قال جرانت: «حري بك أن تكون في مهنتي»، لكنه لم يكن يشعر بتفاؤل كبير. بل كان يشعر بالتعب والخواء. كان على وشك أن يتمنى لو أنه لم يكن قد سمع ببيل كينريك من قبل. كان على وشك أن يتمنى لو أنه كان قد مشى في ذلك الممر في القطار عند بلدة سكون متأخرا عشر ثوان فقط. ففي غضون عشر ثوان إضافية، كان يوجورت سيدرك أن الرجل كان ميتا، وكان سيغلق الباب وسيذهب طالبا العون، وكان جرانت سيسير في ذلك الممر الخالي، وسيترجل إلى الرصيف دون أن يعي مطلقا بوجود شاب يدعى شارل مارتن. ما كان سيعرف قط أن أحدا ما قد مات على متن القطار. كان سيستقل السيارة مع تومي نحو التلال، وما كانت أي كلمات عن الرمال المغنية ستعكر عليه إجازته. كان سيصطاد السمك في هناءة، وسينتهي من إجازته في سكينة.
في سكينة أكثر من اللازم ... ربما؟ بالإضافة إلى قدر مفرط من الوقت يتيح له أن يفكر في نفسه وفي استرقاق الجنون له.
لا، بالطبع لم يكن نادما على أنه سمع ببيل كينريك. سيظل مدينا لبيل كينريك ما دام حيا، وإن استغرق الأمر منه حتى نهاية حياته كان سيكتشف ما تسبب في تغيير بيل كينريك إلى شارل مارتن. لكن ليت بوسعه أن يستجلي هذا الأمر قبل أن تطوقه تلك الحياة الكثيرة المتطلبات التي كانت في انتظاره يوم الإثنين.
سأل عن دافني، وقال تاد إنها كانت تمتلك ميزة واحدة هائلة تميزها عن جميع من عرفهن من قبل، وهي أنها تسعد بالقليل. إن أعطيتها باقة من زهور البنفسج فإنها تسعد بها بقدر ما تسعد معظم الفتيات بزهور الأوركيد. وكان الرأي الذي توصل إليه تاد بعد تفكير أنها لم تسمع من قبل بزهور الأوركيد، وأنه شخصيا لم يكن يعتزم لفت انتباهها إليه. «تبدو من النوع المحب للبيت والأسرة. خذ حذرك يا تيد، وإلا فستصحبها معك إلى الشرق الأوسط.»
فقال تاد: «ليس وأنا بكامل وعيي. لن تعود أي أنثى معي إلى الشرق الأوسط. لن أسمح لأي امرأة بأن تحدث الفوضى في «منزلنا». أقصد منزلي ... أقصد ...» وهنا تلاشى صوته.
أصبحت المحادثة متبلدة فجأة، وأغلق جرانت السماعة بعد أن قطع وعدا بأن يهاتفه بمجرد أن يجد شيئا يبلغه به أو أي فكرة يشاركه إياها.
خرج جرانت إلى الضباب الندي، وابتاع صحيفة مسائية، واستقل سيارة أجرة إلى المنزل. كانت الصحيفة هي «سيجنال»، وأعاده مرأى الاسم المألوف إلى ذلك الإفطار الذي تناوله في بلدة سكون قبل أربعة أسابيع. وفكر مجددا في أن العناوين ثابتة من ناحية نوعها. الخلاف الحاد في مجلس الوزراء، جثة الفتاة الشقراء في حي مايدا فيل، مقاضاة الجمارك، عملية السطو، وصول ممثل أمريكي، حادثة الشارع. حتى عنوان «تحطم طائرة في جبال الألب» كان شائعا بما يكفي ليصنف باعتباره من العناوين الثابتة. «شهد سكان الوديان المرتفعة لبلدة شاموني مساء أمس كتلة من اللهب تندلع على قمة جبل مون بلان الجليدية ...»
كان أسلوب صحيفة «سيجنال» ثابتا أيضا.
الشيء الوحيد الذي ينتظره في المنزل الكائن في 19 تينبي كورت كان خطابا من بات، يقول فيه:
عزيزي ألان، يقولون إنه لا بد أنك تمتلك فراشات صيد من نوعية مارجون لكنني أظن أنها ليست ذات جدوى. التوفير يجنبك الحاجة. هذه فراشة صيد صنعتها من أجلك. لم أكن قد انتهيت منها وقت رحيلك. قد لا تكون ذات نفع في تلك الأنهار الإنجليزية، لكن من الأفضل أن تحصل عليها على أي حال، قريبك المحب باتريك.
अज्ञात पृष्ठ