وفكر جرانت، بينما كان يمزق الورقة ويلقيها في سلة المهملات، أنه ربما كان يعرف برايس على نحو أفضل. لكن، كان يوجد دائما الرقيب ويليامز، وحمدا للرب على ذلك؛ ويليامز المخلص. سيتساءل ويليامز عن السبب وراء اهتمام شخص في مثل رتبته وخبرته بجثة مجهولة رآها مرة واحدة للحظات، لكنه كان على الأرجح سيرجع سبب ذلك إلى السأم. على أي حال لن يكون ويليامز بخيلا في تبادل الحديث. لذا فقد كتب إلى ويليامز. طلب من ويليامز أن يكتشف نتيجة التحقيق بشأن شاب، هو شارل مارتن، توفي ليلة الخميس قبل أسبوع على متن القطار الليلي المتجه إلى منطقة المرتفعات الاسكتلندية؛ وأي شيء آخر عن ذلك الشاب يمكن أن يكون قد ظهر أثناء سير التحقيق. وقدم في النهاية أطيب التحيات إلى زوجته السيدة ويليامز وأنجيلا وليونارد.
ولمدة يومين استرخى جرانت في نوع من السعادة المتسمة بالتلهف انتظارا لرد ويليامز. تفقد نهر تورلي غير الصالح للصيد، بركة تلو بركة، وجلفط القارب الموجود في بحيرة لوخان دهو بمادة عازلة للماء، وعبر التل سيرا بصحبة جراهام الراعي وتونج وزانج في أعقابهما تقريبا، واستمع إلى خطة تومي لإقامة ملعب جولف خاص ذي تسع حفر بين المنزل وسفح التل. وفي اليوم الثالث عاد أدراجه وقت وصول البريد تحدوه لهفة لم يعرفها منذ كان في التاسعة عشرة من عمره، وكان معتادا على إرسال قصائده للمجلات.
ولم يكن عدم تصديقه المشدوه، حين لم يجد أي بريد له، أقل حدة مما كان في سنوات الفتوة تلك.
ذكر نفسه بأنه يتصرف بطريقة غير عقلانية. (الخطيئة التي لا تغتفر، دائما، في تقدير جرانت.) لم يكن التحقيق ذا صلة بالإدارة. ولم يكن حتى يعرف أي شعبة تولت المهمة. سيتحتم على ويليامز أن يكتشف ذلك. وقد كان لويليامز عمله؛ عمل يومي مدته أربع وعشرون ساعة. لم يكن عقلانيا أن يتوقع منه أن يتخلى عن كل شيء من أجل أن يجيب عن تساؤلات عبثية لزميل يقضي إجازته.
انتظر يومين آخرين، ثم جاءت الرسالة.
كتب ويليامز أنه يأمل أن جرانت لم يكن متلهفا على العمل. كان من المفترض أنه في راحة، وكل من في القسم كانوا يأملون أنه يحصل على راحة فعلا (ليس الجميع! كذلك فكر جرانت، متذكرا برايس) ويشعر بتحسن. كانوا يفتقدونه بشدة. أما عن شارل مارتن، فلم يكن يوجد أي غموض بشأنه. أو بشأن وفاته، إن كان ذلك هو ما كان جرانت يفكر فيه. لقد ارتطم مؤخر رأسه بحافة حوض غسيل اليد المصنوع من البورسلين، ومع أنه استطاع أن يزحف في الأرجاء قليلا على يديه وركبتيه وتمكن في النهاية من الوصول إلى السرير، فإنه توفي جراء نزيف داخلي بعد فترة وجيزة جدا من سقوطه. وحقيقة أنه سقط للخلف من الأساس كانت ترجع إلى كمية الويسكي الصافي التي شربها. لم تكن تلك الكمية كافية لأن تجعله في حالة سكر، لكنها كانت كافية لأن تجعله مشوش الذهن، وقد تكفل ميل العربة، وهي تغير اتجاهها، ببقية الأمر. وكذلك لم يكن يوجد أي غموض بشأن الشاب نفسه. فقد كان بحوزته حزمة الأوراق المعتادة التي تشير إلى هويته الفرنسية، وأهله لا يزالون يعيشون في عنوان منزله بالقرب من مارسيليا. لم يكن أهله قد رأوه منذ سنوات - إذ كان قد غادر المنزل بعد أن وقع في مشكلة بسبب طعنه لفتاته في نوبة غضب ناجمة عن الشعور بالغيرة - لكنهم أرسلوا المال لدفنه حتى لا يدفن في مقابر الفقراء.
أثارت هذه الرسالة شهية جرانت لمعرفة المزيد بدلا من أن تشبعه.
وبحسب تقدير جرانت، فقد انتظر حتى استقر ويليامز برحابة صدر إلى غليونه وصحيفته، بينما كانت السيدة ويليامز تصلح الثياب وأنجيلا وليونارد يؤديان واجباتهما المنزلية، ثم اتصل به هاتفيا. كان يوجد دائما احتمال أن ويليامز كان في الخارج يطارد الأشرار عبر الطرق الملتوية لمساكنهم، لكن كان ثمة احتمال أيضا أنه كان في البيت.
وقد كان في البيت.
وحين شكره جرانت، على النحو الواجب، على رسالته، قال: «قلت إن أهله أرسلوا أموالا لدفنه. ألم يأت أي أحد للتعرف عليه؟» «نعم؛ لقد تعرفوا على صورته الفوتوغرافية.» «صورة فوتوغرافية له عندما كان حيا؟» «لا، لا. صورة فوتوغرافية للجثة.» «ألم يظهر أي أحد للتعرف عليه في لندن؟» «ولا أحد، على ما يبدو.» «هذا غريب.» «ليس غريبا جدا إن كان شابا مخادعا. فالمخادعون لا يريدون المشكلات.» «هل كانت توجد أي إشارة تفيد أنه كان مخادعا؟» «لا، لا أظن ذلك.» «ماذا كان عمله؟» «ميكانيكيا.» «هل كان معه جواز سفر؟» «لا. الأوراق المعتادة فحسب. وخطابات.» «أوه، كان معه خطابات؟» «أجل؛ الخطابان أو الثلاثة خطابات المعتادة التي يحملها الناس. كان أحدها من فتاة تقول إنها ستنتظره. هكذا ستنتظره لبعض الوقت.» «أكانت الخطابات بالفرنسية؟» «أجل.» «أي أموال كان يحملها؟»
अज्ञात पृष्ठ