وحين سأل الشيخ كلا من السيد عمر مكرم والشيخ محمد بخيت من رجال الدين الإسلامي لم ينس أن يسأل رجلا ينكر الأديان جميعا، وهو الدكتور شبلي شميل الذي قال: «إن التعصب غير موجود في مصر على الإطلاق.»
أما المقالة فعي الصحفة المختارة على مائدة الشيخ علي يوسف بغير جدال.
وقد تكتب المقالة في موضوعها بأسلوب أجمل من أسلوبها، وعلى نمط من اللفظ والمعنى أبلغ من نمطها في لفظها ومعناها، ولكن مقالة «علي يوسف» هي مقالة علي يوسف التي لا يكتبها غيره، ولا يؤدي الغاية منها أحد كما يؤديها بقلمه ورأيه؛ فهي من الكلم المفصل على حسب قياسه جملة جملة وسطرا سطرا من فاتحتها إلى ختامها، وليست من الكلم «المجهز» على قياسه ولو على وجه التقريب الذي يحكمها إحكام التفصيل.
وإذا أردنا أن نجمع لهذه «الشخصية» النادرة مفتاحها في كلمة واحدة، فهي كلمة «العصامية»؛ حيث تصل العصامية أحيانا إلى حدود المغامرة.
لقد كان ل «علي يوسف ومصطفى كامل» طريقتان مختلفتان - بل مختلفتان جدا - في الكتابة الصحفية، وفي الخطة السياسية، وفي الدعوة الوطنية.
ولقد فرق النقاد بين الطريقتين، فكان الفرق بينهما عند أناس أن طريقة مصطفى كامل هي طريقة التطرف والحماسة، وأن طريقة علي يوسف هي طريقة المحافظة والاعتدال، وكان الفرق بينهما عند أناس آخرين هو الفرق بين التعليم الحديث والتعليم القديم، أو هو الفرق بين الشباب والكهولة، أو الفرق بين السياسة القومية وسياسة القصر والحاشية الخديوية، أو الفرق بين الخطيب المنطلق والكاتب الحصيف.
لكن الواقع أن الفرق الوحيد الذي يحتوي جميع هذه الفروق هو «شعور العصامية» في نفس الرجل الذي كان مثله الأعلى في الحياة أن يصل باجتهاده وحيلته إلى مكانة السيد الموقر، ليرعى له السادة الوارثون للسيادة كرامة الرأي وكرامة «الخاطر»، كما نقول في عرفنا المأثور.
وكان من حق العصامية الناجحة عند علي يوسف أن يتكلم مع ذوي «الاعتبار» كما يتكلم ذوو الاعتبار، ولا يخف به القلم خفة الحديث المتعجل أو الحديث المستثار.
وإذا قال، كما كان يقول كثيرا، إنه لا يرضى السياسة على مذهب الرعاع، فليست كلمة الرعاع هنا مقابلة عنده لكلمة النبلاء أو «الأرستقراطيين»، وليس إنكاره ل «مصطفى كامل» إنكارا لإنسان دونه في المقام والمكانة الاجتماعية؛ لأن «مصطفى كامل» كان له نصيبه من الألقاب التي خلعت على الشيخ علي يوسف، وإن لم تغلب عليه.
وإنما كانت المقابلة عنده مقابلة بين خفة النزق والعجلة ورصانة «العقلاء» من ذوي الرأي والحنكة في كل طبقة؛ ولهذا كان يكثر من تلقيب مصطفى كامل ب «الطائش»، ويكثر من وصف سياسته بالطيش، ويجذبه عرق الدراسة العتيقة فيقول معتذرا من تكرار كلمة الطائش إنها تطابق اسم مصطفى كامل في حساب التنجيم؛ لأن مجموع الحروف بحساب الجمل في كلمة طائش وكلمتي مصطفى كامل واحد وهو (319).
अज्ञात पृष्ठ