قال ويليامز بتعاطف: «المرجح أكثر أنك تشعر بالضجر فحسب. لقد ترعرعت في الريف ولم أكن يوما شخصية مملة تحب الرتابة. الريف مكان مبالغ في تقديره. كل شيء بعيد للغاية. حين يبدأ غديرك ذاك يفيض ستنسى أمر السيد مارتن. إنها تمطر بغزارة شديدة هنا؛ لذا من المرجح أنك لن تنتظر طويلا حتى يأتي المطر.»
في واقع الأمر، لم تمطر تلك الليلة في وادي نهر تورلي، ولكن حدث شيء آخر. حلت ريح خفيفة محل السكون البارد الأبلج. كانت الريح لطيفة ودافئة، وبين هبات الريح كان الهواء رطبا ثقيلا، والأرض رطبة وزلقة، ومن فوق القمم المرتفعة أتت المياه المثلجة تملأ مجرى النهر ما بين ضفتيه. وعلى الماء البني المتسارع في جريانه أتى السمك يومض بألوان فضية تحت الضوء، بينما يتقافز فوق حواف الصخور المكسورة ومع التيار المتدفق المحدود بين الجلاميد. أخذ بات اختراعه الثمين من حقيبته التي تحتوي على طعوم الصيد (حيث كان له مقصورة خاصة به)، وقدمه إلى جرانت في دماثة رسمية لناظر مدرسة يقدم شهادة. وقال: «ستعتني به، أليس كذلك؟ لقد استغرقت وقتا طويلا في صنعه.» كان الشيء، كما قالت أمه، مخيفا. فكر جرانت أنه ربما كان نوعا ما يشبه شيئا يوضع في قبعة امرأة، لكنه كان يدرك أنه اختص من بين الرجال بأن يكون المتلقي الوحيد الجدير بمثل هذا الشرف، فقبل به بالامتنان الواجب. وضعه جانبا في مأمن في حقيبته الخاصة، وكان يأمل أن بات لن يشرف على جهوده إلى حد جعله يستخدمه. لكن في كل مرة كان يختار طعما صناعيا جديدا في الأيام التالية، كان يلمح الشيء المخيف ويثلج صدره رضا قريبه الصغير عنه.
أمضى أيامه بجوار نهر تورلي سعيدا ومسترخيا فوق المياه البنية المتدفقة. كانت المياه صافية كشراب الشعير وزبدها أبيض رغويا؛ وقد ملأت أسماعه بالموسيقى وأيامه بالبهجة. وبلل الهواء الرطب الخفيف قماش سترته الصوفية بندى ناعم، وسقطت قطرات الماء من أغصان البندق على مؤخرة عنقه.
وطيلة أسبوع تقريبا لم يكن يفكر إلا في السمك، ولا يتحدث إلا عنه، ولا يأكل غيره.
ثم ذات مساء، أثناء جلوسه عند بركته المفضلة تحت الجسر المتأرجح، حدث ما أذهله وأخرجه من حالة الرضا عن الذات.
رأى وجه رجل في الماء.
ارتعدت فرائصه طويلا قبل أن يدرك أن الوجه لم يكن تحت سطح الماء، إنما في عينيه. كان الوجه الذي يراه هو ذلك الوجه الميت الشاحب ذو الحاجبين الجامحين.
أطلق لعنة، وأطلق طعم جوك سكوت نحو أقصى البركة، مصدرا صفيرا حادا. كان قد انتهى من أمر راكب المقصورة «بي 7». كان قد اهتم براكب المقصورة «بي 7» في ظل سوء فهم تام للموقف. إذ كان قد ظن أن راكب المقصورة «بي 7» تطارده الشياطين هو الآخر. وكان قد رسم لنفسه صورة مغلوطة تماما عن راكب المقصورة «بي 7». اختزل فردوس ذلك السكير في المقصورة «بي 7» إلى زجاجة ويسكي مقلوبة. زال عنه اهتمامه براكب المقصورة «بي 7»؛ فهو شاب عادي تماما، يتفجر صحة وقوة إلى حد صلابة العود، وكان قد أفرط في شرب الكحوليات أثناء رحلة ليلية، وأنهى حياته بطريقة مهينة للغاية؛ حيث سقط على ظهره ثم راح يزحف على يديه وركبتيه حتى توقف عن التنفس.
قال له صوت من داخله: «لكنه كتب تلك الأبيات عن الفردوس.»
فرد على الصوت قائلا: «لم يفعل. لا يوجد أدنى دليل على أنه فعل أي شيء من هذا القبيل.» «لدينا وجهه. إنه وجه غير عادي. كان الوجه الذي استسلمت له في البداية. قبل أن تبدأ في التفكير في فردوسه من الأساس بوقت طويل.»
अज्ञात पृष्ठ