توقف عن التفكير في الرسامين، ولم يعد يرى مارسيليا متألقة ولا إيجابية حين عرف أن عائلة مارتن غادرت الضاحية قبل أسبوع واحد فقط إلى مكان غير معلوم. كان المكان الذي اتجهوا إليه غير معلوم لجيرانهم. وبحلول الوقت الذي اكتشف فيه بمساعدة السلطات المحلية أن ذلك «المكان غير المعلوم» كان مدينة تولون، كان قد أضاع وقتا ثمينا، كما أضاع المزيد من الوقت الثمين أثناء الانتقال إلى تولون والبحث عن آل مارتن بين سكانها الذين تعج بهم المدينة.
لكن في النهاية وجدهم واستمع إلى ما قالوه، وما قالوا إلا القليل. قالوا إن شارل كان «ولدا سيئا»، بكل عداء الفرنسيين تجاه شخص ارتد عن عبادة ذلك الإله الأسمى الذي يقدسه الفرنسيون، وهو العائلة. لطالما كان جامحا عنيدا وكسولا (والكسل هو كبرى الجرائم عند الفرنسيين). كان كسولا للغاية. كان قد رحل عن أسرته قبل خمس سنوات بعد مشكلة صغيرة بسبب فتاة - لا، لا، كان قد طعنها فحسب - ولم يكلف نفسه عناء مراسلتهم. ولم يصلهم أي أخبار عنه طوال كل تلك السنوات عدا أن صديقا قابله مصادفة في بورسعيد قبل نحو ثلاث سنوات. قال الصديق إنه كان يعقد صفقات لشراء سيارات مستعملة. فكان يشتري السيارات المتعطلة ويبيعها بعد أن يعبث فيها قليلا. كان ميكانيكيا ماهرا للغاية، وكان من الممكن أن يصبح رجلا ناجحا جدا، وأن يمتلك ورشة الإصلاح الخاصة به، وأن يكون لديه أناس يعملون لحسابه، لو لم يكن كسولا جدا. في غاية الكسل. كان كسله مستفحلا وهائلا. كان كسله مرضا. ولم يبلغ أسماعهم المزيد عن أخباره حتى طلب منهم أن يتعرفوا على جثته.
وسألهم جرانت إن كان لديهم صورة لشارل.
أجل، كانت لديهم عدة صور، لكن بالطبع كانت لشارل حين كان أصغر في العمر بكثير.
أروه الصور، وأدرك جرانت السبب في أن بيل كينريك، وهو ميت، لم يكن بعيد الشبه كثيرا بشارل مارتن كما كانت أسرته تذكره. رجل نحيل داكن البشرة، ذو حاجبين مميزين وخدين مجوفين وشعر أسود مسترسل، كان يبدو قريب الشبه جدا من أي شاب يمتلك صفات مشابهة حين تنطفئ فيه جذوة الحياة. لم يكن يتحتم حتى أن يكون لهما نفس لون العينين. يتسلم أحد الآباء رسالة تقول: توفي ابنك جراء حادث مؤسف، فضلا تعرف عليه وحدد أنه ابنك ورتب إجراءات دفنه. وتقدم أوراق ابن الرجل المكلوم الثبوتية ومتعلقاته إليه، ويطلب منه أن يحدد إن كان صاحبها هو ابنه. لا يتطرق الشك إلى عقله المتهيئ، فيتقبل ما يرى، وما يرى هو ما توقع أن يراه، لن يخطر على باله أن يقول: هل عينا ذلك الرجل زرقاوان أم بنيتان؟
في نهاية المطاف، كان جرانت بالطبع هو من خضع للاستجواب. لماذا كان مهتما بشارل؟ وأيا كان الأمر، هل ترك شارل شيئا من المال؟ هل كان الأمر وما فيه أن جرانت كان يبحث عن الورثة الشرعيين؟
لا، لقد قطع جرانت وعدا بأن يبحث عن شارل نيابة عن صديق له كان يعرفه على ساحل الخليج الفارسي. لا، لم يكن يعرف ما الذي كان الصديق يريده من شارل. ما فهمه هو أنه كانت توجد إشارة إلى شراكة مستقبلية.
بحسب رأي عائلة مارتن كان الصديق محظوظا.
قدموا له شراب آرمنياك وقهوة وبعض البسكويت المغطى بسكر باث بن، وطلبوا منه أن يزورهم مجددا إن أتى إلى تولون يوما ما.
وعلى عتبة الباب سأل إن كانوا يمتلكون أوراق ولدهم. فقالوا إنهم لا يملكون سوى أوراقه الشخصية؛ خطاباته. أما أوراقه الرسمية فلم يكلفوا أنفسهم عناء الحصول عليها ولم يفكروا في أمرها. ولم يكن يوجد شك في أنها كانت لا تزال في حوزة شرطة مارسيليا، التي كانت قد تواصلت معهم لأول مرة حين وقع الحادث.
अज्ञात पृष्ठ