وينالها هذا العقاب!
الفرع الرابع: الاسترقاق عند الويزيقوط
अज्ञात पृष्ठ
8
قوانين النكاح عند هذه الأمة أبلغ في الشدة مما هي عند التي قبلها؛ فقد تدون بها «أن المرأة الحرة إذا تزوجت برقيقها كانت عقوبتها أن تحرق هي وإياه وهما على قيد الحياة»، وأما إذا كانت لا تمتلك العبد يفسخ النكاح ويجلد كل منهما بالسياط، ولكن الرقيق لم يكن ملكا لسيده بوجه الإطلاق، بحيث تكون حياته في يده يتصرف فيها كيفما شاء، بل كان القاضي هو الذي يحكم على العبد بالموت إذا كان يستحق ذلك، ثم يسلمه لسيده يفعل به ما يريد.
الفرع الخامس: الاسترقاق عند الأستروقوط واللومبارديين
9
وضعت أحكام صارمة عند هاتين الأمتين، فكانت المرأة الحرة التي تتزوج برقيق تعاقب بالإعدام.
الفرع السادس: الاسترقاق عند الأنجلو ساكسون
10
كانوا يقسمون الرقيق إلى صنفين عظيمين كما عند الأمم الأخرى، وهما الرقيق المشبهون بالمنقولات، والرقيق المشبهون بالعقارات، فأفراد الصنف الأول يجوز بيعهم، وأما الآخرون فكانوا لا ينفكون عن الأرض القائمين بحراثتها وزراعتها، وفي أواخر حكم هذه الأمة كان يجوز للأرقاء أن يكون لهم رأس مال خاص بهم، وكانوا يشتغلون بتحصيل ما يدفعونه لمواليهم لأجل نوال حريتهم.
وسنتكلم في الباب الرابع على الاسترقاق في الديانة النصرانية.
هوامش
अज्ञात पृष्ठ
الفصل الثالث
الاسترقاق في الأزمان الحديثة
إذا انتقلنا إلى الأزمان الحديثة وجدنا أن استرقاق
1
الزنوج يشبه الاستعباد عند الرومانيين من حيث الشخص المستخدم، ولكنه يخالفه مخالفة جوهرية من حيث أصله ومنشؤه؛ وذلك لأن فتوح المستعمرات لم يأت بامتلاك الأرض مع العامل الذي يحرثها، بل إنه بعد اكتشاف الأراضي صار تبديد أهاليها أو إبادتهم، فكانت الحاجة ماسة إلى إعادة السكان فيها، ولم يكن ثمة من واسطة سوى جلب الزنوج إليها.
القانون الأسود
اعلم أن هذا الاسم يطلق في جميع البلدان على مجموع القواعد والأصول المدونة بشأن الاسترقاق.
وقد صدر في 17 مارس سنة 1685 مرسوم بتنظيم أحوال الأرقاء والعتقى في جميع المستعمرات الفرنساوية، وتقرر فيه تخويل الحق المدني والسياسي للأحرار من ذوي الألوان، واعتبار العتق ولادة جديدة للمعتوق، على أن الجمعية الدستورية لما أرادت العمل بهذا المبدأ واستنباط النتائج المترتبة عليه عقلا صادفت صعوبات عنيفة ومعارضات قوية، وما ذلك إلا لأن القانون الأسود لم تنفذ منه إلا القواعد الصارمة والأحكام البالغة في الشدة، أما الأصول المقتضية حصر سلطة الموالي أو تحميلهم بحقوق لأرقائهم، فكانت مهملة متروكة كأنها لم تكن.
وإذا اعتدى الزنوج بأقل إكراه على ساداتهم، أو على الأحرار، أو ارتكبوا أخف السرقات، فجزاؤهم القتل أو العقاب البدني بالأقل، وهذا دليل كاف على ما في القانون من الشدة التي ليس بعدها شدة، وإن الإنسان ليمتلئ غيظا وغضبا إذا ذكر أنواع العقاب التي كانت موضوعة للآبقين، فقد كان عقاب الإباق في المرة الأولى والثانية قطعا للآذان ومسحا بالسوق وكيا بالحديد المحمي، وفي الثالثة القتل.
ومهما بلغت شدة هذا القانون فإنها لا تنقص عن قانون المستعمرات الإنكليزية إذا قابلناها بها، فقد تقرر في مستعمرة الجاماييك وأنتيجوا
अज्ञात पृष्ठ
2
أن من أبق واستمر في إباقه أكثر من ستة شهور جزاؤه الإعدام.
ومن أسوأ الأحكام التي جاء بها المرسوم الصادر في مارس سنة 1685 أنه عندما يرتكب المالك أو الرئيس أية جناية على الرقيق، ولو كانت جناية القتل، يكون للقضاة الحرية في مراعاة أحوال البراءة، وأن يبرئوا ساحة المتهمين الغائبين من غير أن تكون هناك حاجة للاستحصال على العفو، وقد كتب هيليار دوبرتوي في (ملاحظاته على مستعمرة سان دومينج)
3
أن «المرسوم الصادر في سنة 1685 لا يمنع من هلاك الأرقاء في كل يوم بسبب تكبيلهم بالسلاسل أو جلدهم بالسياط، ولا من ضربهم ضرب التلف والإزهاق، ولا من إحراقهم عسفا واستبدادا، وكل هذه الفظائع يرتكبها القوم في المستعمرة، ولا رادع يردعهم، حتى إن كل ذي لون أبيض يعامل الأسود بالغلظة والقسوة ولا حرج عليه في ذلك، وإذا ألحق ضرر بعبد من العبيد، فالقضاة اعتادت عدم النظر إلى هذا الضرر إلا من حيث إنه ينقص من ثمن العبد المجني عليه».
وقد أيدت الجمعيات الاستعمارية في كل زمان هذه القاعدة، وهي أنه لا يسوغ للمتشرعين أن يتوسطوا ويتدخلوا بالشرائع بين العبد ومولاه، وكان الأحرار من ذوي الألوان محرومين من وظائف النفوذ والاعتبار.
بل قد صدرت أوامر متنوعة من نظارات الحكومة بمنع التوسع في تأويل مواد القانون الأسود، فمنها ما كان بالنهي عن البحث في الأوراق المثبتة أن صاحبها من طائفة الأشراف متى تزوج بامرأة امتزج بها دم الأرقاء، وكان مثل ذلك الرجل يعد غير جدير بأية وظيفة في المستعمرات، بل يعتبر ساقطا من درجة ذوي اللون الأبيض، ومنها ما كانت بتحريم حضور ذوي الألوان إلى بلاد فرنسا للتغذي بألبان المعارف واقتطاف ثمرات التأديب والتهذيب، ومنها ما تضمن عبارات صريحة هذا تعريفها: «إن حسن النظام مما يوجب عدم إقلال الصغار والاحتقار المرتبط بالجنس الأسود مهما كانت درجته ومنزلته، وقد صمم جلالة الملك على إبقاء الحكم الاعتباري الذي مقتضاه أن يحرم إلى أبد الآبدين ذوو الألوان وذريتهم من المزايا الخاصة بالجنس الأبيض.» (يناير سنة 1767).
هذا كله كان جاريا في أواخر القرن الثامن عشر قبل الثورة الفرنساوية، وما زالت مواد القانون الأسود تزداد شيئا فشيئا بما يصدر من مركز الحكومة أو جهات السلطة بالمستعمرات من الأوامر ومعظمها لم يقصد به ترقية حال الرقيق ولا تحسين درجته كما رأينا، وقد صار هذا القانون أساسا لتقرير الأحكام وسن النظام في الأملاك الفرنساوية وفي الجهات المستعمرة لها، إلى أن حصلت الثورة في فبراير سنة 1848 فعملت على إبطال الاسترقاق مرة واحدة، فكان لها بذلك فخر يذكر فيشكر.
أما القوانين القديمة الخاصة بذوي الألوان، وبالأرقاء في الولايات الجنوبية من بلاد أمريكا المتحدة، المعروفة أيضا بالقوانين السوداء، فكان فيها من الشدة والصرامة ما تنقبض له النفوس، وتنفر منه القلوب؛ فقد صرحت الشريعة في ولايات لويزيانا وكارولينا
4
अज्ञात पृष्ठ